خبر : الإسلاميون وسوريا : حل الأزمة يأتي عبر التقسيم الطائفي ...د. علاء أبوعامر

السبت 29 يونيو 2013 02:56 م / بتوقيت القدس +2GMT
الإسلاميون وسوريا : حل الأزمة يأتي عبر التقسيم الطائفي ...د. علاء أبوعامر



قتل أربعة من المصريين الشيعة من قبل مجموعات مصرية سنية بعد فتاوي الجهاد ضد العلويين في سوريا وتكفير الشيعة من قبل بعض مشايخ أهل السنة المحسوبين على تيارات إسلامية سياسية معينة، هي جريمة بكل المقاييس، جريمة وزرها في أعناق قيادات ورجال دين التيار السياسي الإسلامي، نعم رجال دين... رجال دين وليسوا علماء...فالعالم لا يفتي إلا بالحق وهؤلاء يفتون بالباطل، يفتون من عند أنفسهم، ولا علاقة لله والرسول بهم وبفتاويهم، يفتون لغايات سياسية لا دينية. كلهم يتحملون وزر هذه الجريمة، كل من أفتى بقتال وتكفير الشيعة والعلويين المسلمين يتحمل وزر هذه الجريمة، نعم هو مجرم لأنه كان يعني ما يقول. كان يفتي ليس محبة لله وللرسول بل محبة بالكرسي، بكرسي الحكم، كان يفتي بالتكفير والقتل لأنه عجز بالسياسة وبالحرب فلجأ إلى الدين لجأ لأسوأ الأدوات لجأ إلى الفتنة المذهبية، كونها أداة لا يمكن السيطرة عليها. هم يعلمون ذلك يعلمون علم اليقين أن ما يفعلونه سيحول المنطقة إلى كتلة لهب تجتاح كل شيء وتدمر كل شيء بينما من نفذ الجريمة قد يكون مختلاً عقلياً بلا وعي أو إدراك، مجرد آلة، وأداة للقتل، من حركوا هذه الفتنة حركوها مع سبق الإصرار والترصد، دحرجوا هذه الفتنة لتعم المنطقة. الفتنة كما يعتقدون كفيلة بخلط الأوراق، هي فقط من سيؤمن مصالحهم، دائماً ما يلجأ الفاشلون إلى التطرف، التطرف يتغذى على الجهل حيث الأمية والبطالة حيث عدم الوعي، الفتنة تعطيهم مهل للبقاء والاستمرار ولكنها مهل مغمسة بالدم، بالدم والدموع والألم... مُهل قد تُفيدهم مؤقتاً ولكنها ستُدمرهم وتدمر أوطان بأكملها مستقبلاً، هذه هي ديمقراطيتهم، ديمقراطية توزن بالكيلوغرام، تقاس بالأغلبية في صناديق الاقتراع، فهم لا يفهمون من الديمقراطية إلا الفوز، لا يفهمون أن الديمقراطية ليست أغلبية واقلية وليست فقط صندوق اقتراع بل حقوق وواجبات. إن أكبر الأخطار التي تواجه الديمقراطية هو خطر "طغيان الأغلبية"، إن "طغيان الأغلبية" يعني أن حكومة تعكس وجهة نظر الأغلبية بإمكانها اتخاذ إجراءات لقمع أقلية معينة، وهذه الأغلبية في بعض الأحيان هي أغلبية نسبية من الناخبين وهي تعد لذلك أقلية. وهنا تمارس إحدى الأقليات طغيانها على أقلية أخرى باسم الأغلبية. إن الأغلبية المهيمنة سياسياً (وهي إما أغلبية حقيقية أو نسبية) قد تقرر بأن أقلية معينة ـ سواء كانت دينية أو سياسة أو عقائدية أو من يحملون فكر الأقلية، يجب تجريمها وفي حالة الأحزاب الدينية كجماعة الإخوان تكفيرها إما بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وهذا يقوض الفكرة القائلة بأن الديمقراطية تخويل للناخبين ككل. على ما يبدو أن الإسلاميين لا يفهمون المعنى الحقيقي للديمقراطية، أو يفهمون ويغضون الطرف، فهم يسمون الديمقراطية "غزوة الصناديق". هي غزوة إذن، أي معركة كما المعارك الحربية، ينتصر فيها من ينتصر ويخسر فيها من يخسر. ما زالت عقليات القرون الوسطى تحكمهم؛ فوفق مفاهيمهم الديمقراطية تعني أن الخاسر عليه التزام الصمت عليه القبول بذل الهزيمة، وان لا يطالب بحقوق وان لا ينتقد اولياء امره ونعمته. تصريحات الإسلاميين تدل على أنهم لا يمثلون أوطاناً بل يمثلون احزاباً وجماعات، لا يهمهم في شيء باقي شرائح المجتمع هكذا اثبتت تجاربهم الفاشلة، والدامية في معظم الأحيان. وهنا لا فرق بين الجماعات السياسية الإسلامية السنية والشيعية تجارب طالبان افغانستان والأحزاب الشيعية في العراق كافية للتدليل على مفاهيم الديمقراطية لديهم، تجارب الإسلاميين في مصر وليبيا وتونس ما زالت في بداياتها ولكنها بدايات تشي بالطالبانية بالنموذج الطالباني الأفغاني، لا حقوق للأقليات، حقوق الأقليات مرتبطة بقانون الجزية أو القتل هكذا، هذا ليس تنظيراً وافتراضاً هذه مراقبة ومتابعة لممارساتهم وتصريحاتهم. أنهم يفضلون دول الطوائف، دول ودساتير الحصص الطائفية هذه أسهل لهم فهم بنوا مبادئهم وأفكارهم على المذهب الطائفي لذلك لا يمكن أن يقبلوا بغيرهم، الدساتير المدنية المصوغة على اساس المواطنة وعدم التمييز تتعبهم، تحبط اعمالهم من الأسهل لهم تمزيق النسيج الاجتماعي وهم يمزقونه، يمزقونه بوعي، يمزقونه وهم يعلمون أن ذلك يتناقض مع اهداف الأمة، كل ذلك ليس مهماً لديهم، المهم تطبيق رؤيتهم للدين والمجتمع. لا يختلف قتلة الشيعة الأربعة في فعلهم ذاك مع أفعال الشيخ السلفي اللبناني أحمد الأسير الذي يدعو السنة إلى ترك الجيش لأنه جيش كافر ولا مع ممارسات جبهة النصرة التي تنتمي للقاعدة التي تقاتل في صفوف المعارضة السورية التي ترتكب أعمال عنف طائفية. ففي مطلع يونيو/ حزيران، قتل الثوار 30 شخصا على الأقل في غارة على قرية حطلا الشيعية في محافظة دير الزور، وحرقوا المنازل ووصفوا الشيعة بأنهم "كلاب" و"مرتدون". هذه الدعوات المدمرة تستهدف دول التنوع الثقافي والمذهبي في بلدان الشرق الأوسط، كمصر ولبنان والعراق وايران. ولكنها بشكل مباشر تستهدف سوريا التي تحتوي على أكثر من أربعين قومية وعرقية ومذهب وطائفة، سوريا هذه هي من كتب عنها المؤرخ باتريك سيل يوما بأن تعايش الاقليات فيها يمثل أحد اكبر ألغاز الشرق الاوسط.. وتساءل سيل "هل هذا العالم جمع فسيفسائي محير من مجتمعات قديمة كل منها على خلاف مع الآخر..ام أنه وحدة واحدة من حيث اسلوب الحياة واللغة والمطامح؟" ( من كتاب الصراع على السلطة في سوريا). فكرة تقسيم سوريا طائفياً هي فكرة على ما يبدو مخطط لها منذ مدة طويلة فهي استراتيجية وليست تكتيكاً، وتشير بعض التقارير الإعلامية أن ذلك بدأ في اللحظات الأولى لما سمي ثورة الشعب السوري، حيث تقول الفنانة السورية المعارضة مي سكاف لصحيفة القدس العربي "الجزيرة صار بيني وبينها تجربة سيئة. وانا متأكدة بالنسبة إلى هذه القناة أنها عملت عن سابق تصور وتصميم على تهميش الحراك السلمي والثوري في المناطق التي فيها أقليات حدث هذا في فترة من الفترات. كان هناك نشاط سلمي للثورة السورية في ثلاث قرى علوية وأخبرني الشباب أن قناة الجزيرة ترفض عرض ما يرسلون لها عن نشاطهم. لا يبتهجون كثيراً لفكرة أن في تلك المناطق حراكاً وهم مصرون على أن المناطق العلوية ليس فيها حراك".. مخطط التقسيم الطائفي لا يثيره رجال الدين من جماعة الإخوان المسلمين فقط بل ايضاً كتاب مرموقين مثل الكاتب المصري الكبير الاستاذ فهمي هويدي القريب من التيار الإسلامي ففي مقال له بعنوان "معضلة سوريا..بين كارثة الاستمرار وزلزال السقوط" يقترح توزيعه للسلطة في سوريا أسوة بلبنان والعراق. فقد جاء في مقاله "أما الحل السيئ الذى قد يكون أفضل من اللا حل فيتمثل في عقد اتفاق بين الطوائف السورية يستلهم فكرة مؤتمر الطائف الذي رعته المملكة العربية السعودية عام 1989 لإسدال الستار على آثار الحرب الأهلية التي شهدتها لبنان طوال 15 عاماً. وقامت فكرة الاتفاق على قاعدة المحاصصة واقتسام السلطة بين القوى الرئيسية المتصارعة؛ الموارنة والسنة والشيعة. والمحاصصة في الحالة السورية تقتضى اقتسام السلطة بين السنة والعلويين والأكراد والدروز، كل حسب نسبته". من الواضح أن الكاتب الكبير أغفل عدد كبير من الطوائف الأخرى التي تضمها الجمهورية العربية السورية في أكنافها حيث يضم هذا البلد العربي ما يقارب من الأربعين مذهباً وطائفة وعرقاً، وهي تمثل بذلك فسيفساء قوميات وطوائف ومذاهب، وتعتبر واحدة من مراكز العالم القديم، التي أشعت نوراً وبهاءً وحضارة ملئت العالم، وكانت وما زالت حتى الآن. وبالرغم من عمق الأزمة الحالية، نُبهر الكثير من المتابعين للشأن السوري حول كيفية التعايش والتراحم الذي يجمع السوريون بعضهم ببعض، رغم اختلافاتهم الثقافية والمذهبية، ورغم محاولات بعض وسائل الإعلام ورجال السياسة إطلاق تسمية الحرب الطائفية عما يجري في سوريا من قتال ولكن بقيت القاعدة التي تحكم الناس هي التراحم والتسامح، فهذا التسامح والتراحم ليس وليد الدولة القومية السورية الحديثة بل هو متأصل في تاريخ هذا الشعب منذ مئات أو ربما آلاف السنين. يقول أحد الكتاب عن التنوع الطائفي والمذهبي في بعض مناطق سوريا: "تتناثر القرى في الوديان وفوق الجبال في شمال غرب سوريا مجسدة تنوع المجتمع السوري..فبكل واحدة منها يهيمن دين او مذهب مختلف. وظلت هذه التجمعات السكانية متعايشة في نسيج واحد، تميزت به سوريا واعتبره مواطنوها جوهر هويتها". وبالرغم مما أحدثه الصراع الأخير الذي ما زال نازفاً ودامياً حتى الآن والذي خلق بعض الاستثناءات عن قاعدة التعايش والتسامح والتراحم بفعل فتاوى التكفير والقتل الطائفي والمذهبي إلا أنه وبالمجمل يعتقد وعلى نطاق واسع أن قاعدة التسامح والتراحم والتعايش ما زالت صالحة. ولا بديل عنها. هذا الاعتقاد الجازم أحياناً يستلهم تأكيداته من سطور التاريخ الحديث الذي عاشته سوريا إذ أنه وفي مطلع القرن الماضي حاول الجنرال الفرنسي غورو أول قدومه، تقطيع أوصال سوريا، وتفرقة أبنائها على محاور الطائفية، فأقدم على إحداث دولة لبنان الكبير ثم تأسيس دولة العلويين، بموجب قرارين بتاريخ ٣١ آب ١٩٢٠، ثم تلا ذلك إقامة دولة دمشق فدولة حلب وتبعها إقامة دولة الدروز بتاريخ ٤ آذار ١٩٢١. ولكن أبناء سورية من كافة الطوائف وقفوا في وجه مخططاته الخبيثة. ويذكر رئيس الوزراء السوري الأسبق معروف الدواليبي، أن سبب إخفاق فرنسا في تقسيم سوريا عام ١٩٢٥ إلى دويلات متعددة، يرجع إلى الانتفاضات الشعبية الرافضة لهذه المؤامرة التي قامت في سورية فأُسقط في يد الفرنسيين وأخذوا يتراجعون عن مخططاتهم ومشروعهم بتقسيم سوريا إلى دويلات. هذا التنوع مثار الأعجاب والدهشة هو مثال على تميز هذا البلد. يشير جوشوا لانديس، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما، ومؤلف مدونة واسعة الانتشار بعنوان "سيريا كومنت" إلى أن "هناك حركة معاكسة مثيرة للاهتمام تتمثل في فرار الكثير من أبناء الطائفة السنية إلى المدن التي يسيطر عليها العلويون والتي كانت أقل تضررا من أعمال العنف، مثل اللاذقية أو حتى القدموس، في أعماق الجبال العلوية، وأدخلوا بذلك نوعا جديدا من التجانس في بعض معاقل العلويين". الغريب في هذا الأمر أن إثارة الفتنة المذهبية تخدم طرفين من المفروض أنهما متناقضان ولكن لا، فهما قد يتناقضان بالمواقف ولكن بالمصالح هناك توافق تام بينهما هذان الطرفان هما الصهيونية العالمية الممثلة بإسرائيل وجماعات الإسلام السياسي التي تسعى للسيطرة على الحكم في بلدان العالم العربي، تخدم الأولى لأنها تسعى لأن تصبح دولة يهودية صافية نقية مع العرب مسيحيين ومسلمين وتخدم الإسلاميين لأن هذا الفكر لا يعترف بالاختلاف ولا يمكن أن يطبق أفكاره المبنية على التعصب الطائفي في دول متعددة الاديان والمذاهب أو من خلال الدول المدنية والتي لا يصلح معها إلا الدول القومية العلمانية، لذلك أولئك يثيرون الفتنة لأنها وسيلتهم الوحيدة للعب بعقول الجماهير وتعبئتها. من الواضح أن الشعوب العربية باتت تعرف هذه الحقائق وباتت تخشى من المستقبل الذي تسعى إليه الأطراف المعادية للمدنية والتعايش والتراحم بين مكونات المجتمعات الدينية والإنسانية. الشيخ على رمضان (ممثل الحركة الشعبية لاستقلال الأزهر) يقول "لقد ابتلانا الله عز وجل في هذه الآونة الأخيرة بدعاة سوء وفتنة وتعصب وجهل، دعاة أحزاب وجماعات، وافتقدنا داعي الله الذي انصاعت له المخلوقات جميعا". بهذه الكلمات لهذا الشيخ الجليل نختم مقالنا فهو تعبير عن الواقع، الواقع الذي نرجو ان لا يستمر....نحن نعتقد أن الصراع في سوريا جوهره سياسي ذو أبعاد محلية وإقليمية ودولية، ولكن هناك أطرافاً تسعى إلى تغليفه بالطائفية خدمة لمصالحها بالطبع هذه الأطراف هي أطراف خبيثة لا تعمل لمصلحة الأوطان بل تعمل بما يخدم ويسهل وصولها إلى الحكم ولا يهمها أن كانت استراتيجيتها تلك تلتقي مع مصالح الصهيونية العالمية والقوى الاستعمارية فالغاية لديهم تبرر الوسيلة.   د. علاء أبو عامر كاتب وباحث وأكاديمي من فلسطين