ملابسات موت جواهر ابو رحمة من بلعين في نهاية الاسبوع الماضي ليست واضحة بعد. الرواية الفلسطينية مليئة بالثقوب والتحقيق الاسرائيلي لم ينته بعد. ورغم ذلك، منذ أن قرروا في السلطة الفلسطينية الاعلان عن جواهر كشهيدة تبنت مجموعات اليسار الاسرائيلية الرواية الفلسطينية كحقيقة مطلقة. الشك والنقد اللذان هما شمعة توجيه للديمقراطي العادي، وجها فقط تجاه جنود الجيش الاسرائيلي وروايتهم. غير أن النتائج التي تبينت في الايام التي مرت منذ وفاتها تستوجب منا طرح الاسئلة، والشك. التوثيق لادخالها السابق الى المستشفى، التقارير الطبية المتضاربة، اللفائف المليئة بالدم والجنازة الاستثنائية – كل هذا لا يستوي مع متظاهرة سليمة تنشقت غاز وتوفيت جراء تعقيدات في التنفس. وخلافا للاتهام التلقائي من جانب نشطاء اليسار المتطرف فان الجيش الاسرائيلي في السنتين الاخيرتين حقق بالذات بالمظاهرات في بلعين وحاول التعلم كيفية تقليص الاحتكاك والمس بالمواطنين. حتى نهاية الاسبوع الماضي نجح أيضا. رغم ذلك فانهم في السلطة الفلسطينية أعلنوا عن اسرائيل للمرة المليون كمجرمة حرب وهنا كان اسرائيليون ادوا على الفور التحية وانتقلوا الى مظاهرات الاحتجاج. في صباح يوم الاحد نشر رجال منظمة اليسار المتطرف "يوجد قانون" بيانا قاطعا بان العنوان كان على الحائط: الجيش الاسرائيلي يعمل بعدوانية؛ الجيش الاسرائيلي يطمس الحقائق ولا يحقق بالمس بالمتظاهرين. وبالفعل فانهم على الاقل في القسم الاول محقون. عندما تعقد كل اسبوع مظاهرات "غير عنيفة" (على حد تعريفهم) مع زجاجات حارقة، رشق حجارة وقطع أسيجة – يمكن ايجاد عنوان العنف على الحائط والجدار في مجال الفصل. اما بالنسبة لباقي الادعاءات فالعكس هو الصحيح. رغم الاستفزازات التي ينظمها "مغامرو اليسار المتطرف" في بلعين والتشجيع غير الخفي من رجال السلطة الفلسطينية، ففي السنتين الاخيرتين بالذات تقلصت المظاهرات هنا. من حدث جماهيري تشكل من محبي الفوضى من كل ارجاء العالم، اصبحت ايام الجمعة مظاهرات قليلة المشاركة. السبب الاساس في ذلك كان الفهم في فرقة المناطق بان الحديث يدور عن ساحة من نوع آخر. صراع على وسائل الاعلام، صراع على ترسيم خطوط في ظل اشراك المواطنين والسياسة المناهضة لاسرائيل. ملابسات جملة الاحداث غير مؤثرة حقا، ولكن من المهم أن نتذكر بانه قبل اسبوع وصل سلام فياض في سيارة الى بلعين. وصلى في المسجد والقى خطابا وشجع الشبان على التظاهر. في وقت لاحق عندما حان الوقت للخروج الى الميدان اختفى. يوم الجمعة الماضي ظهر مرة اخرى وبشكل عجيب ايضا ازدادت كمية المتظاهرين الى الف شخص. باصات حركات اليسار المتطرف التي خرجت من وسط البلاد ودعوات للسكان المحليين بالخروج الى المنازل. من اكتوى بالنار يحذر البرد. فقد سبق للفلسطينيين أن استغلوا مآسي انسانية في الماضي لتلفيق اصابات بالمواطنين من قبل اسرائيل. ليس صدفة انه في جهاز الامن هناك من يعتقد بان الحديث يدور هنا عن حالة محمد الدرة في صيغة حديثة. ولما كنت أنا من اولئك الذين يؤمنون بان الشك هو اجراء صحي في كل الاحوال – من حالة محمد الدرة وحتى روايات الجيش الاسرائيلي – فاسمحوا لي بان أطرح عدة شكوك بالذات على الرواية الفلسطينية.