خبر : الديموقراطية التجميلية والوجه القبيح للحكم .. د. ناجى صادق شراب

الأحد 03 أبريل 2011 05:12 م / بتوقيت القدس +2GMT
الديموقراطية التجميلية والوجه القبيح للحكم .. د. ناجى صادق شراب



                              كما في الجراحة التجميلية التي يخفى من خلالها الجراح قسمات الوهن والضعف والترهل التى تظهر على الوجه والجسد بحكم التقدم في السن ،  كذلك في الجراحة السياسية التي يسعى الحكام لإخفاء التجاعيد الغائرة على وجوههم ، والشيب الزاحف على شعورهم حتى يظهروا بمظهر الحاكم الأصغر سنا ، وألأكثر حيوية ونشاطا ، وكانهم يعترفون ويقرون أن الحكم لا يصلح له إلا من هم اصغر سنا ، ولكنها الرغبة في الحكم والسلطة التي لا تقف في طريقها عمر معين ، وللتغلب على عامل العمر الذي لا يستطيع الحكام وقف عجلته التي تقلل من فرص بقائهم في الحكم ، يلجأون بحجة الحكمة والتوازن العقلى والخبرة الطويلة في الحكم إلى تبرير إستمرار حكمهم تخوفا من حكم الشباب المتهور والذى قد يقود البلاد إلى التهلكة .  وما لم يدركه هؤلاءالحكام أن كل شئ يتغير حتى نظام الحكم نفسه ،  ولو قارن الحاكم بين اليوم الأول لحكمه وبين اليوم ألأخير لأكتشف كم هي حجم التغيرات ، والفجوة التي باعدت بينه وبين بيئة الحكم ، وبين مواطنيه الذين قد حولهم إلى مجرد أرقام حسابيه في جيبه  مثلما يحول ألأموال إلى أرصدة الحكم في البنوك . ومع التسليم بأن الحاكم إنسان سوى  وعاقل ومدرك لكل ما حوله ، وأنه ليس كما يعتقد أنه يعيش في برج عاجى بعيد عن حياة الناس ، فأنا لا أؤمن بهذه الفرضية . الحاكم إنسان عاقل إلا في مسألة الحكم والسلطة ، لأنها تجلب له النفوذ والقوة والمال . وحرصا منه على هذا الحكم وحصره في دائرته فهو يبحث عن كل الوسائل لحفظ هذا الحكم ، ومن أخطر هذه الوسائل الديموقراطية نفسها ، التي يحاول أن يسخرها لتجميل الحكم السلطوى ، فلا يوجد نظام حكم أو حاكم قد ينفى عن نفسه صفة الديموقراطى . بل قد يذهب الحاكم في هذه النظم السلطوية إلى وصف نفسه وحكمه بالنظام ألأكثر ديموقراطية ،وأنه مستهدف لأنه يعمل من اجل شعبه . وهنا التناقض بين الديموقراطية والسلطوية وكيفية الجمع بينهما ، وهنا أيضا التناقض بين الدول الديموقراطية وموقفها من إستمرار هذه النظم . و يفترض أن لا تقابل بين نظام حكم ديموقراطى ونظام حكم سلطوى . ولعل أفضل العلاجات التي قد توصل إليها الحكم السلطوي هي الجراحة التجميلية لنظام الحكم القائم . ومن هذه العلاجات إقرار الإنتخابات الدورية ، لكن ليس مهما نتيجة هذه الإنتخابات ، فلا مانع من هذا الحق الإنتخابى طالما يمكن ألتحكم في نتيجتها وتزويرها في خدمة النظام القائم . والمهم اليست هناك إنتخابات . ولا مانع لدى الحاكم السلطوى من تعددية حزبية ومعارضه سياسية ورقية حتى يباهى بها النظم الديموقراطية ألأخرى ، والمعيار هنا التعددية الشكلية وليس الفعلية ،فطالما أن هذا التعددية الحزبية تعمل تحت مرأى وبصر الحاكم وأجهزته الرقابية والإستخباراتية فلا مانع من وجودها ، بل إن وجودها يؤدى خدمة كبيرة للنظام. ومن العلاجات التجميلية السماح بوجود مؤسسات المجتمع المدنى بكل أشكالها ، ولكنها إذا خرجت من دائرة الحكم فتهمة التمويل الخارجى مسلطة على كل أنشطتها. ومن الوسائل ألأخرى السماح بقدر من المعارضه الصحفية والنقد عبر بعض الوسائل الإعلامية ، لأن هذه النقد ورقة رابحه في يد الحاكم يمرر من خلالها سلطوية النظام القائم ، ومن خلالها يتباهى الحاكم بوجود نقد للحاكم ، ولكنها في الحقيقة معارضه مسيسة ، وموظفة لخدمة الحاكم . ولا يستبعد أن تكون هذه المعارضه جزء من النظام نفسه. وأما في مجال الحقوق والحريات ، فقد يذهب النظام بعيدا في التاكيد على حقوق المواطن علنا وفى الخطب الرسمية ، ولكنها حقوق وحريات مدونة في دساتير لا تعمل ، المهم أن هناك حقوق وحريات دون أن تمارس ،ويمكن للحاكم أن يمنح هذه الحقوق ويسلبها عبر وسائل ومؤسساته ألأمنية ، وعبر الإعتقالات والملاحقات والنفى الخارجى وقوانين الطوارئ . ومن أبرز هذه الجراحات التجميلية مجالس الشعب التي يسيطر عليها حزب واحد ، وفى الحقيقة تتحول هذه المجالس إلى آداة في يد الحاكم لتمرير القوانين والتشريعات التي يريدها إستمرار الحكم في حكمه ، وبالتالي تتحول هذه المجالس من قاعدةالنائب يمثل الناس ويريد من يريدونه  إلى نائب يمثل الحاكم ، يريدون ما يريده الحاكم . ولعل من أعلى درجات الجراحة التجميلية الديموقراطية توريث الحكم عبر الديموقراطية . كما حدث في سوريا ، وما كان سيحدث في مصر وليبيا واليمن .  ولا أحد يعترض أن أبناء الرؤساء من حقهم مثل أي مواطن آخر أن يتنافسوا على منصب الرئاسة ، ولكن عبر وسائل ديموقراطية حقيقية ، لكن التوظيف الديموقراطى يتم عبر تقييد دستورى أو تعديله لمن له حق الترشح للرئاسة ،أو من خلال إصدار قوانين معينه تحدد مرشح الرئاسة في إبن الرئيس ، أو من خلال وهذا هو ألأخطر تفويض مجلس الأمة او الشعب ومنح هذا الحق لإبن الرئيس مثلا بعد وفاته او مرضه . وقد تذهب هذه النظم بعيدا بتقديم إبن الرئيس وكانه الرئيس الفعلى . وبهذه القراءة يتضح لنا بعد المسافة بين الديموقراطية الليبرالية المرتبطة بالسلطوية وبين الديموقراطية الليبرالية اللصيقة بالديموقراطية الليبرالية نفسها . وهذا الترابط غير الطبيعى أو المصطنع هو الذي يفسر لنا فشل كل التجارب الديموقراطية التي شهدتها الدول العربية ، وفشل عملية ألإصلاحات الساسية التي قام بها النظام الحاكم. وتحولها لإصلاحات شكلية ورقية بعيده كل البعد عن جوهر ومضمون نظام الحكم القائم ، بمعنى أنها لا تصل إلى تغيير نظام الحكم السلطوى . وهى التي تفسر لنا حالة الثورات العربية الغاضبة على تغيير أنظمة الحكم القائمه . ومن المفارقات السياسية في هذا التزواج تلك المرحلة التي يشعر فيها الحكام أنهم على وشك ترك مناصبهم وفقدان حكمهم ، فيحاولون تطبيق نفس الجراحات السابقة ، بعرض رزم من الإصلاحات التدريجية لإحتواء غضب جماهيرهم ، وإحتواء الثورات القائمة بالإلتفاف حولها من خلال هذه الرزم الإصلاحية الشكلية ، ويتناسون انه لم تعد هناك ثقة بكل هذه الوعود .  وكان يمكن إن تكون لهذه الوعود جدواها لو كانت منذ بداية الحكم ، وشعر بها المواطن في حياته ، ولو أدرك الحكام قيمة الديموقراطية وقيمة الحكم الرشيد ، وقيمة الحكم الصالح ، ولو أدركوا ماذا يريد أبناء شعبهم لكان هذا أقصر الطرق لبقاء الحكام وتحولهم إلى حكام لهم صفة القدسية في عيون مواطنيهم..  أستاذ العلوم السياسية /غزهdrnagish@gmail.com