ليس من سبب للشماتة بيوآف غالنت هذا الصباح. فالحديث عن محارب شجاع، وشخص بذل أكثر من ثلاثين سنة لأمن اسرائيل، وقائد قدير واسرائيلي عظيم الحقوق. في هذا الصباح وقد خرب عالم هذا الشخص، لا داعي لذر الملح على جراحه أو الرقص على دمه. الحملة الدعائية التي جرت هنا في الشهور الاخيرة على تعيينه رئيس اركان لم تأت من مواقع شخصية أو حسابية. كانت حملة من اجل وجه الدولة، وطهارة مؤسسة هيئة الاركان العامة وأهمية قيمتي العدل والاستقامة. وقع غالنت، بقدر كبير ضحية صلفه وحقيقة انه أصبح أداة لعب في يد قوة أكبر منه وأخفى. لم يُجهد اهود باراك الذي قصد الى استعمال غالنت لاحتياجاته، لم يُجهد نفسه في ابلاغه أمس ان الامر قد انتهى. فقد ترك باراك لغالنت ان يجلس وأن يجري لقاءا صحفيا طويلا مع غادي سوكنيك (الذي أذاع في الماضي برنامجا اسمه "كاشف الحقيقة". ومن المؤسف انه لم يستعمله أمس ايضا)، ويعلن بأنه سيستمر في القتال من اجل المنصب. بهذا أهان غالنت نفسه إهانة اخرى لا داعي لها. وعندما جاءت المكالمة الهاتفية من باراك كان الامر قد أصبح متأخرا جدا. حالة خاسرة آسفني أن أراه أمس في وضعه، وأن أراه في أساه، وإن يكن قد كسب هذا الأسى بحق. لا يستطيع كل محارب شجاع ان يكون رئيس اركان جيش الدفاع الاسرائيلي. سيُسرح يوآف غالنت من الجيش برتبة لواء، وليس هذا فظيعا فقد حدث لكثيرين قبله (شارون وتليك ويناي وهذه قائمة جزئية)، وسيحدث بعده ايضا. يجب ان يكون رئيس الاركان فوق كل شك وشبهة. برغم كل هذا، يجب ان يؤدي يوآف غالنت التحية العسكرية ويعتزل الجيش الاسرائيلي في كرامة. إن ملعقة استحقاقه مليئة ويحق لنا في هذه الظروف ان نتجاهل للحظة ملعقة الواجب. فقد بحثنا فيها غير قليل في الاشهر الاخيرة. وهو ما لا نستطيع ان نقوله عن المذنب الحقيقي والرئيس في هذا التحول وهو وزير الدفاع اهود باراك. فهو لن يفهم ما الذي نريده منه. انه حالة خاسرة. إن اللغز هو ما يحدث في رأس المسؤول عنه، رئيس حكومتنا بنيامين نتنياهو، وسنُسميه فيما بعد البالغ المسؤول. ألا يدرك ان باراك يأخذه في نزهات خطرة؟ ألا ينظر حوله ويعد أضرار باراك، والمساحات الشاسعة من الارض المحروقة التي يتركها وراءه في كل زمان وكل مكان؟ ألا يعلم الأعداد التي لا تتصور من الناس الذين يصدرون عنه مع الجرح نفسه دائما؟ كيف يستطيع نتنياهو ان يسمح لنفسه بأن يدع الكراهية العميقة المريضة من باراك لرئيس الاركان اشكنازي تصبح العملية الاستراتيجية الفتاكة بأمننا؟ أيريد نتنياهو حقا ان يصنع باراك بالدولة ما صنع بحزبه؟ أنريد أن نبدو مثل كتلة "الاستقلال"؟. ماذا ستقول للجنة؟ لست من اولئك الذين يعتقدون انه كان يجب إطالة مدة ولاية رئيس الاركان اشكنازي. بالعكس. إن اربع سنين كافية. يخرج اشكنازي جريحا من قضية هرباز لا لأنه فعل شيئا ما متعمدا بل لأنه وقع ضحية دهاء انسان وثق به ولم يكن يستحق ذلك. لكن في الوضع الذي نشأ، فان تعيين شخص كان في الحياة المدنية أكثر من ثلاث سنين، لمنصب القائم بعمل رئيس الاركان ونائب رئيس الاركان في وقت واحد، في فترة حرجة الى هذا الحد في حين يشتعل كل شيء حولنا، هذا لعب بالنار. قد يقنع باراك نتنياهو بأن يُعين وايزمن شيري رئيسا للاركان. فقد ترك عمله في بيت بيرل. يجر وزير الدفاع رئيس الحكومة الى لعبة دامية قد تجلب علينا جميعا كارثة. قال مقربون لنتنياهو أمس إن القطيعة بين باراك واشكنازي لا تُمكّنهما من الاستمرار في العمل معا ولو يوما واحدا. ويُسأل سؤال كيف يعملان اليوم. أو كيف كانا يعملان أول أمس. أو قبل شهر. فاذا كان هذا قد نجح نجاحا ما في الاشهر الاخيرة أفلا يستطيع ان ينجح زمنا ما قليلا بعد؟. يجب على شخص ما أن يُبين لباراك انه مع الاحترام كله لغرائزه الغامضة، سيضطر الى ابتلاع الضفدع واحتمال اشكنازي عدة ايام اخرى الى أن يتم تعيين رئيس اركان جديد. لأن هذا التماس بين رئيسي الاركان قد ينقطع فجأة وسنجد أنفسنا آنذاك بغير قائد خبير مسؤول للجيش الاسرائيلي. ماذا ستقول آنذاك للجنة التحقيق يا سيد نتنياهو؟ حتى إن القاضي تيركل لن يستطيع تبرئتك. بالمناسبة، وبخلاف ما يعتقد باراك، ليس الجيش الاسرائيلي بيت بيرل ولم يسجل أحد الجيش الاسرائيلي في الطابو باسمه. ربما يريد ان يكون وزير دفاع ورئيس اركان. والسؤال أنريد نحن ان يكون. في شأن رئيس الاركان القادم: عندما أعلن باراك تعيين غالنت، أكد ان المرشحين الآخرين الذين فُحص عنهم مناسبون وممتازون جميعا. وها هو ذا يرمز الى انه لا ينوي تعيين أحد منهم. وهذا يعني انه لم يصدق في تلك المرة. فالأعمى ايضا يعلم انه يوجد بين المرشحين واحد يبرز فوق الجميع، ويملك الخبرة المطلوبة والسجل المطلوب والتواضع المطلوب للمنصب. وهذه هي الاسباب بالضبط التي تمنع باراك من تعيينه. يقول مقربون إن الاسم الساخن الآن بين نتنياهو وباراك هو موشيه كابلنسكي. وهو نائب رئيس الاركان سابقا واليوم المدير العام لـ "ديرخ آرتس". كابلان شخص مناسب. ومشكلته الوحيدة انه لبث زمنا غير قليل خارج الجهاز. عندما يُستصرخ رئيس الاركان ونائبه للعودة من الحياة المدنية فان هذا يعني ان شيئا ما غير جيد يحدث لنا. في ليل يوم الاثنين حسم نتنياهو نزوات باراك وبيّن لوزير دفاعه ان أمر غالنت قد انقضى مع الاحترام كله. وقد حدث هذا بعد أن بيّن المستشار القانوني يهودا فينشتاين لهذين الرجلين المهذبين، بلغة لا لبس فيها، انهما من اجل الدفاع عن تعيين غالنت في محكمة العدل العليا لا يحتاجان الى مستشار قانوني بل الى ساحر. وقد نجح فينشتاين، وليس هو ساحرا، في أن يمسك العصا من طرفيها: فقد صدر عنه من جهة تقويم قانوني وقيمي قاطع. فلم تساعد الضغوط ولم تساعد التهديدات. وبيّن من جهة اخرى انه ليس الحاكم هنا بل الحكومة. ولهذا، وبخلاف أسلافه، لم ينفذ بل أوصى بالتنفيذ فقط. لكنها كانت توصية لا يمكن تجاهلها. فهم نتنياهو ولم يفهم باراك. وقد ساعد نتنياهو باراك على ان يفهم. ولم يساعد وزير الدفاع الكلام وإحكامه. ولم تساعده مقالة "أنكم تريدون تفتيشه حتى ملابسه الداخلية"، أو أن "الملك داود ما كان لينجح اليوم في التعيين". حُسم الامر. لم يوصم يوآف غالنت بعار بل أكثر، ويعلم ذلك كل من قرأ وكل من تحقق وكل من كُشفت له المواد. برز الحق للنور. ستقع المرة القادمة التي يمنح فيها مدير اقليم في مديرية اراضي اسرائيل جنرالا يصادر عشرات الدونمات من الجمهور، مصاحبة رسمية، بعد الكثير جدا من الوقت. صباح هذا اليوم سيجمع شاؤول موفاز لجنة الخارجية والامن في الكنيست. انها جهة الرقابة. يتوقع ان يصدر عن موفاز قول معلن واضح وأن يدعو الى اطالة مدة ولاية غابي اشكنازي حتى تعيين رئيس الاركان القادم. وينوي عضو الكنيست ايتان كابل جعل اعضاء كنيست يوقعون على عريضة في هذا الشأن. واسأل نفسي أين اختفت الحكومة. يقضي قانون أساس الجيش الاسرائيلي بأن الحكومة هي الرقيبة العليا على الجيش. فلماذا يصمت الوزراء؟ ألا يوجد هناك أشباه ميخائيل ايتان شجعان يهبون ويُبينون لنتنياهو وباراك انهما لا يستطيعان اللعب بأمن الدولة مثل ولدين وجدا علبة ثقاب؟ أين موشيه يعلون (الذي نشر أمس تصريحا ضئيلا جدا ومتأخرا جدا)؟ وأين دان مريدور؟ وأين بيني بيغن؟ وأين جدعون ساعر؟ ما الذي يخافونه؟ ومن الذي يحرسونه (سوى أنفسهم)؟ هل أمن الدولة موضوع خارج مسؤوليتهم الشخصية؟. وفي الختام، لا يمكن من غير ان نذكر المسؤولين عن اجراء العدل هنا وهم: الوزير ميخائيل ايتان، والحركة الخضراء (الدكتور أوري شاينيس، والمحاميين نداف افل باوم وزيف غلسبيرغ) ومراقب الدولة بعرض ناجع وسريع وهاديء، والمستشار القانوني للحكومة بقرار حاسم واضح. وآخرهم وهو الرأس والاول، والرجل الذي ما كان ليحدث كل هذا من غيره، هو كاتب التقارير في صحيفة "معاريف" كلمان لبسكند. يبدو ان من يؤمن، لا يخاف في الحقيقة. الشكر لك يا كلمان.