سارعوا الى الشجب، بل والاتصال برئيس الوزراء للاعراب عن الأسف. جميل من ناحيتهم. لديهم ايضا شرطة جديدة ورائعة دربها الامريكيون وكان لها ايضا نجاحات في منع عمليات ارهابية. لا ريب ايضا ان الارهاب، في هذه المرحلة، يضر بالمصلحة الفلسطينية. في عصر يمكن فيه الحاق الهزيمة باسرائيل من خلال "خطاب الحقوق"، فان القتل بالدم البارد لرضيعة ابنة ثلاثة اشهر ليس فقط منكرا، بل من ناحيتهم غبي ايضا. هذه ليست عملية "مقاومة". هذه عملية حيوانات بشرية. غير أنه ليس ثمة ما يثير الانطباع في الشجب. صحيح ان الفلسطينيين لا يحتاجون الى هذه العملية. ولعله أفضل لهم التعاون مع حملة المقاطعة لاسرائيل التي تخوضها منظمة BDS، ولكنهم لا ينجحون في الاشفاء من العادات القديمة. منظمة "نظرة الى الاعلام الفلسطيني" نشرت في السنوات الاخيرة مئات المقاطع من وسائل الاعلام الفلسطينية، العديد منها لوسائل اعلام رسمية تمولها السلطة. سلطة أبو مازن وسلام فياض يفترض ان تقدم نموذجا جديدا، بربطة عنق، يُعنى بالازدهار الاقتصادي. غير ان التحريض، خلافا لأوهامنا الذاتية، لم يتوقف للحظة. هذه ليست المرة الاولى التي يُقتل فيها اطفال، فقد سبق لهذا ان حصل. مثلا، في 7 نيسان 1980، في عملية ارهابية في مسغاف عام. مرت ثلاثون سنة. وها هي ذات السلطة الفلسطينية تبث في 2010، ليس في ذروة الانتفاضة، بل في ذروة الازدهار، برامج تمجد القتلة. يمكن ان نواصل حول ما يحصل في جهاز التعليم، حين تبين قبل اشهر قليلة فقط انهم يُعلمون، حتى في مدرسة في صور باهر في شرقي القدس، نشيد توق لسفك الدماء ولـ "الشهداء". اذا ها هو يوجد لنا، من جهة فياض وأبو مازن يشجبان، ومن جهة اخرى سلطتهم تُمجد. فيلم لتقدم مكانة المرأة، من انتاج منظمة رئيسة للمخرجين العرب (APUTV)، يمجد، يحيي ويثني على شخصيات مثالية، بما فيها فلسطينيتان. واحدة ارهابية بذاتها، دلال المغربي، والثانية، "أم لاربعة شهداء". وقد بُثت الأفلام في كل العالم العربي، وكذا بالطبع، في القناة التلفزيونية للسلطة. كما ان السلطة قررت تسمية ميدان في رام الله على اسم المغربي. بضغط الادارة الامريكية تم تأخير الاعلان الرسمي، ولكن فتح حبذت اجراء الاحتفال قبل يومين. توقيت رائع. ينبغي الاعتراف: حقنة التحريض خفت، ولكنها لا تزال جزءا من وسائل الاعلام الفلسطينية والتعليم الفلسطيني. التحريض ليس معنويا فقط. السلطة تمنح دفعات شهرية لكل مخرب يمكث في السجن الاسرائيلي. الباحث يونتان دحوح هليفي، نشر مؤخرا معطيات مقلقة في هذا الشأن. يتبين، ضمن امور اخرى، بأن اسرائيليين نفذوا اعمال معادية ويمكثون في السجن ينالون دعم السلطة. هذه ليست أحبولة أحد ما في فتح. هذا هو القانون الفلسطيني، "قانون السجناء" الذي يقرر التعويض الدائم. عندما سيلقى القبض على القتلة المجرمين لأبناء عائلة بوغل، سيستحقون منحا خاصة محفوظة فقط لمن يُحكم عليهم لـ 25 سنة سجن على الأقل: منحة شهرية بمبلغ 4 آلاف شيكل، منحة بمبلغ 10 آلاف دولار مع التحرر، ومنصب عام بمكانة نائب وزير في السلطة الفلسطينية. يمكن ايضا الافتراض بأن ليس فقط حماس، بل والسلطة ايضا، ستطالب بتحريرهم، والحملة من اجل شليط ستوضح لنا بأن على اسرائيل ان تدفع "كل الثمن". هكذا بحيث انها مسألة وقت فقط، حتى لو أُلقي القبض عليهم، فانهم سيصبحون أبطالا محررين. بل ولعله يعلن عن ميدان على اسمهم. السلطة الفلسطينية ليست كيانا حقيقيا. هذا كيان يضرب الرقم القياسي العالمي في المساعدات الخارجية. بدونها ما كان له أي وجود. الولايات المتحدة، الاتحاد الاوروبي والدول الاوروبية هم الذين يسمحون بوجود السلطة. لنترك للحظة المنطق الاقتصادي (حتى حسب الاقتصاديين الفلسطينيين، هكذا يُبنى تعلق وليس دولة). ما أهم من ذلك هو ان المال الذي يمول التحريض والدفعات لمن يتأثر بالتحريض، فيخرج للقيام بالعمليات – يأتي من الغرب. في قسم منه من اسرائيل ايضا. السنوات الاخيرة كانت هادئة. عدد العمليات انخفض الى شيء يقترب من الصفر. محظور اضاعة هذا الهدوء. غير ان هذا هدوء هش. هدوء يُبقيه وهم الازدهار النابع من المال الخارجي. اذا كان العالم يُصر على ابقاء هذا الوهم – حسنا. ولكن رجاء لا تمولوا التحريض. لا من خلال العالم الحر. وقبل كل شيء، لا من خلال بنك اسرائيل.