مريم فربرغ كانت تجلس في مقهى في تل أبيب، مع احدى موظفيها، حين رن الهاتف من مكتب رئيس الوزراء. تعالي الى القدس فورا، قيل لها، بيبي يقيم قوة مهمة خاصة لمعالجة أضرار الحريق ويجعلك على رأسها. بالفعل، بشرى هامة. فربرغ، التي لم تعتد على الوقوف بجلال أمام اغراءات الابهة، قال لهم انه لا يمكنها. ينبغي لها أن تذهب اولا الى نتانيا، ان تغير ملابسها وان تدبر أمرها. تعالي حالا، قالوا لها، ولكن تتحدث مع احد في وسائل الاعلام، كي لا يتسرب الامر. في الطريق، في الاذاعة، سمعت انه تسرب. تسرب تماما. ولكن حسنا. فربرغ هي امرأة قوية، قادت في نتانيا ثورة حقيقية، ولا تذعر بسهولة. واصلت طريقها نحو العاصمة وفي أثناء سفرها بدأت تقيم قيادة عمل. متطوعون، مهنيون يعملون معها منذ سنوات. أعدت قائمة مشاركين مطلوبة، مع ممثلين من كل الوزارات الحكومة. خطة عمل. عندما وصلت الى مكتب رئيس الوزراء التقت النائب زبولون اور ليف الذي كان يجلس عند نتان ايشل. لا تقبلي بهذا، حذرها اور ليف الذي يعرف بشكل عام عما يتحدث، "لا تحطمي الرأس".وفيما هو يتحدث دخل ارئيل اتياس، وزير الاسكان. هو ايضا يعرف بشكل عام عما يتحدث. "لا تدخل الى هذا"، حذرها اتياس. "ستجدين نفسك تتحدثين مع سكرتيرات المدراء العامين وستحطمين الرأس. اذا كانوا يريدون ان يعطوكِ المنصب، فعندها فقط عبر قرار حكومي. في هذه الحالة، أتياس فات عليه الامر. قرار حكومي هو أمر جميل، يرن لطيفا في الاذن، ولكن معظم قرارات الحكومة في اسرائيل (بين 70 و 80 في المائة) لا تنفذ ابدا. يقررن، وينسون. وينتقلون الى امور اخرى. الجهاز، البيروقراطية، الموظفين، يلتقطون القرار ولا يعرف احدا اذا ما اقترب هذا منهم. علامات استفهام تثور تلقت فربرغ تحذيرات اخرى. شفويا، بالهاتف. ومع ذلك، فان رئيس الوزراء بعظمته توجه اليها. "هذه فكرة بيبي"، قال مساعدوه. لفربرغ علاقات ممتازة مع نتنياهو. ومع السيدة نتنياهو ايضا. وهي تقدره. تمدحه وتدعمه. هذا الاسبوع ايضا، بعد الصدمة التي أصابها بها أيضا لم تعقد مقابلات صحفية ولم توافق على اطلاق كلمة سلبية عنه. لا للاقتباس ولا لغير الاقتباس. وهي تنطوي على نفسها وتصمت وكأنها نجت من مصيبة. تهضم الجولة القصيرة والوحشية التي انجرت اليها في يومين فوضويين يمكنهما أن يشرحا لنا على نحو ممتاز كيف تدار الامور عندنا هنا ومن يديرها. منذ لقائها الاول لدى بيبي بدأت تثور علامات الاستفهام. الناس جلسوا وتحدثوا ولكن كان واضحا بان كل شيء غطاء. لا توجد خطة. لا يوجد لدى أحد أي فكرة عما يجب عمله. وتعاظمت علامات الاستفهام بوتيرة مجنونة كلما مرت الدقائق. إذ تبين أن احدا لم يفكر في أي شيء مسبقا واحدا لم يعدها لمؤتمر الصحفي العاجل، المعد بشكل اعتباطي، والذي القيت فيه على نحو مفاجىء. تحدثي، قالوا لها. حاولت أن تتحدث ولكنها رفضت بعد ذلك اجراء المقابلات معها. كل الصلاحيات والالقاب التي وعدت بها تبخرت في ظل الحديث، من موظف الى موظف، من مدير عام الى مدير عام (وتميز في هذا المجال ايال غباي). بعد ذلك كانت جولة اخرى في الميدان، هي ايضا مليئة بالصدمات. وهناك ايضا تلقت اهانة على لسان غباي، الذي أدخله في حالة ضغط رئيس المجلس الاقليمي شاطىء الكرمل. في النهاية، بعد يومين، انكسرت وكتبت كتاب الاستقالة. ما مر عليها لو أنه روي بصوتها، كان يمكنه ان يعلمنا من مصدر أول كم هي بائسة المنظومة التي تحيط برئيس الوزراء. كم هي معدة باعتباطية. كم هي عديمة الكفاءة، متنازعة ومعقدة. ما مر على مريم فربرغ هذا الاسبوع، في ما يسمى مكتب رئيس الوزراء يؤكد رسائل اسرائيل يغال التي نشرت هنا الاسبوع الماضي. هناك أيضا جرى الحديث عن امور كتبها محب وليس عدوا. هناك أيضا جرى الحديث عن اكتشافات باعثة على الصدمة، تقض المضاجع عما يحصل في المكتب الاكثر حساسية في الدولة. هناك أيضا كان رد المكتب بائسا ومهينا. مريم فربرغ دفعت ثمنا شخصيا معقولا، فهي إمرأة قوية وقد انتعشت من هذا بسرعة. السؤال هو اذا كنا نحن سننتعش من هذا ومما ينتظرنا من هذه العصبة لاحقا. لا يمكن أن نفهم ماذا مر على رأس نتنياهو حين قرر القفز عن 30 وزيرا، القسم الاكبر منهم عاطل عن العمل و9 وزراء آخرين، معظمهم مالون، ليعين رئيسة بلدية من الشارون لمعالجة أزمة الكرمل؟ نتنياهو يعرف ويقدر فربرغ، وعن حق، فالحديث يدور عن قصة نجاح وهو يخطط لها الانتقال الى المستوى الوطني. يحتمل أن يكون يتسلى بفكرة عرضها كرد على تسيبي لفني، المرأة الليكودية، القوية، الفخورة التي تفعل ولا تتحدث والتي جعلت مدينتها جوهرة البحر المتوسط. فضلا عن أن نتانيا تنسجم مع نتنياهو. هذه كانت نية نتنياهو. ماذا سيخرج من هذه الفكرة؟ هذا ما رأيناه جميعا. فوضى عارمة لا حاجة الى لجنة تحقيق لفحص لماذا وكيف فقدنا الكرمل. هناك حاجة للجنة تحقيق كي تكشف لنا لماذا وكيف فقدنا الدولة. كيف لا يمكن ان يتخذ هنا قرار (الاغلبية الساحقة من قرارات الحكومة لا تنفذ ابدا). كيف يستشري العفن ويسيطر على كل اجهزة الحكم. كيف ينظر الموظف في عينيه مباشرة. كيف كف الوزراء منذ زمن بعيد عن أخذ المسؤولية وعن التنفيذ. هم يخافون من المستشار القانوني الملاصق الذي يشلهم (والتابع بشكل عام للمستشار القانوني للحكومة)، من المحاسب الذي يخنقهم (تابع للمالية)، من محكمة العدل العليا التي تقيدهم (لا تتبع احدا). من وسائل الاعلام التي تسحقهم، من مراقب الدولة الذي يحوم فوقهم. من النيابة العامة التي تسارع الى محاكمتهم ومن الجمهور الذي يكرههم. اسرائيل هي فوضى غربية عارمة اختبأت في صورة دولة. قطاع جماهيري متحجر، متفتت، متردي، حيال قطاع خاص متلظي، مبادر، مفعم بالكفاءة ومظفر. صيغة حديثة لـ "السمين والنحيف"، لوزير المالية بنيامين نتنياهو من العقد الماضي. على هذا ينبغي أن تقوم هنا لجنة تحقيق. الاستنتاج العاجل والفوري لهذه اللجنة يجب ان يكون تغيير طريقة الحكم. يمكن أن نسمي هذا "اصلاحا" كي يتعاون معه موظفو المالية. اذا ارادوا، بالطبع. إذ في النهاية هم فقط المقررون. اسرائيل تدار بطريقة اطفاء الحرائق. في كل مرة لجنة تحقيق دولية، في موضوع آخر. الى أن جاء الحريق الحقيقي وتبين بان احدا لا يعرف كيف يطفئه. مراكز الاحتراق لا تزال تنتظر ولكن العفن موجود في كل مكان. تحدثنا عن حرائق هذا الاسبوع. عن الكشف الذي لا يعقل عن دولة قابلة للاشتعال كاسرائيل، توجد على شفا حرب، عن الحرائق الكبرى وعن حقيقة انه لا يوجد من يعرف كيف يطفئها. يمكن أن نستمر الى الامام: احتراقات. هذه هي الاصابة الاكثر سيادة في حالة الحريق. اصابة رهيبة، تحتاج الى وسائل معالجة خاصة ونقليات مختلفة من باقي المستشفيات. في قيادة الجبهة الداخلية يعرفون كيف يعدوننا لامكانية حرب صواريخ فظيعة تندلع هنا. لا يدور الحديث عن امكانية خيالية او بعيدة، بل عن موضوع شبه محتم. في حالة مثل هذه الحرب، واضح أنه ستكون اشتعالات كبير في كل ارجاء البلاد. وواضح أنه سيكون عبء كبير من مصابي النار والاحتراقات. وفي التسعينيات تقرر في وزارة الصحة بان اسرائيل بحاجة الى خمسة مراكز لمعالجة الاحتراقات في مجالها. ومركز الاحتراقات ينبغي أن يكون في مبنى منفصل عن المستشفى، مع كل المعدات اللازمة، المعرفة المتراكمة والفريق الخاص. فهل تعتقدون انه اقيمت خمسة المراكز هذه؟ مراقب الدولة فحص الامر في نهاية التسعينيات وتوصل الى الاستنتاج بانه لم تتم اقامة أي مركز. في اعقاب فحصه تشكلت لجان مهنية جلست وبحثت وفكرة وعملت مع وزارة المالية وقرروا ذات الاصلاح، أو لا. المؤكد انه لم تتم اقامة أي مركز لمعالجة الاحتراقات. لقد نجحت وزارة المالية في ثني خبراء الطب ورجال وزارة الصحة من خمس وحدات لمعالجة الاحتراقات الى ثلاثة، وبعد ذلك أعلنت المالية بانه لا توجد ميزانية. وعندها تعالوا نبدأ بمركز واحد وبعد ذلك نرى، وتقرر بان يقام هذا المركز في تل هشومير، واذا ما بحثتم عنه في تل هشومر اليوم فلن تجدوه لانه ليس قائما حقا. هناك شيء ما يفترض أن يكون وحدة لمعالجة الاحتراقات ولكن لا يوجد لها مبنى منفصل مع غرف عمليات منفصلة مع مهنيين ومعدات وعلم مكتسب ونظرية عمل. هذه الوحدة موجودة نظريا، على الورق، ببساطة على نمط الخدعة الاسرائيلية التقليدية. ليس بذنب المستشفى. بالعكس. في تل هشومير يفعلون الحد الاقصى. ولكن مثلما قال لي احد ما هناك هذا الاسبوع "اذا قالوا لك في الحكومة انه يوجد مركز لمعالجة الاحتراقات، فاعلم عندها انه لا يوجد، كل شيء بالادعاء، الجميع يدعون ويكذبون، ونحن جد نريد أن نقيم مركزا كهذا هنا ولكن ليس لدينا من يمكن ان نتحدث معه، وهذا لن ينكشف الا عندما نحتاج الى ذلك، إذ أن في اسرائيل التي توجد على شفا حرب كل الوقت واضح اننا سنحتاج الى ذلك في وقت ما، ولكن ماذا سنفعل عندها؟ هل سنستدعي مركزا لمعالجة الاحتراقات في قطار جوي من امريكا؟ سوبر تانكر احتراقات خاصة؟ لا احد يهمه شيء الى أن تحرق النار، بكل معنى الكلمة، ارجلنا".