خبر : مواقع دمار عالمي/بقلم: درود أتاكس/هآرتس 5/1/2011

الأربعاء 05 يناير 2011 11:35 ص / بتوقيت القدس +2GMT
مواقع دمار عالمي/بقلم: درود أتاكس/هآرتس  5/1/2011



 نُشر في صحيفة "هآرتس" منذ زمن ليس بالبعيد نبأ عن مبادرة يقف من ورائها عدد من المخططين: فهم يريدون ان يعلنوا بمناطق السلاسل الحجرية غربي وجنوبي غرب القدس، بأنها مواقع تراث ثقافي عالمي ("أُعد اقتراح للاعلان بالسلاسل الحجرية في جبال يهودا بأنها موقع تراث عالمي للحفاظ عليه"، بقلم سفرير رينات، 8/10). والحديث كما تعلل المبادرة عن "انشاء منظر طبيعي متميز يوجد منذ نحو من ثلاثة آلاف سنة، صاغه أجيال من المزارعين من أبناء شعوب وديانات مختلفة". اذا قُبلت المبادرة، فستُضم مناطق السلاسل الحجرية الى ثمانية مواقع اخرى – تقع داخل ارض اسرائيل السيادية – والتي أعلنت اليونسكو بأنها مواقع تراث ثقافي عالمي. اجل، نشك ان يوجد عنصر منظر طبيعي آخر من صنع يد الانسان، أسهم إسهاما شامل جدا في صوغ المنظر الطبيعي الجبلي للبلاد عامة وللضفة الغربية خاصة كهذا. يقول المخططون الذين يقفون وراء المبادرة ان الأمر عندهم فوق "قضايا سياسية"، وانهم ينوون تقديم الاعتراف بالمناطق عن جانبي الخط الاخضر، آملين ان تتعاون السلطة الفلسطينية على هذا الاجراء. الحديث في ظاهر الامر عن "مبادرة خضراء" اخرى تجب مباركتها. بيد انه من وراء الكلام السامي والنيّات الخيّرة لأصحاب المبادرة – يكمن واقع قبيح. فاسرائيل في واقع الامر تُحدث تدميرا منهجيا لمناطق زراعة جبلية واسعة، موزعة على طول كل الشريط الجبلي من جنين في الشمال حتى الخليل ويطا في الجنوب. ليس الحديث في أكثر الحالات عن تدمير عرضي أو إهمال طويل وإن كانا موجودين، بل عن تدمير مؤسسي يقف من ورائه استعداد لاخضاع كل قيمة طبيعية وجمالية (فضلا عن اخلاقية) لمصلحة الهدف الأعلى الذي هو "تهويد الضفة الغربية". يكفي سفر ربع ساعة من مركز القدس لنرى الفشل الذريع للمنظر الطبيعي الذي يحدث في المنحدرات الشمالية والجنوبية لقرية الولجة، التي يُبنى قربها، فوق ما كان ذات مرة منطقة سلاسل حجرية منمقة، يُبنى حي علِّيّات فخمة في مستوطنة هار غيلا. وفي مقابلة ذلك، أخذ يخنق القرية حولها سور اسمنتي صلب يقطع المنظر الطبيعي، وهو جزء من المشروع الكبير لحاجز الفصل. ويتم اجراء مشابه في العقود الاخيرة في مئات النقاط الاخرى في أنحاء الضفة. نشك ان توجد ولو مستوطنة واحدة تقع في مناطق من الضفة ليس فيها أو حولها بقايا سلاسل حجرية وكروم حقيقية احيانا، تشهد على زراعة متنوعة كانت موجودة مئات وآلاف السنين في المنطقة حتى العقود الاخيرة. يجب ان نقول الامور بصدق: إن هذا الاجراء وهو تدمير المناظر الطبيعية التاريخية للضفة الغربية، ليس له مثيل في تاريخ البلاد من جهة سعته ومن جهة قصر المدة التي يتم فيها. وهو متعلق بعدة عوامل أساسية: أ- زيادة كبيرة في العدد العام للناس الذين يسكنون في المنطقة بين الاردن والبحر. ب – تقنيات لم تكن موجودة في العصر الذي سبق العصر الحديث. ج – شره جهات تكتسح الأرباح من استمرار تقديم مشروع الاستيطان. د – وفوق كل ذلك – شهوة بلا ضابط للارض والقوة، هي المبدأ الأعلى الذي يوجه العناصر الاسرائيلية، التي أوكل اليها اجهزة تخصيص الاراضي والتخطيط والبناء في الضفة الغربية. يعرض المستوطنون، برعاية جهات رسمية وجماهيرية مختلفة مثل وزارة السياحة ولواء الاستيطان، يعرضون في مقدمة واجهة العرض لمشروع الاستيطان صور منظر طبيعي "توسكاني" لكروم عنب وزيتون خضراء قصدا الى جعل انفسهم روادا للسياحة الزراعية. لكنه لا يُحتاج الى أكثر من خدش ضئيل للغشاء الدقيق الذي وضع فوق المنظر الطبيعي لنتحقق أن الحديث في أكثر الحالات عن غراس غُرست في اراض فلحها فلسطينيون الى ما قبل نحو عشر سنين في الأكثر، وسُلبت منهم بسلطة الجيش وعصابات المستوطنين التي تحظى بحرية عمل شبه مطلقة في الميدان. في حين يساعد الجيش نفسه على طرد فلسطينيين من المناطق التي أعلمها المستوطنون بأنها "لهم"، يعمل المراقبون النشطاء للادارة المدنية على نحو وسواسي في الاعلان بأن مناطق واسعة في الضفة هي "اراضي دولة". ويقف من وراء هذه الاعلانات هدف قبيح واحد ووحيد هو الافضاء الى تضييق مجال عيش الفلسطينيين وحركتهم. وهكذا، في حين يحاول مخططون اسرائيليون تقديم اعتراف دولي بالمناظر الطبيعية الزراعية الجبلية باعتبارها من دعائم الثقافة الانسانية كلها، يواصل مُرسلو دولة اسرائيل الرسميون وشبه الرسميين تدمير بقايا تلك الثقافة المادية التي كان الفلسطينيون خاصة، وكم في هذا من السخرية، كانوا المحافظين عليها على مدى أجيال.