خبر : مدونة القصبة/بقلم: ساغي بن نون /معاريف 8/3/2011

الثلاثاء 08 مارس 2011 01:19 م / بتوقيت القدس +2GMT
مدونة القصبة/بقلم: ساغي بن نون /معاريف 8/3/2011



"المشي في الساعات المبكرة من صباح يوم الجمعة. غزة لا تزال لم تستيقظ بعد، ولكن بضعة اطفال وطفلات يلعبون على قارعة الطريق. البنات الشابات تبتسمن وتدعونني الى أن ألعب معهن"، هكذا تبدأ حكاية في مدونة "من غزة مع الحب"، نشرت في نهاية كانون الثاني، وتكتبها من غزة منى الفارة (56) طبيبة، نشيطة وفاعلة في حقوق الانسان وحقوق المرأة. "البنات يسرهن اللعب مع البنون الفتيان، ولكن في غضون بضع سنوات سيفرض عليهن الحجاب. الاختلاط مع البنين هو أمر محظور جدا، جدا. سواء كان هذا بسبب التقاليد أم بسبب الدين. لا يهم. فهن ببساطة لا يحصلن على الحق في اختيار ما يلبسن، كلهن مطالبات بالخضوع لقواعد القبيلة، مثل قطيع الغنم. اصوات التغيير أو اصوات المعارضة مطالبة بأن تُكتم. فكرت في السنوات التي كنا جدات هذه الطفلات تسرن الى المدارس دون حجاب، في اثناء الستينيات وفي الفترة العلمانية لناصر. كيف تغيرت غزة". في المدخل الى رام الله، عند سور الفصل، أحد ما خط رسما كُتب عليه: CTRL+ALT+DELETE. ويبدو أن الـ RESTART وحده هو الذي سينجح في اعادة تفعيل ازمات المجتمع الفلسطيني ومصائب حكم حماس. ومع ذلك، فان الثورات في مصر وفي تونس أفعمت بالالهام الكثير من الفلسطينيين، الذين يعيشون احساسا بأنه يمكن استخدام الشبكات الاجتماعية والمدونات كأداة لبلورة الآراء وتنظيم الاحتجاج ضد السلطات. من المفاجيء الاكتشاف بأنه في داخل قطاع غزة برزت مدونات شجاعة تتجاوز الخوف من طغيان حماس وتكتب فيها الانتقادات عليها. اضافة الى ذلك، مؤخرا نشأت في فيس بوك مجموعات ترمي الى تنظيم انتفاضة شعبية ضد حكم حماس. ما يثير الفضول جدا سيكون ان نرى اذا كان احتجاج جيراننا سيتصاعد ليصبح ثورة. في كل الاحوال، ثورة اخرى وصلت من غزة ايضا – ثورة الانترنت، وهي عاصفة بقدر لا يقل. الانترنت هي الوسيلة شبه الوحيدة لسكان قطاع غزة لتحطيم العزلة التي يعيشونها، الامر الذي يمكن ان يشرح الكمية العالية للمتصفحين للشبكة في القطاع. وحسب تقرير لمكتب الاحصاء المركزي الفلسطيني، ففي العام 2009 استخدم الحاسوب في السلطة الفلسطينية 57 في المائة من السكان فوق سن العاشرة (المعطى صحيح ايضا لغزة والضفة على حد سواء). 32 في المائة من السكان فوق سن العاشرة في السلطة الفلسطينية استخدموا الانترنت في هذه السنة، ومن المعقول الافتراض بأن يكون عددهم قد ارتفع منذ ذلك الحين. وكانت "وول ستريت جورنال" فحصت فوجدت ان قطاع غزة هو صاحب الرقم القياسي لمستخدمي الانترنت في العالم العربي، حتى أكثر من امارات الخليج. وذلك رغم انه في الجماعات الدينية المتطرفة في غزة حاولوا مكافحة الانترنت بل وزرعوا عبوات ناسفة في مقاهي الانترنت في قطاع غزة بدعوى انها تبث الدعارة. كما ان حركة حماس أمرت الشركات الفلسطينية المزودة للاتصالات بمنع الوصول الى مواقع العُراة. من المشوق ان نتبين ان بالذات في عهد حماس حظيت كتابة المدونات الغزية بزخم هائل، وسجل ارتفاع في عدد المتصفحين في الشبكات الاجتماعية. حتى العام 2008 كان هناك حسب التقديرات نحو 15 مدونة فقط كُتبت من غزة. الآن يبلغ العدد مئات المدونات. في واقع الاغلاق على قطاع غزة، أصبح المدونون المستقلون مصدر معلومات غير رسمية عن الحياة في القطاع. صحيح ان معظم المدونات تكتب بالعربية وتتوجه الى الجمهور في غزة، في الضفة وفي العالم العربي، ولكن الى جانبها يعمل عدد لا بأس به من المدونات التي تكتب بالانجليزية وموجهة الى الجمهور الدولي. أحد العوامل لاتساع المدونات هو حملة "رصاص مصبوب" التي وقعت بين كانون الاول 2008 وكانون الثاني 2009. "في زمن الحرب في غزة تعززت جدا الحاجة الى التعبير عن المشاعر، الآراء والاطلاع على ما يجري"، تقول لنا المدونة نازك أبو رحمة من غزة. "ليس كثير من الصحفيين كان بوسعهم في زمن الحرب في غزة الدخول الى مناطق المعارك، فقد حدث المدونون الأنباء عما يجري بدلا منهم. في ذات الوقت ايضا بدأت في مدونتي أنقل التقارير من الميدان". في النصف سنة الاخير، تقول مدونة اخرى من غزة، رزان المدهون، "ارتفع عدد المدونات ومستخدمي الشبكات الاجتماعية في غزة، وذلك لانها تسمح للشباب بمجال تعبير وامكانية قول ما يريدون، الأمر الذي في الصحف وفي القنوات الاخرى لا يُتاح. يوجد في واقعنا خوف من الاضطهاد". رزان ونازك ايضا، كلاهما في سن 23، تعرفان جيدا عما تتحدثان في موضوع المس الفظ بحرية التعبير من جانب حماس. في الشهر الماضي وصفتا في مدونتيهما، كل على حدة،  تجارب اعتقال من غزة، تتميز بها سلطة حماس، اجتازتاهما في أعقاب مشاركتهما في مهرجان تضامن مع مصر. "كنا متحمسات جدا مما يحصل في مصر، وذلك لان الشعب الفلسطيني يُقدر الحرية. خرجنا بسرور الى المهرجان"، تقول لنا نازك. "فجأة قسم التحقيقات، الذين وصلوا باللباس المدني، سحبونا، صادروا هواتفنا النقالة، جمعوا كل التفاصيل عنا واعتقلونا. واضح ان هؤلاء الاشخاص، الذين اعتقلونا، لا يعرفون أي شيء عن القانون وعن الحقوق". رزان تقول: "حظيت هناك بمعاملة غير جيدة. حتى حجابي لم يساعدني. وعلم ممثلو منظمات حقوق الانسان عنا، وأرادوا اللقاء بنا، ولكن الشرطة لم تسمح لهم. بعد التحقيقات طلبوا منا التوقيع على تعهد بعدم المشاركة في مهرجانات في المستقبل والتعهد بأنماط سلوك وآداب في غزة، وهددونا بزجنا في السجن. استخدام القمع لن يُجدي الحكومة في غزة نفعا". فليذهب الجميع الى الجحيم لشدة المفارقة، فان محاولة حماس بالذات كم أفواه رزان ونازك ساعدتهما على الوصول الى جمهور أكبر. حكاياتهما التي وصفت تجربة الاعتقال والاهانة، أصبحت الحكايات الاكثر شعبية في مدونتيهما. وقد واصلتا التعبير عن النفس في المدونتين اللتين يقرأهما آلاف المتصفحين في الشهر. رزان، متزوجة وأم لطفلة، هي مخرجة وتكتب مدونتها منذ سنتين. وحسب اقوالها، فان معظم المدونين في غزة هم سياسيون "وذلك لان معظم حياتنا في غزة هي سياسية. حتى الاطفال يتحدثون سياسة. في مدونتي أكتب بشكل عام حكايات ذات انتقاد اجتماعي لما يجري في قطاع غزة. كتبت ايضا عن انه يجب ايجاد بديل للمقاومة الفلسطينية لاسرائيل. من على صفحات الشبكة أجريت مؤخرا جدالا مع اصدقائي في أعقاب نبأ قال إن الفيس بوك أغلقت صفحة يُزعم انها معادية لاسرائيل وبرزت أحاسيس بأن كل العالم يقف الى جانب اسرائيل وضد الفلسطينيين. في الفيس بوك ايضا يتحدثون كثيرا عن الحاجة الى انهاء الانقسام الفلسطيني". وانضمت رزان الى الدعوة التي تنال الزخم مؤخرا في الشبكات الاجتماعية وفي المدونات من غزة لحضور المهرجان الذي سيعقد في 15 آذار لمطالبة حماس وفتح بوقف الانقسام. صديقة نازك، التي تدرس العلوم السياسية في الجامعة الاسلامية في غزة، تكتب بانتظام في التويتر، الفيس بوك وفي مدونتها منذ ثلاث سنوات. وقد كتبت ضمن امور اخرى عن العزلة التي لا تطاق لغزة وعن احباطها من أنه منذ 11 سنة لا يمكنها أن تلتقي جدتها التي تسكن في القدس؛ عن النقص في الادوية الذي ادى الى وفاة احد افراد عائلتها؛ عن انقطاع الكهرباء المتكرر في غزة والذي أدى الى وصفها التشبيهي للاطفال الذين يلعبون في الشارع على ضوء الشموع؛ عن الانفاق التي يضطر فيها قاصرون الى العمل بعد المدرسة وتعريض حياتهم للخطر لاعالة عائلاتهم (حسها الصحفي دفعها لان ترافق هؤلاء الفتيان في عملهم في الانفاق)؛ وعن الانقسام الفلسطيني الذي يشغل بالها على نحو خاص. "في غزة وفي الضفة على حد سواء تحدث الكثير من الاشياء التي تشغل البال والتي هي نتيجة الانقسام ونتيجة الوضع الذي يخاف فيه كل طرف من الطرف الاخر، مثل الاعتقالات على خلفية الانتماء السياسي واعتقالات الصحفيين". صاحبة المدونة ياسمين الخضري، ابنة 21، هي الوحيدة التي لا تغطي رأسها بحجاب والمقابلة معها هي الوحيدة التي جرت دون ترجمة بسبب انجليزيتها الممتازة. "هناك مدونون في غزة يكتبون عن مشاكل كالقيود على اللباس، مما يجد بعض الناس في ذلك خرقا لحقوق الانسان، او عن حماس التي تحظر على النساء ركوب الدراجات. أنا نفسي أكتب اساسا كتابة ابداعية وليس صحفية ولكن يشغل بالي الوضع هنا، مثل مشاكل البطالة. صديقاتي، ذوات الالقاب الجامعية المحترمة لدراستهن في اوروبا وامريكا، تبحثن منذ سنين عن عمل في غزة ولا تجدنه. وهذا هو احباط كبير جدا. قد تبدو هذه مشكلة صغيرة بالقياس الى الاحتلال، ولكن على المدى البعيد هذا بالضبط ما يحدث المشاكل الكبرى. المدونون الذين ينتقدون حماس لا يخافون منها؟  ياسمين: بعض من المدونين يخافون حماس وبعض لا. توجد عين كبيرة تتابعهم. حماس تعرف عن المدونين المنتقدين. بل انه كان من اعتقل جراء ما كتب. وأن اعرف احدهم. يدور الحديث عن عدة ساعات او عدة ايام في المعتقل، هذا منوط بالامر. يحققون معهم ويلزمونهم بالتوقيع على اوراق. وأعتقد انهم ضربوا بعضهم".  في شهر كانون الاول، قبل اندلاع الاضطرابات في مصر، افتتحت في الفيس بوك مجموعة تسمى "الشبيبة الغزية تنطلق" ونشر فيها "بيان الشبيبة الغزية" الذي دعا الى حقوق الانسان، الحرية، الحياة الطبيعية والسلام. وتلقت المجموعة حتى بداية هذا الاسبوع اكثر من عشرين الف ضغطة "لايك" واثارت اهتماما في الصحافة العالمية. وافادت "الجارديان" بانه يقف خلفها خمسة شبان وثلاث شابات رفضوا تعريف أنفسهم باسمائهم خوفها على حياتهم. وهم طلاب، علمانيون وحسب أقوالهم لا يتماثلون مع أي حزب سياسي. في البيان الكفاحي يعبرون عن يأسهم ضمن امور اخرى بسبب ما يسمونه اضطهاد حكم حماس، البطالة، منع الخروج من القطاع لغرض التعليم في الضفة الغربية، الدمار الذي زرعته الهجمات الاسرائيلية والالاعيب السياسية لفتح والامم المتحدة. "فلتذهب حماس الى الجحيم"، هكذا يبدأ البيان. "فلتذهب اسرائيل الى الجحيم. فلتذهب فتح الى الجحيم. فلتذهب الامم المتحدة الى الجحيم. فلتذهب وكالة الغوث الى الجحيم. فلتذهب الولايات المتحدة الى الجحيم! نحن، الشبيبة الغزية، مللنا خرق حقوق الانسان... نحن نريد الصراخ وتحطيم سور الصمت، الظلم وعدم الاكتراث، مثلما تحطم طائرات الـ اف 16 الاسرائيلية حاجز الصوت. نحن محشورون هنا بين الاظافر، نعيش كابوسا داخل كابوس، دون مكان للامل، دون مجال للحرية... مللنا حياتنا الخربة، في أن نكون محبوسين لدى اسرائيل، مضروبين لدى حماس ونلقى التجاهل من باقي العالم. ثورة تستيقظ في داخلنا... القشة الاخيرة التي هزت القلوب جراء الاحباط واليأس وقعت في 30 تشرين الثاني حين وصل ضبط حماس الى منتدى شارك للشبيبة، مع البنادق، أكاذيبهم ووحشيتهم، طردوا الجميع الى الخارج، اعتقلوا عدة اشخاص ومنعوا استمرار نشاط المنتدى. بعد عدة ايام من ذلك، ضرب متظاهرون تظاهروا امام شارك واعتقل بعضهم... في اثناء السنوات الاخيرة، عملت حماس كل ما في وسعها للسيطرة على الافكار، السلوك والتطلعات لدينا، مثل السرطان المغرض، الذي يزرع الدمار ويقتل كل الخلايا الحية... وذلك دون ذكر السجن الذي نعيش فيه، السجن الذي تمارسه دولة ديمقراطية، زعما. نحن نريد ثلاثة اشياء: نحن نريد أن نكون احرارا. نحن نريد أن نعيش حياة طبيعية. نحن نريد السلام. فهل هذه مطالب مبالغ فيها؟". انتظروا الثورة هل تحتمل ثورة في غزة بتشجيع الانترنت مثل الثورات في مصر وتونس، اسأل المدونات من القطاع. ياسمين، التي سكنت في الماضي في مصر على مدى أربع سنوات تنهدت وقالت ان "الوضع في غزة مختلف تماما ولاسفنا ليس واضحا مثلما هو في مصر، تونس وليبيا. لهم كان عدو واحد. أما نحن فلنا ثلاثة اعداء: اسرائيل، حماس وفتح. ولكن لا يمكن ان نعرف ما سيكون. قبل بضعة اشهر لم يتوقع احد بان تكون ثورة في مصر وان يستقيل مبارك". "الانترنت تسمح للشباب في غزة بقناة بديلة للعالم الخارجي الذي يمنعون من الوصول اليه جسديا، في ظل الاغلاق"، تقول ايمان جبور، مديرة بحث في جمعية "غيشا" (نهج) منظمة حقوق انسان اسرائيلية تكافح في سبيل الحق في حرية الحركة في قطاع غزة وفي الضفة الغربية. "في فضاء المدونات، القراء في الخارج وفي اسرائيل يمكنهم ان "يلتقوا" الشباب الذين يشككون بالمسلمات الاجتماعية والسياسية ويسعون نحو مستقبل افضل". في غزة توجد أيضا مدونات اقل كفاحية تتعلق اساسا بمواضيع شخصية وفنية، في بعضها ينشر المبدعون الشعر، فن الفيديو والتصوير مثلا. ياسمين الخضري كتب مثلا عن تفتح الزهرة النادرة "ملكة الليلة الاخيرة". ياسمين: "المدونون في غزة لا يكتبون فقط عن اسرائيل، حماس وفتح. وسيلة الاتصال هي هربهم. البعض يستخدمونها كي يبتعدوا عن السياسة وكي يكتبوا أدبا رائعا وشعرا. يزعجني ان في غزة يوجد حقا القليل من المراكز للفن وهي غير مجهزة او مفتوحة للجميع، لا توجد مناسبات ثقافية، لا يوجد مسرح، لا توجد سينما. كل انواع الفن، الموسيقى، الغناء، فن النحت، المسرح، السينما، كلها عانت من تراجع هائل بسبب حماس. يوجد حقا القليل من محلات الكتب في غزة، وفي كل يوم تصادر حماس كتبا معينة وهذا من ناحيتي غبي جدا. غزة هي مثل السجن، ولكن الانترنت هي النافذة التي تتجه الى الخارج وتسمح لنا بالتنفس". لحظة انسانية صغيرة وساحرة وقعت في مدونة شريف الشريف، ابن 27 في حكايته منذ بداية شباط. فقد كتب يقول، حقا، لا اريد أن اتحدث كما أنا فخور بمصر، أو أتحدث عن كيف يمنع عن الناس في غزة حقوق أساسية، فالكثيرون جدا ممن يؤيدون اخوانهم واخواتهم في مصر اعتقلوا بل وضربوا بسبب مثل هذا العمل البسيط. هذا مخجل. ولكني أريد أن أتحدث عن اظهار نية طيبة بسيطة وأصيلة. أمس، عندما كان الطقس باردا جدا وهطل المطر بجنون رأيت عربة مع حماس، وفوجئت بان الشاب وضع جاكيته على الحمار، وهو نفسه بقي مع القميص الرقيق ذي الكمين القصيرين. هذا شيء لا يرى كثيرا في غزة! أفعال صغيرة كهذه هي سبب التغييرات الاكبر في العالم!.