القدس المحتلة / سما / قال البروفسور إيليّا زريق، البروفسور في العلوم الاجتماعيّة، جامعة كوين، أونتاريو، كندا إنّ الاستخفاف بحياة الفلسطينيّين يميّز مواقف السلطات الإسرائيليّة تجاه مواطنيها العرب منذ تأسيس دولة إسرائيل، وبالنسبة لإسرائيل فإنّ الفلسطينيّين يعيشون تحت شروط الحياة المكشوفة، فمجرّد وجودهم يحتمّل، لكنّه غير قابل للتطوير.وزاد البروفسور زريق في دراسة جديدة نشرها في مركز مدى بحيفا، إنّه يجري على الدوام تعليق القانون عندما يصل الأمر حدّ معالجة الاحتياجات والمظالم الفلسطينيّة. في المعتاد، تُسارِعُ إسرائيل إلى استخدام ’الأمن القوميّ’ كمسوّغ لإجراءاتها الفتّاكة والقاتلة. الحياة بالنسبة لمواطني الدولة الفلسطينيّين هي حالة دائمة من الطوارئ، حيث الخروج عن تطبيق القانون يشكّل القاعدة. أفضل الطرق لرصد الحياة في إسرائيل كدولة كولونياليّة هي من المنظور العرقيّ حيث الإثنيّة والعرق يتحكّمان بتعامل الدولة مع مواطنيها. وكما في الأنظمة العنصريّة، تشكّل الأرض والسكّان المركّبين الأساسيّين اللذين يشغلان المستعمِر، وإسرائيل ليست استثناء لهذه الحالة. يشكّل هذان المكوّنان حجر الأساس للصهيونيّة المعاصرة. ولفت إلى أنّ المجادلات حول الديمغرافيا والسكّان والمستوطنات هي التجسّد المنطقيّ للصهيونيّة، وستبقى تشكّل ركنها الأساسيّ إلى أن تحقّق إسرائيل غاياتها التي تتمثّل في التخلّص من أكبر عدد من مواطنيها الفلسطينيّين، وفي السيطرة على أكبر مساحة من الأراضي.وأشار إلى أنّه يجري تجريد الفلسطينيّين من صفاتهم الإنسانيّة في الخطاب الإسرائيليّ العاديّ، في صفوف أعضاء المؤسّسة الحاكمة، ويمتد إلى مدى بالغ الاتّساع، ليتفشّى في صفوف الجمهور - فتية وبالغين- ، كما يُستشف ذلك من عدد لا يُحصى من استطلاعات الرأي. في العام 2000 ، نَعَتَ إيهود باراك الفلسطينيّين بِالتماسيح، ووصفهم موشيه يعالون (وهو أحد رؤساء أركان الجيش السابقين)، بِالورم السرطانيّ وشبّه العملية العسكريّة في الأراضي المحتلّة بِالعلاج الكيماويّ. في شهر آذار من العام 2001 ، نعت وزير السياحة آنذاك (رحبعام زئيفي) ياسر عرفات بِالعقرب. بعد فوز حماس بأغلبيّة المقاعد في الانتخابات البرلمانيّة التي أشرف عليها المجتمع الدوليّ، أحكمت إسرائيل قبضتها على الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، وطبّقت سياسة منهجيّة من المعاقبة الجماعيّة، وذلك من خلال قطع تدفّق المساعدات الماليّة، والتقليص الحادّ في تزويد قطاع غزّة بالمؤن الغذائيّة وبضائع ضروريّة أخرى، وجرى كلّ هذا تحت التسمية الأمن. وقد وصف دوف فايسغلاس (وهو شخصيّة مرموقة في إسرائيل - في كلّ ما يتعلّق بتقديم المشورة لرؤساء الوزراء المتعاقبين حول السياسات التي ينبغي اتّباعها تجاه الفلسطينيّين)، وصف تقليص تزويد الأغذية وبضائع أساسيّة أخرى لسكّان غزّة البالغ تعدادهم 1.2 مليون نسمة بأنّه أمر مشابه لِنظام الحمية الغذائيّة؛ ففي العام 2006 ، تندّر فايسغلاس بنبرة ساخرة: يشبه الأمر لقاء مع خبير في التغذية، سيصبح الفلسطينيّون أكثر نحافة بكثير، لكنّهم لن يموتوا. وأشار رفائيل إيتان (وهورئيس أركان للجيش سابق) إلى الفلسطينيّين أنّهم صراصير في داخل زجاجة، ونعتهم رئيس الوزراء السابق مناحيم بيغين بِالبهائم الثنائيّة الأرجل. وقبل عقد من الزمن، تمنّى زعيم شاس على الله أن يرسل الفلسطينيّين إلى الجحيم، وأطلق عليهم كذلك وصف الأفاعي. في شهر آب عام 2010 ، أعلن الحاخام السفارادي ذاته، عوفاديا يوسيف، أنّه على الله أن يضرب الفلسطينيّين بِوباء الطاعون. وكتب البروفسور دان شيفتان من جامعة تل أبيب في صحيفة (معاريف) (أكتوبر 2009 ) أنّ العرب هم أكبر إخفاق في تاريخ الجنس البشريّ، وأنّه لا شيء تحت الشمس أكثر إشاعة للخراب والفوضى من الفلسطينيّين.وزاد انّ هذه المواقف الفردية راسخة في الرأي العامّ، حيث أظهرت آخر الاستطلاعات من شهر أيلول 2010 أنّ 64 ’ من الشباب يُقرّون بأنّ العرب في إسرائيل لا يتمتّعون بمساواة كاملة في الحقوق، وقال الإسرائيليّون (من الشرائح العمْريّة من هذه الفئة) بوجوب عدم حصول العرب على مساواة كاملة في الحقوق. في تشرين الأوّل عام 2009 ، صّرح نتنياهو أنّ على الفلسطينيّين الاعتراف بيهوديّة الدولة كشرط مسبق لتحقيق السلام. وفي تشرين الأوّل عام 2010 ، صرّح أفيغدور ليبرمان (وزير خارجيّة إسرائيل، وعنصريّ جليّ)، في الجمعيّة العامّة التابعة للأمم المتحدة: بدون الاعتراف بإسرائيل كدولة يهوديّة، لن نتمكّن من الوصول إلى السلام. ولفت زريق إلى أنّ استحقاق هذا الموقف الثيوقراطيّ جليٌّ بالغ الجلاء، إذ إنّه يلغي عودة أيّ من اللاجئين الفلسطينيّين إلى منازلهم في إسرائيل، ويجرّد المواطنين غير اليهود من حقوق الإنسان العامّة. في أفضل الحالات، يجري التعامل مع الفلسطينيّين في إسرائيل كمجتمع مشتبه فيه، وبالتالي ثمّة ضرورة لمراقبته عن كثب من قِبل مؤسّسات الدولة المختلفة والجمهور اليهوديّ. ما دام المشروع الصهيونيّ يعمل بكامل الزخم، وبالتماشي مع حلم مؤسّسي الدولة، لن يهدأ بال القيادات الحاليّة والمستقبليّة حتّى يجري تقليص الوجود الفلسطينيّ في إسرائيل على نحو ملحوظ. وخلص إلى القول إنّ هذا التقليص سيجري من خلال مقايضة مساحات مأهولة بالكثير من السكّان العرب في إسرائيل بدولة فلسطينيّة بنتوستانيّة في الضفّة الغربيّة. على ضوء كلّ ذلك، يتبيّن أنّ محادثات السلام المتواصلة بين الفلسطينيّين وإسرائيل ليست سوى مشروع متخيّل للوصول إلى سلام حقيقيّ إلاّ إذا خضعت القيادة الفلسطينيّة للإملاءات الإسرائيليّة بالكامل، بمساعدة من الولايات المتّحدة الأمريكيّة، على حد تعبيره.