خبر : الاتحاد الاوروبي والاحداث في جنوب البحر المتوسط/بقلم: شمعون شتاين/نظرة عليا* 17/3/2011

الخميس 17 مارس 2011 11:36 ص / بتوقيت القدس +2GMT
الاتحاد الاوروبي والاحداث في جنوب البحر المتوسط/بقلم: شمعون شتاين/نظرة عليا*  17/3/2011



الاحداث التاريخية التي تعصف بالشرق الاوسط امسكت ايضا اعضاء الاتحاد الاوروبي في حالة المفاجأة والحرج. هذه المنطقة يعتبرها الجيران الاوروبيون كمنطقة مستقرة ظاهرا. وعليه، فقد حرص الحكام العرب الذين ساعدوا دول الاتحاد على تحقيق مصالحها، والتي تتمثل بتدفق منتظم للنفط والغاز، وقف انتشار الاسلام الراديكالي ومنع الهجرة غير القانونية.  حتى وان كانت من السابق لاوانه التقدير كيف ستنتهي الفترة الانتقالية يمكن القول ان عصر الاستقرار الوهمي وصل الى منتهاه. في هذا السياق تطرح عدة أسئلة حول مساهمة الاتحاد في الازمة وامكانية منعها، بالنسبة للاستنتاجات العمومية التي ستستخلص ردا على التغييرات التي تقف امامها المنطقة واثار التغييرات المحتملة على علاقات اسرائيل مع الاتحاد.  المنطلق الذي يوجه خطى الاتحاد في علاقاته مع المنطقة الجنوبية من البحر المتوسط والشرق الاوسط يفترض علاقات متبادلة بين أمن واستقرار اوروبا والواقع السائد في المنطقة. من هنا فان الاستقرار الامني، السياسي، الاقتصادي والاجتماعي لهذه المنطقة حيوي لغرض الحفاظ على استقرار وامن اوروبا. هذا الاعتراف هو الذي يقبع في أساس الاتفاقات المتبادلة التي وقعت على مدى السنين بين الاتحاد ودول المنطقة ومبادرة اعضاء البحر المتوسط في الاتحاد (اسبانيا، فرنسا وايطاليا) لاقامة (تشرين الثاني 1995) الاطار الذي حظي باسم "مسيرة برشلونة" التي تشارك فيها كل دول الاتحاد ودول البحر المتوسط من غير الاعضاء. في هذا الاطار اتفق على اجراء اصلاحات بنيوية غايتها خلق نمو واماكن عمل من جهة، والدفع نحو التحول الديمقراطي، التعددية السياسية وتقدم حريات الفرد من جهة اخرى. فرضية العمل في السياق أعلاه كانت انه دون التحول الديمقراطي لن يكون ممكنا تجسيد هدف خلق استقرار سياسي وازدهار اقتصادي. العام 2010 تقرر كموعد لاقامة منطقة تجارة حرة (للبضائع والخدمات وليس للاشخاص) في البحر المتوسط يفترض أن تعبر عن تشديد التعاون والتكامل بين الاتحاد وجيرانه الجنوبيين.  سياسة الجيرة الاوروبية (ENP) التي بدأت في 2004 وكانت معدة لان تستكمل مسيرة برشلونة كان يفترض من خلال "خطة العمل" التي وقع عليها الاتحاد مع جيرانه، ان توثق التعاون في الطريق الى تحقيق الاهداف الاصلية.  مراجعة الوثائق التي وقعت تبين الالتزام الذي اخذته الدول المشاركة على عاتقها في مجالات حقوق الانسان وكذا في المجال الاقتصادي والمالي. وقد منح الاتحاد الامكانية لتجميد التعاون في حالة خرق قواعد اللعب الديمقراطية. وفي نظرة الى الوراء يمكن القول ان الاتحاد لم يستخدم هذا الحق رغم انه كان معروفا للجميع ان قواعد اللعب الديمقراطية وحقوق الانسان قد خرقت. وفضلا عن ذلك، فبينما في اطار سياسة الجيرة الاوروبية تقررت مقاييس لوتيرة التقدم في مجال الاصلاحات الاقتصادية، لم تتقرر مقاييس مشابهة لتنفيذ اصلاحات في المواضيع الداخلية، الامر الذي منح الحكام امكانية  مواصلة تقييد الحريات والتعددية السياسية.  لاستكمال الصورة، يجدر بالذكر بان النزاع الاسرائيلي – العربي بشكل عام والاسرائيلي – الفلسطيني بشكل خاص منعا التقدم في جدول الاعمال الذي من أجله انطلقت مسيرة برشلونة التي لم يكن يفترض بها أن تحل محل اطار مؤتمر مدريد بل ان تستكمله. ومع مرور 13 سنة على مسيرة برشلونة قرر الرئيس ساركوزي اقامة اطار جديد (اتحاد البحر المتوسط)، ليحل محل مسيرة برشلونة، مثابة تغيير الاسم قد يغير الحظ. هذا الاطار ايضا لم ينجح في التغلب على العراقيل التي منعت التقدم في الماضي.  كل محاولة لاجراء ميزان لمسيرة برشلونة وملحقاتها، لا يمكنها الا ان تؤدي الى الاستنتاج بان الرؤية الاوروبية لم تصبح واقعا. فضلا عن الهذر الاوروبي في صالح الاصلاحات الاقتصادية والسياسية، لم يحقق الاتحاد – رغم الروافع التي في يديه – حتى ولا جزء صغير من جدول اعماله الطموح. فقد سمح لحكام الدول العربية بان تملي جدول الاعمال في ظل تفضيله التجاهل للمبادىء السامية التي سعى الى تقدمها في صالح الحفاظ على مصالحه وتقدمها. وهكذا، يمكن القول انه ساهم بدوره في التدهور.  في أعقاب الاحداث في تونس وفي مصر سارع زعماء الاتحاد للخروج في تصريحات القاسم المشترك بينها كان الاعتراف بالحاجة لتغيير السياسة. فضلا عن مد المساعدة الطارئة الانسانية، قرر زعماء الاتحاد (في اجتماع طارىء في 13 اذار) فحص عام لخطط التعاون والمساعدة القائمة مع الدول في المنطقة. في المدى المتوسط، في نية الاتحاد اقامة شراكة جديدة مع دول جنوب البحر المتوسط تحمل اسم "الشراكة للديمقراطية والازدهار المشترك). في اساس هذه الشراكة، منح مساعدة وحوافز لتلك الدول التي تعمل على تقدم الاصلاحات السياسية والاقتصادية. والنية تتجه الى بلورة اقتراحات ملموسة حتى شهر نيسان 2011 الموعد الذي ستجرى فيه المراجعة الشاملة لسياسة الجيرة الاوروبية.  الى جانب التعاطي مع آثار التغييرات على سياسته، اضطر الاتحاد الى التعاطي مع سفك الدماء في ليبيا على خلفية عناد حاكم ليبيا لعدم التخلي عن كرسيه. عدم القدرة على اتخاذ قرار بالنسبة لمعالجة اللاجئين الذين يدقون بابه، الصعوبة في الوصول الى توافق سريع بشأن فرض عقوبات على نظام القذافي، قرار ساركوزي، دون تنسيق مع زملائه في الاتحاد للاعتراف بالمجلس الثوري الليبي كممثل شرعي واستعداده (الى جانب رئيس وزراء بريطانيا، كمرون) النظر في عملية عسكرية، هي تعابير عن الصعوبة الكامنة في دول الاتحاد لبلورة سياسة خارجية وامن مشتركة. يتبين أن المصالح الوطنية تواصل توجيه خطى الدول الكبرى، على الاقل في المستقبل المنظور. مشكوك ان يكون في وسع ذلك ان يضع الاتحاد كلاعب جدي في الساحة الدولة.  التحولات التي ستمر بها الجارات الجنوبية في العقود القادمة (والتي نتائجها مغلفة بالغموض) تضع امام الاتحاد تحديا تاريخيا. هذا التحدي سيلزمه – اذا كانت نواياه جدية حقا – بان يكرس مقدرات بحجوم كبيرة بلا قياس لتلك التي خصصها حتى اليوم – وكذا تغيير انماط التعاون التي كانت متبعة حتى الان بثمن التخلي عن المصالح التي لم يكن مستعدا التخلي عنها حتى الان. لهذا الغرض يتعين عليه أن يستعد بشكل مغاير عن الشكل الذي يستعد من خلاله اليوم. فهل الاتحاد، الذي يمر اليوم بازمة اقتصادية – مالية نهايتها لا تلوح في الافق، سيتمكن بالفعل للتصدي لمهمة مساعدة جيرانه في خلق الظروف التي تسمح بقيام انظمة ديمقراطية؟ الايام ستروي لنا. بسبب حجم المهمة واثارها العالمية، حسن يفعل الاتحاد اذا ما فحص امكانية التوصية لمنتدى ال جي 20، بان يأخذ على نفسه مهمة تنسيق الجهد الدولي لتقديم المساعدات الاقتصادية – المالية اللازمة. تخفيف العبء الاقتصادي، سيسمح له بالتركيز على المساعدة على تقدم الديمقراطية.  التغييرات المتوقع لدول البحر المتوسط للاتحاد لن تؤثر على انماط العمل المتبادلة مع اسرائيل. من السابق لاوانه التقدير كيف ستؤثر التغييرات المرتقبة في اطار منظمة اتحاد البحر المتوسط على مكانة اسرائيل. يجدر بالذكر ان النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني، أثقل غير مرة على المباحثات، وكان أحد العوامل التي أدت الى شل النشاط. في اطار عملية استخلاص الدروس، سيتعين على الاتحاد ان يجد السبيل لتعطيل قدرة هذا الموضوع على المس بتقدم اهدافه. دون صلة بشكل معالجة النزاع في المستقبل، يشدد زعماء الاتحاد على الحاحية التقدم السريع في المسيرة السلمية الشرق اوسطية كمدماك هام في المساعي لتقدم الاستقرار الاقليمي. يمكن الافتراض بان التشديدات المختلفة في تقويم الوضع والاستنتاجات الناشئة عن ذلك ستزيد الخلافات السائدة بين الاتحاد واسرائيل في سلسلة من المواضيع السياسية المتعلقة بالتسوية الدائمة. وعليه فستكون هناك آثار سلبية على العلاقات الاسرائيلية مع الاتحاد.