كان التوقيت اشكاليا لكنه لم يكن عرضيا: ففي ذروة ازمة المفاعلات الذرية في اليابان ذكر رئيس شركة الكهرباء، يفتاح رون طال، الخطة التي تثير الفضول عند شركة الكهرباء لانشاء مفاعل ذري في النقب. تحدث رون طال في مؤتمر اجتماع النقب عن الخطة التي خُططت قبل زمن بعيد دونما صلة بطبيعة الامر بالكارثة في اليابان. تم بحث رؤيا المفاعلات الذرية في النقب في حلقات مختلفة منذ عشرات السنين، وليس عرضا انها لم تترجم قط الى خطة محددة فلاسرائيل علاقات معقدة بالذرة. انها تعمل في بحث ذري متقدم وطورت بحسب نشرات اجنبية سلاحا ذريا لكنها تفعل كل ما تستطيع لمنع دول معادية من احراز هذا السلاح بل تحاول أن تسلب السلاح الذري في أيدي الدول العربية شرعيته. في اطار سياسة الغموض المتعلق بمعاهد البحث الذري داخلها تمتنع اسرائيل عن التوقيع على الميثاق الدولي لمنع انتشار السلاح الذري. ليس لاسرائيل ما لم توقع على الميثاق أي أمل حقيقي في امتلاك مفاعل ذري حتى لو كان الحديث عن مفاعل من اجل انتاج الكهرباء. ليس الحديث فقط عن حاجز بيروقراطي. إن جهات سياسية – أمنية تخشى ايضا من أن زيادة النشاط الذري في اسرائيل قد يحث دولا اخرى في المنطقة على التزود بمفاعلات ذرية. تدل تجربة السنين الاخيرة في العالم على انه يمكن احيانا التغطية على التطوير الذري لأهداف عسكرية بأنه مشروع ساذج لاحتياجات سلمية. لا تعوق هذه الحقائق شركة الكهرباء عن تقديم المبادرة لانشاء مفاعل ذري أول لانتاج الكهرباء، بفرض أن يوجد حل ما لمشكلة الانضمام الى الميثاق والتحفظات الاخرى من المشروع. عند شركة الكهرباء دعوى قوية: وهي ان الوقود الذري هو الحل الأمثل لمشكلة التلوث التي تصاحب محروقات اخرى، وتأخير تطوير حلول ناجعة تعتمد على طاقات متجددة، ومشكلة نفاد المصادر الاخرى (المازوط والفحم والغاز). تزعم الشركة ان المفاعلات الذرية فقط تستطيع ان تضمن لاسرائيل تزويدا بالكهرباء آمنا نقيا زمنا طويلا. أثارت الكارثة في اليابان من جديد الاختلاف في أمن المفاعلات الذرية، لكن خبراء الذرة يزعمون وبحق أن آلاف المفاعلات التي تعمل في أنحاء العالم الغربي برهنت على ان نسبة الحوادث الشديدة ضئيلة. ويقولون إن مستوى أمن المفاعلات يرتفع وأن المفاعل الحديث الذي ستشتريه اسرائيل سيكون أشد أمنا من جميع المفاعلات التي بُنيت حتى الآن. من المؤكد انه سيكون أشد أمنا من المفاعلات القديمة نسبيا التي أصيبت في كارثة التسونامي، التي هي ليست ذات صلة أصلا بمنطقة النقب حيث يفترض ان ينشأ المفاعل. إن الذي يجب ان يقلق سكان اسرائيل حقا هو هوية الشركة التي تم انتخابها لانشاء المفاعل. الحديث في الحقيقة عن فحوص أولية فقط لكن الشركة المبادرة الى الفحوص المسبقة والتي تستثمر في تخطيط مشترك مع لجنة الطاقة الذرية، وتصرح عن نيتها انشاء المفاعل، هي شركة الكهرباء. تركز شركة الكهرباء بطبيعة الامر أفضل العلم الهندسي المطلوب لانشاء هذه المشاريع، لكن لا يجوز تمكينها من انشاء المفاعل: فالانتقال الى التكنولوجيا الذرية فرصة ذهبية لبدء تضييق الاحتكار البغيض السائد على تزويد الاقتصاد بالطاقة. في الحقيقة ان شركة الكهرباء تزود بخدمة جيدة بحسب جميع المعايير، لكنها شركة مفلسة تجبي من المستهلكين ثمنا باهظا مقابل خدماتها. يسيطر على الشركة لجنة عمال زعراء لا تحجم عن أي شيء، تفضي الى تضخيم غير معقول لاجهزتها. يراوح عدد العمال الذين لا حاجة اليهم في الشركة، بحسب التقديرات الحكومية، بين ألف شخص الى ألفين، يحصلون على أجور من غير أن يُسهموا شيئا في الاقتصاد ومن اجل زبائن الشركة. في عصر الانتقال الى شركات طاقة خاصة ومنافسة في انتاج الكهرباء، لا سبب يدعو الى إبقاء انتاج الكهرباء في يد الشركة الاحتكارية الحكومية: فانشاء المفاعلات على أيدي مبادرين خاصين سيُخرج بالتدريج شركة الكهرباء من أكثر نظم انتاج الكهرباء في الدولة، ويترك في يدها المجال الذي تعمل فيه باعتباره احتكارا طبيعيا ألا وهو نقل الكهرباء.