خبر : ثروة الأمم.. قراءة إقتصادية في أفكار أبو الإقتصاد، آدم سميث

السبت 16 مايو 2015 09:03 م / بتوقيت القدس +2GMT
ثروة الأمم.. قراءة إقتصادية في أفكار أبو الإقتصاد، آدم سميث



سما / وكالات / نلتقى اليوم مع قراءة إقتصادية لإفكار عالم الإقتصاد الإسكتلندي الأصل آدم سميث -Adam Smith ، والذى عاش فى القرن الثامن عشر (1723م : 1790م)، ويُعتبره الكثيرين أبًا لعِلم الإقتصاد؛ فقد كان مؤلفاً لأغلب النظريات الإقتصادية، التي مازالت تشكل أساساً لاقتصاديات السوق الحر، كما أنه أحد أكثر الكتاب تأثيرًا في التاريخ الحديث.

فهو أول من إبتكر الإقتصاد الحديث ومفاهيم الرأسمالية؛ ومؤسس الليبرالية الإقتصادية Economic Liberalism، والتى أشتهرت في أوروبا عندما نشر مبادئها عام 1776م فى لندن بمؤلفه الضخم الشهير دراسة فى طبيعة وأسباب ثروة الأمم – An inquiry into the nature and causes of the wealth of nations، والمعروف إختصارًا بــ ثروة الأمم – Wealth of Nations، في أكثر من ألف صفحة، في بداية فترة الثورة الصناعية؛ ليحتوى المبادئ والأسس والقوانين التى تقوم عليها الرأسمالية، التى مازال العالم يأخذ بها حتى الوقت الحاضر.

ورغم أنه لم يضف في كتابه الشهير ثروة الأمم أفكارًا ونظريات إقتصادية جديدة، إلا أنه يبقى واحدًا من أهم المؤلفات في الإقتصاد الحديث؛ ومَثَل إنطلاقة الفكر الكلاسيكى؛ لكونه أول كتاب جامع، وملخص لأهم الأفكار الإقتصادية للفلاسفة والإقتصاديين الذين سبقوه أمثال:- فرنسوا كيناي و جون لوك و ديفيد هيوم.

رابط الكتاب عبر موقع Goodreads
يمكنك إقتناء نسخة من الكتاب عبر موقع Amazon.

جامعات اقتصادية نجحت فى تخريج مليارديرات العالم والحاصلين على نوبل !

فقد دافع مع آخرين عن إلغاء التدخل الحكومي في الشؤون الإقتصادية، ورفع القيود عن عملية التصنيع، ورفع الحواجز والتعريفات الجمركية، وقال إن التجارة الحرة هي أفضل وسيلة للنهوض باقتصاد دولة ما، لذا يُعد الرجل أحد أهم مفكري عصر التنوير، إذ اتخذه تيار المحافظين الجدد – منذ زمن بعيد – أبًا لفكرهم، وحديثًا حاول حزب العمال الجديد أن يتخذه كمرجعية فكرية له.

نسخة محفوظة من الإصدار الأول لكتاب ثروة الأمم
نسخة محفوظة من الإصدار الأول لكتاب ثروة الأمم
فماذا يقوم به آدم سميث في كتابه الضخم الشهير ثروة الأمم؟

مبدئيًا فإن من أقدم تعريفات علم الإقتصاد، هو ذلك التعريف الذى ذكره آدم سميث فى كتابه ثروة الأمم، ليُعد بذلك من أوائل الإقتصاديين الذين قدموا تعريفًا لعلم الإقتصاد، فيقول: إن علم الإقتصاد هو ذلك العلم الذى يهتم بدراسة الوسائل التى يمكن أن تزيد ثروة الأمم، أو بمعنى أخر: هو العلم الذى يبحث فى الوسائل التى تمكن الأمة من أن تغتنى. وهكذا كانت الثروة ووسائل زيادتها هى موضوع دراسة علم الإقتصاد عند آدم سميث.

ينظر سميث الى الإنسان بإعتباره إنسانًا إقتصاديًا، فهو يرى إن من يقترح على شخص آخر صفقة ما يخاطبه عموما بالعبارات مثل (أعطني ما أحتاج، وستحصل مني، بالمقابل، على ما تحتاج).

إننا إذن، لا ننتظر من الجزار أو بائع الجعة أو الخباز أن يوفر لنا عشاءنا بفعل الإهتمام بنا وحده، بل بفعل الفائدة التي يجلبها توفير هذا العشاء لمصالحهم، إننا لا نتوجه بالخطاب لإنسانيتهم وإنما لأنانيتهم أو كما يقول سميث مصلحتهم الشخصية، ومن هذا المعتقد الذي يوجد بشكل طبيعي لدى كل واحد منا وفقه استعداد للتبادل مع أمثاله ينبع التعريف الليبرالي للإنسان باعتباره إنسانًا إقتصاديًا.

ففي كل الأنواع الحية تقريبًا -كما يشير إلى ذلك آدم سميث- إذا بلغ أي كائن كمال تطوره، يغدو مستقلاً تمام الاستقلال، وكلما ظل على حالته الطبيعية، فإنه يستطيع الإستغناء عن مساعدة كل المخلوقات الحية.

لكن الإنسان في حاجة دائمة تقريبًا لمساعدة بني جنسه، وهو يتوقع منهم ذلك بدون جدوى إنطلاقًا من اهتماماتهم وحدها، إلا أنه سيكون متأكدًا من النجاح لو أنه حرك فيهم مصالحهم الشخصية، وأقنعهم أن مصلحتهم الخاصة تتطلب منهم أن يعملوا ما ينتظره منهم.

ويقول آدم سميث فى كتابه أن المصدر الأول لثورة الأمة ليس الأرض، وإنما العمل: عمل الأفراد الذى يزودهم بالحاجات الضرورية والكمالية، التى يستهلكونها، سواء كانت مما ينتجونه بأنفسهم، أو ما يتبادلونه مع منتجات الأمم الأخرى..

وهكذا فإن ثروة الأمة تزيد كلما زاد العمل، ولا سبيل الى زيادة العمل إلا بالتخصص وتقسيم العمل وتطوير أدوات الإنتاج وآلاته، وفى حالة زيادة عدد السكان المستهلكين، لابد ان تزيد عدد العمال المنتجين، وهذا بالطبع يتطلب زيادة رؤوس الأموال المستثمرة.

فيرى أن ثروة كل أمة تقاس بإنتاجيتها، وربط الإنتاجية بتقسيم العمل، واعتبر أن التقسيم المطرد للعمل إلى وحدات أصغر وأصغر يسهل العملية الإنتاجية، ويزيدها كمياً.

من قلب الكيان الصهيوني.. الجيش الإسرائيلي وصناعة أمة الشركات الناشئة ! – تقرير

ومن وصايا آدم سميث إلا يسرف الأفراد والمجتمع فى التبذير، ويفضل عليها التعقل والحرص، كما أنه يميز بين نوعين من العمل، أحدهما عمل منتج، والآخر يحقق نفعًأ ومتعة سريعيين، لكنه لا يضيف شيئًا لموارد المجتمع، ويدخل فى ذلك عدد من أعمال الخدمات التى تروج لها الدعاية دون أن يكون لها عائد حقيقى على المجتمع.

ويرى ان أهم قوة تنمى الثروة هى غريزة المصلحة الشخصية، التى تدفع الفرد الى تحسين أحواله، وبالتالى تتكون قروة المجتمع من مجموع تحقيق هذه المصالح الشخصية للأفراد، حتى دون أن يكونوا قد قصدوا أساسًا إليها، وهكذا فإن النظام الإقتصادى عند آدم سميث يقوم على النظام الطبيعى الذى تحكمه تلك الغرائز الشخصية.

وقد أوضح ذلك عندما إبتكر مبدأ اليد الخفية Invisible hand ، حيث يقول، أن الفرد الذي يقوم بالإهتمام بمصلحته الشخصية، يساهم أيضاً في إرتقاء المصلحة الخيرة لمجتمعه ككل، حيث يشرح بأن العائد العام للمجتمع هو مجموع عوائد الإفراد، فإذا، عندما يزيد فرد ما عائده الشخصي، فإنه يساهم في زيادة مجموع العائد للمجتمع؛ وعلى الرغم من أن آدم سميث استعمل المصطلح لثلاث مرات فقط؛ إلا أن المصطلح انتشر بشكل واسع لاحقاً.

وهنا قد يسأل سائل: كيف تنوعت المجالات الإقتصادية وتكاملت فى المجتمع؟، والإجابة أن كل فرد عندما يسعى لتحقيق مصلحته الشخصية، فإنه يجد نفسه مضطرًا للتخصص فى العمل الذى يجيده، لكى يخرج منه منتجًا يتبادله مع غيره ممن يحتاج الى منتجاتهم، ومن هنا جاء تقسيم العمل والتخصص فيه أيضًا بصورة طبيعية.

لكن كيف يتكون رأس المال الذي يحرك الإنتاج في المجتمع؟

يجيب آدم سميث أنه بسبب غريزة طبيعية تدفع الإنسان الى الإدخار، وتحثه بالتالى على زيادة مدخراته من خلال الإستثمار،وبذلك تزيد رؤوس الأموال التى تؤدى الى زيادة الإنتاج، وتشغيل العمال، ومنها جميعًا تتكون ثروة الأمة.

وفى هذه الحركة للإقتصاد تبعًا لتنوع الغرائز الإنسانية، يقتصر دور الدولة على تهيئة البيئة المناسبة، وذلك من خلال شق الطر، وتنظيم حركة النقود، وضمان تنفيذ العقود بصورة أمينة، وعلى الدولة أن تحقق حرية الصناعة والتجارة بإمتناعها عن التدخل فيها، وبذلك تتيح الحرية الكاملة لكل من العمل والإنتاج ورأس المال، لكى يحقق أصحابها مصالحهم الشخصية، ويزيدوا بالتالى من ثروة مجتمعهم.

أن أى دولة –مهما كان نظامها الإدارى، وعقول موظفيها الأذكياء- لن تستطيع أن تحقق للأفراد مصالحهم الشخصية، كما أنها لن تحقق لمجموعهم الزدهار الإقتصادى بما تفرضه عادة من قوانين وضوابط وإشتراطات، وسوف تصاب بخيبة الأمل عندما يتدهور النظام الإقتصادى فيها، بسبب هذا التدخل الذى يتنافى تمامًا مع حرية الإقتصاد.

لكن آدم سميث يعود فيعترف للدولة ببعض السلطة فى منع الإحتكار والربا، كما يسمح لها بفرض ضرائب على السلع الواردة من الخارج، والتى تشكل تهديدًا للسلع المشابهة التى ينتجها المجتمع، لكن القاعدة الأساسية فى نظام الدولة هو أن يقتصر دورها على تهيئة المناخ المناسب لحرية الزراعة والصناعة والتجارة، مع ضرورة توفير الأمن والعدالة والتعليم لجميع أبناء المجتمع.

وبالنسبة الى السلع، يرى آدم سميث أن كل سلعة لها قيمتان: قيمة يحددها حاجة المنتفع بها واستعماله لها، وقيمة مبادلة يحددها ما يمكن ان يحصل عليه صاحبها فى مقابلها من سلع أخرى، ومن الواضح أن القيمتين مختلفتان، لكن الأساس الذى يجمعهما هو قيمة العمل المبذول فيهما، لأنه القيمة الثابتة التى ستظل فى كل الأحوال معيارًا صادقًا لقيمة السلعة الحقيقية فى أى زمان ومكان.

الإقتصاديون الخمسة الأكثر تأثيراً في تطور الفكر الإقتصادي الحديث

وتظل بعض الأسئلة مطروحة بقوة على نظرية آدم سميث

ماذا لو اجتمع عدد من الأفراد ذوى مصالح مشتركة للعمل ضد مصلحة المجتمع؟.
كيف يتم تقييم أجر العمال عن المجهود الذى يبذلونه فى إنتاج السلع؟.
ما الحل بالنسبة الى الأفراد الذين قد يتعثرون فى تحقيق مصالحهم الشخصية، أى مشروعاتهم الخاصة؟.
اذا أخذ بلد ما بهذا النظام الطبيعى فى الإقتصاد، كيف تتعامل مع بلاد أخرى لا تطبق؟.
النظرية فى اساسها صحيحة، وهى تطلق طاقات كل أفراد المجتمع ليحقق كل منهم رغبته الشخصية فى النشاط الإقتصادى الذى يختاره، بدلاً من أن تحولهم الى موظفين لدى الدولة التى تفشل عادة فى إدارتهم، وتوزيعهم على مختلف الأعمال، ومن المؤكد أن الدولة المزدهرة إقتصاديًا سوف تكون دولة مزدهرة سياسيًا وعسكريًا، لأنها من خلال الضرائب المتوافرة لها سوف تكون قادرة على الوفاء بمسئولياتها.

لقد أخذ النظام الرأسمالى الحالى بنظرية آدم سميث بعد ان أدخل عليها بعض التعديلات، كما استفاد من بعض عناصرها النظام الإشتراكى دون أن يصرح بذلك، والملاحظ حاليًا أن النظام الإشتراكى قد ثبت فشله تمامًا، كما أن النظام الرأسمالى بعد أن أستطبع بطابع العولمة قد ظهر تعثره، وأصبح كل إنسان فى العالم مدعوا لكى يرفعه من تلك الحفرة التى وقع فيها، فهل يمكن أدخال بعض الإصلاحات عليه، أم يتم استبداله تمامًا من خلال إبتكار نظام جديد.. هذا هو السؤال.

وفى الأخير فقد رحل آدم سميث تاركاً وراءه إرثاً نظرياً، أثبت التاريخ الإقتصادى وحده مدى الدمار الإجتماعي الناجم عنه..