كان لبنيامين نتنياهو هذا الاسبوع فكرة تثير الالهام هي أن يدعو قوة الاطفاء الجوي الاقليمية العامة التي ينوي انشاءها باسم "إلعاد"، على اسم الفتى البطل إلعاد ريبان، متطوع قوات الاطفاء الذي مات في كارثة الحريق في الكرمل عندما حاول انقاذ ناس. الحديث عن نظام اعمال يثير الاهتمام حديث شيئا ما. ما زالت القوة المخطط لها بلا طائرات وبلا مخصصات أو نظرية استعمال مرتبة، لكن نتنياهو فكر في الاسم. في الحياة اليومية الرمادية، السيطرة على الحرائق في أكثرها عمل بري مرهق جدا. بيد انه في اثناء الحريق لوحظ ان نتنياهو انجذب الى الاطفاء المُطيّر جوا. في الذروة الحرجة لعرض علاقاته العامة المتصل بيّن لمواطني اسرائيل – ببث حي وبحركات أيدٍ حثيثة انه تجلس وراءه في انضباط كل القيادة الحكومية والأمنية – مباديء الانقاذ الصحيح لطائرات الرش. كان يمكن أن نفكر للحظات ان الحديث عن ترفع براق تقدم مثل شهاب في سلم رتب خدمات الاطفاء لا عن رئيس حكومة اسرائيل. المفتش العام نتنياهو. في ذلك التوجيه الاعلامي نفسه استحدث نتنياهو ايضا مصطلح "المعركة الجوية" ووعد بالانتصار بها وكأنه ونستون تشرتشل الذي يشجع أبناء الأمة في فترة غزو الالمان لبريطانيا؛ كان جهازا الاطفاء والانقاذ المنهاران في اسرائيل يواجهان آنذاك حريق غاب، بدأ في مركز واحد بسبب اهمال بتدخين نرجيلة. ومن جهة ثانية، الحديث عن رئيس حكومة مختص بانشاء وحدات طيران وهمية: فهذا نتنياهو نفسه الذي وعد قبل عدة اسابيع فقط وزراء السباعية، إثر لقاء "ممتاز" مع وزيرة الخارجية الامريكية (هذه اللقاءات ممتازة دائما)، بأن الادارة ستنقل الى اسرائيل بالمجان 20 قاذفة شبح من طراز اف 35 مقابل تمديد التجميد ثلاثة اشهر. من المؤسف جدا أن الجمهور لم يبلغ اسما ملائما أبدعه رئيس الحكومة لوحدة الطيران الجديدة. وقد أصبح الامر متأخرا جدا الآن. في يوم الثلاثاء، وباعلان فريد من نوعه، أعلن الامريكيون رسميا فشل الاتصالات. هربت الفرصة ومعها طائرات الشبح. استُقبل اعلان الخضوع الامريكي بهدوء نسبي هنا. فقد كانت اسرائيل مشغولة هذا الاسبوع بلعق جراح الحريق: الجنازات، والقاء المسؤولية والهرب منها، وتقرير مراقب الدولة، ولجنة تحقيق. هذا أمر طبيعي. لكن لا يجوز أن نتبلبل: فالحديث عن لحظة حاسمة في ولاية حكومة نتنياهو. اللحظة التي تبيّن فيها نهائيا الى أين تمضي (أو لا تمضي في الحقيقة) ومن الذي يُدبر الامور فيها حقا. يجدر أن نرتب الامور. ان الجمهور الاسرائيلي بعد كل شيء يُقصف برسائل مختلفة من قبل ديوان رئيس الحكومة. أبلغ مراسلون سياسيون بعد نهاية الاسبوع الاخير انهم تلقوا في اجهزة هواتفهم ما لا يقل عن 37 رسالة نصية عن نجاح نتنياهو اللامع في تجنيد قوى العالم لجهود الاطفاء. لكن الحديث عن قصة بسيطة جدا عندما ينقشع دخان الدعاية العامة. خطب نتنياهو في بداية ولايته خطبة بار ايلان التي التزم فيها حل الدولتين. المصالحة السياسية والمناطقية مع الفلسطينيين هي مصلحة كل حكومات اسرائيل في الـ 18 سنة الأخيرة؛ ومن غيرها ستُدفع اسرائيل قريبا الى حكم فصل عنصري رسمي، أو الى دولة ثنائية القومية. كان تجميد البناء في المستوطنات خطوة تقنية، محددة الزمان، كانت ترمي الى إجلاس الجانبين الى مائدة التفاوض كي يُديرا هناك محادثات مباشرة عاجلة قصدا الى التقدم نحو تسوية. أدار الامريكيون ادارة فاشلة المساومة في التجميد، بما ذكّر احيانا بسوق شرقية أكثر من التذكير باجراء سياسي مرتب. امتنعوا هذا الاسبوع عن القاء مسؤولية الفشل على طرف من الطرفين. هذا صحيح من جهة الحقائق لكن لا يوجد تناسب هنا حقا من جهة المصالح والبواعث. الفلسطينيون غير مُتحرقين حقا الى العودة لمائدة المباحثات. فالساعة السكانية والدولية تعمل في مصلحتهم، وقد لُذِّع أبو مازن في الساحة الفلسطينية الداخلية بعد أن تعاون مع وهم نتنياهو في واشنطن قبل بضعة اشهر. وتخبأ حكومة فياض ايضا في كُمها ورقة الاعلان من طرف واحد بدولة في حدود 1967؛ وقد أثبت بالونا تجارب أُطلقا في الاسبوعين الأخيرين نحو الارجنتين والبرازيل أن هذا الاجراء المتحدي ذو طاقة نجاح كامنة لا يُستهان بها. يرى الفلسطينيون أن الحرب على التجميد هي من أنباء الأمس. صرفوا انتباهي في مكتب اعلام السلطة الى حقيقة انه لم يصدر الى الآن "رد رسمي من القيادة الفلسطينية على هذا الشأن". أدركت صائب عريقات رئيس طاقم التفاوض على الهاتف. كان في طريقه الى واشنطن، في اطار الجهد الذي وعد به الامريكيون كما يبدو لتحريك المسيرة بوسائل اخرى. قال عريقات: "نحن خائبو الأمل جدا للتصريح الامريكي في شأن اخفاق المحادثات بين الادارة وبين حكومة نتنياهو في كل ما يتعلق بتجميد البناء في المستوطنات الذي يُمكّن من العودة الى المحادثات المباشرة. هذا برهان على أن نتنياهو وحكومته غير معنيين بمحادثات جدية تفضي في نهاية الامر الى اتفاق نهائي بل باستمرار مشروع الاستيطان وتنظيم الاحتلال من جديد. "قد عرضنا قائمة خيارات ننوي الأخذ بها في حالة عدم الوقف التام للبناء في المستوطنات. أول الخيارات التوجه الى الولايات المتحدة للاعتراف بدولة فلسطين في حدود 1967، بما يشبه الاعتراف الذي بذلته البرازيل والارجنتين. وسنتوجه ايضا الى الرباعية الاوروبية والى الامم المتحدة للحصول على هذا الاعتراف". يبدو انهم في رام الله أفضل فهما ممن هم في القدس للفرصة الاستراتيجية التي أضاعتها حكومة نتنياهو. في اثناء الاسابيع التي بُحث فيها التجميد وكان يبدو انه سيُحتاج الى تليين ائتلافي وجماهيري لاجازته، أغرق ديوان رئيس الحكومة النقاش بوعود كثيرة استخلصها نتنياهو من الامريكيين مقابل موافقة اسرائيل. كان يجب أن نفرك أعيننا لتصديق الرزمة المقترحة: الوجود الاسرائيلي الدائم في غور الاردن حتى مع التسوية الدائمة؛ وضمان تفوق اسرائيل العسكري سنين طويلة؛ وفيتو امريكي آلي على كل اجراء دبلوماسي مضاد لاسرائيل في السنة القريبة؛ وتفاهمات بعيدة المدى تتعلق بالسياسة الذرية الاسرائيلية؛ وطائرات الشبح بطبيعة الامر – وهي هدية من العم سام بثلاثة مليارات دولار، تحت عنوان "يتسهار مقابل بوشهر". ثمة أمر من اثنين: اذا كان نتنياهو قد جرى ليُحدث الرفاق عن الوعود التي لم توجد ولم تُخلق فالحديث عن وغد أو عن مُختلِق ينثر التصريحات بلا غطاء، كتشخيص الرئيس مبارك في رواية "ويكيليكس". لكن اذا كانت هذه الرزمة أو أجزاء منها قد وضعت على المائدة في اثناء مساومة اسرائيل – وتم الرد عليها بالرفض – فان الحديث عن زلزال. لم يعد هذا تفضيلا للتكتيك على الاستراتيجية، وهو ذلك المرض الذي يُتهم به في احيان كثيرة رؤساء حكومة في اسرائيل، ولا هو استعباد للأمد القصير بدل الأفق البعيد. فالحديث هنا عن تخلٍ مطلق عن احتياجات دولة اسرائيل القومية في مقابلة حملة دعائية صارخة لمجلس "يشع". إن طائفة من الاعلانات في الصحف وعددا من اللافتات بأحرف حمراء على جوانب الشوارع وجماعة اعضاء كنيست من المقاعد الخلفية لليكود – هذا ما احتيج اليه للتغلب على رئيس الحكومة الذي يدعي منذ سنتين عرض الرد الغالب على التهديد الايراني. يجب أن نفهم: إن الشلل والخوف اللذين يلفان نتنياهو قد بلغا مستوى عاليا جدا حتى انه ليمتنع عن الإتيان بقضية التجميد ليتم البت فيها بتا حقيقيا في المجلس الوزاري المصغر أو الحكومة، فضلا عن استعمال كامل وزنه للتغلب في المواجهة. وهكذا فقد نافذة فرص اخرى. عُدنا الى نقطة الصفر. والأساس عدم إغضاب ايلي يشاي أو تسيبي حوطوبلي. تتولى حكومة نتنياهو عملها منذ عشرين شهرا. وهي تتمتع بأكثرية ائتلافية جارفة، وهدوء أمني يكاد يكون مطلقا وادارة امريكية طموحة. ولم يجعلها هذا تُقدِّم الدولة ولو قليلا من أهدافها الاستراتيجية. أجرت حكومة اولمرت حربين وحاولت تجديد محادثة الفلسطينيين والسوريين. ونفذت حكومة شارون الثانية الانفصال ووقفت حكومة شارون الاولى في مواجهة موجة الارهاب وخرجت في عملية عسكرية كبيرة على البنى التحتية للارهاب في الضفة. وخرجت حكومة باراك من لبنان وأجرت مسيرة سياسية في شباردز تاون وكامب ديفيد. أما حكومة نتنياهو فلم تتحرك الى أي اتجاه. وكان أكثر الاعمال السياسية حسما مما نفذت هو اجازة قانون استفتاء الشعب الذي يُكبل يديها ويدي الكنيست في الطريق الى اتفاق سلام في المستقبل. انها تراث يُفتخر به حقا. يجوز للجمهور الاسرائيلي أن يطلب الى رئيس هذه الحكومة شيئا واحدا ووحيدا: أن يكف عن اطفاء الحريق وأن يبدأ القيادة.