"نحن ننتظر خطأ واحدا من حزب الله. ولحظة واحدة صغيرة تساعدنا على فهم ما يفعلون. ونافذة واحدة تُفتح في بيت أو غطاء واحد ينزل من جهاز ما. تصبح هذه المعلومة بنك أهداف الجيش الاسرائيلي. في وقت الحرب معه سنرى غير قليل من المباني تتطاير في الهواء لأننا عرفنا كيف نجمع عنها معلومات دقيقة من الحياة اليومية". هكذا يقول النقيب تمير، قائد سرية "هموفيل" التابعة لسلاح تجميع المعلومات الحربي في الفرقة 91 في اثناء تدريب في الشمال في الاسبوع الماضي، تدرب فيه محاربوه على الصدام مع مخربي حزب الله. في كل اسبوع يقوم النقيب تمير ومحاربوه في منطقة الجدار على حدود لبنان وينظرون الى القرى، ويستلقون في كمائن ويجمعون سرا معلومات استخبارية عن نشطاء حزب الله والنشاط الارهابي الذي يحدث في المنطقة. هذه الكمائن تجري في كل حالة طقس تحت خطر واضح لأنه اذا تم الكشف عنهم فان طريقتهم الوحيدة للبقاء ستكون اللقاء من أمد قريب. كشفت تحقيقات حرب لبنان الثانية عن اخفاقات استخبارية عظيمة، انحصر بعضها في النظام الذي انشأه حزب الله في القرى قرب الجدار والملاجيء تحت الارض التي أُطلقت منها القذائف الصاروخية زمن الحرب. لم يرفع القادة بحسب الاستنتاجات المناظير ولم يروا العدد الكبير من الملاجيء الحصينة التي بُنيت في البيوت والمخازن تحت أنف الجيش الاسرائيلي حقا. لكن الوضع اليوم يختلف. كان مُحدثو التغيير في الفرقة 91 هم محاربي سرية "هموفيل". تكشف هذه الصحيفة لاول مرة عن نشاط السرية، التي تُمكّن الجيش الاسرائيلي من ان يفهم الواقع في لبنان على نحو أفضل، وتُركب بنك الأهداف استعدادا لحرب ممكنة في المستقبل. يجري على جنود السرية اربعة اشهر تهيئة وبعد ذلك عشرة اشهر مسار في اثنائها يُعدون للياقة بدنية عالية، ترمي الى حمل أثقال كبيرة والمشي الطويل في الميدان تحت تغطية تامة والذوبان في المحيط القريب من الهدف في ظروف مناخية صعبة. "لا أذكر حالة أُلغي فيها نشاطنا بسبب المطر أو البرد"، يقول النقيب تمير. "عندنا المعدات الأفضل للمهام الميدانية ونعتاد ما بقي". "لا يُطلب الينا فقط جمع معلومات استخبارية نوعية"، يُبين ولا يطرف له جفن في حين ينهمر المطر شديدا حولنا. "يُطلب الينا ايضا ان نستعمل كل عوامل النار وقت الحاجة. سنكون نحن الذين نوجه المدافع والمروحيات المقاتلة والدبابات ومحاربي المشاة والوحدات الخاصة ذات السلاح الدقيق لاصابة الهدف الذي لاحظناه". "الأخ الكبير" للجيش الاسرائيلي إن الكمائن في الميدان والنشاط الطويل جعلا محاربي السرية خبراء بحزب الله، أو كما يُسمون ذلك "الأخ الكبير من انتاج الجيش الاسرائيلي". "معرفة المحاربين بخط التماس حميمة جدا الى درجة انهم يعرفون اليوم سكان القرى، وما شكل حياتهم وكيف يتصرفون كل يوم. كل محارب هنا يعلم أين تقع كل قرية، ومتى يُصلون وفي أي مسجد، وماذا يفعلون في بيوتها، وأي أم تضرب أبناءها وأي زوج يضرب زوجته. نراهم في جميع الاوضاع. نحن نرى اوضاع خيانة للأزواج، ونرى اولئك الذين يُحبون الحيوانات أكثر من اللازم". السرِّيّة في رأس سلم أولويات القوة، ولهذا تتدرب السَرِية على التخفي في تضاريس مختلفة. "عندنا لباس خاص ووجبات خاصة للكمائن الطويلة. نحن نُسكت كل شيء والأهم أننا نتعلم الفرق بين الزجاجات ذات العنق الرفيع والعنق الثخين"، يضحك النقيب تمير ويُبين انهم يشربون من الزجاجات ذات العنق الضيق الماء ويتبولون في ذات الأعناق الثخينة كي لا يتركوا آثارا. بسبب أهمية الأهداف يتلقى قادة السرية أوامر النشاط مباشرة من قائد الفرقة 91 العميد يوئيل ستريك. "احيانا لا يعلم حتى قائد اللواء في المنطقة ماذا نفعل"، يقول النقيب تمير. منذ كانت حرب لبنان الثانية جرى الحفاظ على هدوء نسبي على طول الحدود، لكنهم في الجيش الاسرائيلي مستعدون لامكانية مناورة في عمق المنطقة قصدا الى القضاء على جيوب ارهاب. بفضل نشاط سرية "هموفيل"، من جملة النشاط، يعلمون في الجيش الاشارة الدقيقة الى القرى التي فيها بناء ذو شأن لاجهزة قتالية. تُقسم القرى في جنوب لبنان الى قرى مسيحية وسنيّة وشيعية، في حين تُعرف هذه الاخيرة بأنها مؤيدة لحزب الله وتبذل المنظمة هناك أكثر جهودها. يُبين النقيب تمير كيف يرى المنطقة وراء الحدود: "كل قرية وحياتها المعتادة. يجب علينا طوال الوقت ان نتابع وأن نرى كيف يلبس العدو وكيف يُغير صورته للتهرب منا. في القرية الشيعية يلبسون سراويل بنية وقمصانا باللون الخاكي. تبدو الملابس قديمة جدا. وفي القرى المسيحية يلبسون ملابس عصرية وكذلك النساء ويحتفلون في احتفالات. وفي القرى السنية توجد أكثر السيارات تقدما. أما القرى البدوية فهي الأكثر زعزعة. الناس يسكنون بيوتا من الصفيح. ثمة قطعة مضحكة حيث ترى فجأة فلاحا مسكينا يستل في منتصف عمله في الحقل هاتف "ستارتيك" قديما ويبدأ الحديث". كل محارب يعود من كمين يملأ تقريرا يُبين فيه رأيه في المعلومات التي تم جمعها. "يُطلب هنا تفسير وبحث"، يقول النقيب تمير، "هذه معركة أدمغة. نحن نبحث طوال الوقت عن خطئهم الصغير، عن عملية صغيرة تكشف عن معلومة ثمينة. وللتوصل الى هذا المستوى، نعلم ايضا من يدخل البيت ومن يخرج منه، ومن ينظفه وكم من الاولاد لكل عائلة وما أشبه". اذا لقيت فاهجُم تنتقل المعلومات التي يجمعها المحاربون في الميدان الى ضباط استخبارات الفرقة، ويركبون معا بنك الأهداف. يقول النقيب تمير: "لا نُسلم المعلومات فقط بل نحللها ايضا. بعد ان تدخل المعلومة بنك الأهداف يأتي الينا قائد الفرقة وضابط التنسيق. وهكذا يفهم كل محارب العوض عن جهده في الميدان". لجنود "هموفيل" فخر متميز يبدو من وراء ألوان التخفي ايضا. "نحن أفضل من غولاني وقوات المظليين"، يُبين الرقيب العاد الذي يجلس على هيئة عجيبة داخل مجموعة اشجار وهو يُبين المكوث في كمين. "بعد أن تأتي بمعلومة تصبح هدفا، تفهم ان هذا أصبح عملا للأذكياء. يجب علينا طوال الوقت التفكير واستنتاج الاستنتاجات". برغم المهنية والتخفي يوجد ايضا خوف من البقاء في المنطقة. "ليس مخيفا. لكنه صعب ومتوتر"، يقول الرقيب العاد. "عندما يقترب شخص منك تخشى ان تكون قد كُشفت. ثمة حالات كهذه آنئذ يصبح الجميع مستعدين. سنصحب في الحرب القوات التي ستناور في عمق المنطقة ونجمع من اجلها أهدافا لاطلاق النار عليها. الحديث عن نشاط حساس جدا. اذا لم نحافظ على السرية فسنتلقى صاروخا". في الوحدة التي يُعرف نشاطها في مستوى "سري جدا"، يعلم الجنود وجود نتائج للبقاء الطويل في الميدان لكنهم يتذكرون ايضا انهم محاربون قبل كل شيء. "لا تستطيع أن تُحدث أحدا فيما تصنع. وأنت لا تُشرك العائلة والاصدقاء. واحيانا لا يعلم فريق ما يفعله فريق آخر"، يقول النقيب تمير. "الأهم أن يتذكروا شيئا واحدا وهو انه اذا كُشفوا في الطريق الى الهدف ولقوا حزب الله فانه يُطلب اليهم ان يتركوا كل المعدات وأن ينقضوا للقضاء على العدو".