دردشة رقم 34 هذه دردشات سيكون بعضها قديم وبعضها جديد ..وبعضها عليه تعليق ما / وآن أوان نشرها .أسلحة الشر تصبح أنكى ..حين يستفزها الخير . مقدمة " ..أنا أذكر فيما يتعلق بنفسي أن طلائع الوعي العربي بدأت تتسلل إلى تفكيري وأنا طالب بالمدرسة الثانوية .. أخرج مع زملائي في إضراب عام الثاني من نوفمبر كل سنة إحتجاجاً على وعد بلفور الذي منحته بريطانيا لليهود ، ومنحتهم به وطناً قومياً في فلسطين إغتصبته من أصحابه الشرعيين .. وحين كنت أسأل نفسي في ذلك الوقت لماذا أخرج في حماسة ، ولماذا أغضب لهذه الأرض التي لم أراها ، لم أكن أجد في نفسي سوى أصداء العاطفة .. " . ويضيف :ـ " ثم بدأ نوع من الفهم يخالج تفكيري حول الموضوع ، لما أصبحت طالباً في الكلية الحربية أدرس تاريخ حملات فلسطين بصفة خاصة ، وأدرس تاريخ المنطقة وظروفها التي جعلت منها في القرن الأخير فريسة سهلة تتخطفها مجموعة من الوحوش الجائعة ، ثم بدأ الوعي يتضح وتتكشف الأعمدة التي تتركز على حقائقه لما بدأت أدرس في كلية أركان الحرب حملة فلسطين ومشاكل البحر المتوسط بالتفصيل . ولما بدات أزمة فلسطين كنت مقتنعاً في أعماقي بأن القتال في فلسطين ليس قتالاً في أرض عربية وهو ليس إنسياقاً وراء عاطفة وإنما هو واجب يحتمه الدفاع عن النفس ". جمال عبد الناصر ، كتاب فلسفة الثورة. (13) العودة أولاً ، الوحدة أولاً .غريب أمر هذه الدنيا .. عدت إلى قطاع غزة في إجازة عمل في شهر [ نوفمبر ـ تشرين ثاني / 1966 ] ..، وكان لا بد من إجتياز دورة تدريب شعبي عسكرية لمدة شهر ، لأتمكن من مغادرة القطاع ــ والعودة إلى عملي ..، لأنني في عمر التجنيد الإجباري لجيش التحرير الفلسطيني ( منظمة التحرير الفلسطينية ) ، وكان يؤَجل تجنيد العاملين في وظائف بالخارج . هناك في الدورة طَـلب مني قائد المعسكر المصري ونائبه الملازم أول ( إحتياط ) صادق قنديل وهو من لاجئي قطاع غزة ..، إلقاء محاضرة في الدورتين الصباحية والمسائية .. بعنوان " الوحدة طريق العودة " ــ . بالفعل تم تجميع الدوريتين في ظهيرة أحد الايام الأخيرة من دورة التدريب الشعبي ، وحضر قائد المعسكر ونائبه وجميع صف الضباط ..، والقيت محاضرة عنوانها " الوحدة طريق العودة " .. كما طُـلب مني ، ولكن مضمونها " العودة طريق الوحدة " ، وكانت أشاراتي واضحة .. أن الوحدة هي هدف الأهداف القومية العربية .. وأن الوحدة هي طريق العودة .. والسؤال أين هي الوحدة ؟ ـــ الوحدة الهدفية تحتاج لعقود من أجل أن نراها واقعاً قائماً على الارض ..، بل إن وحدة المصالح مضروبة في أعماقها وجذورها .. وكلما جاءت دولة عربية جديدة .. فرح بها الإستعمار وصفوة الدولة من حكامها ..، لأن كلاهما يحقق هدف الإستعمار وبطريقة مباشرة وغير ملتوية . (14) التقاطع أسوأ من التماثل !.وطرحت السؤال المزدوج .. ، أولاً :ـ أين الوحدة الإندماجية المصرية ـ السورية [ 22 / فبراير ـ شباط / 1958 ] ..، وكم خدم الإنفصاليون المشروع الإمبريالي العالمي ( رجعياً وإستعمارياً ) عامة ، وكم خدموا المشروع الإستعماري الصهيوني العنصري .. خاصة ، من أمثال الضباط الكبار عبد الكريم النحلاوي وموفق عصاصة وحيدر الكزبري وعبد الكريم زهر الدين ..، والساسة الكبار (جداً) أمثال معروف الدواليبي وعزت النص ومأمون الكزبري ، والثلاثة رؤساء وزارات سورية . لا بد أن نصدق القول أن أيا منهم وغيرهم لم يكونوا عملاء للصهيونية .. ولكنهم تقاطعوا وإياهم وهم في سكرة " كرسي السلطة " أولاً ..، و"الأنا" القاتلة لما يصبو إليه المشروع القومي المقدس ــ ثانياً ..، وإرتباطهم بالرجعية العربية .. الغنية بالمال الريعي من العائدات النفطية ـ ثالثاً ..، والأهم أنهم لم يجدوا قوة حقيقية تقف في دربهم تعيقهم تمهيداً للقضاء عليهم وعلى أفكارهم السلبية ..، ـ رابعاً . هكذا خدم هؤلاء المشروع الصهيوني والإستعماري كما اراد رئيس وزراء الكيان الصهيوني ــ " دافيد بن غوريون " .. عندما جعل من محاربة الوحدة "المصرية ـ السورية" / التي قامت في ( 22/2/1958 ) هدفه المركزي ، حتى نجاح الإنقلاب القومي بقيادة حزب البعث العربي الإشتراكي في ( 8/3/1963 ) ، وإعتبر الوحدة .. وكان محقاً / ـ بأنها تضع الكيان الصهيوني بين فكي كماشة الوحدويون القوميون العرب بقيادة جمال عبد الناصر ..، . وهكذا فإن " الكرسي وإمتيازاته المالية " قد جندت هؤلاء الإنفصاليون ليلتقوا ويصبّـون في خانة ومصالح المشروع الإستعماري الصهيوني . ولقد رحل الإنفصال وإنتهى ( 8/3/1963 ) ولكن الوحدة لم تعد / بعد . (15) سخاء بالدماء ، بخل بالكلمات .والتساؤل الثاني .. ها هو الإنفصال قد حصل .. وأن نستعيد دولة الوحدة .. ولكن أنىّ نستعيد دولة الوحدة .. هذا أمر سيطول شرحه ومناله والحصول عليه ولعقود زمنية قادمة في ظل ما نراه ونرقبه من غياب صوت ودور وفعالية الجماهير العربية ..، التي تُـعطي بسخاء في مرحلة التحرر الوطني / مع تعريض عالٍ للتضحية من أجل اهداف التحرر .. ولكنها تبخل عن أداء واجباتها الوطنية بعد نيل الإستقلال والحرية .. بأن يعلو هديرها للمطالبة بالديمقراطية والعدالة والمساواة والإخاء .. أن تناضل أفضل من أجل مجتمع تكافؤ الفرص ..، وعدالة توزيع الثروة . إن الجماهير العربية كسلى .. فعلاً إنها كسولة في الحصول على أهدافها الإجتماعية .. والتي ناضلت .. وبذلت الغالي والنفيس من أجل تحررها الوطني .. الذي يؤدي ويُفضي إلى بناء قواعد المجتمع المتحرر من السيطرة الإستعمارية ..، ولكنه يتقاعص في منتصف الدرب ..، فينجز تحرره الوطني ، ويترك تحرره الإجتماعي في أيدي مجموعة من النخبة المخملية من أنصاف المثقفين البرجوازيين ، هذه النخبة المفصولة فصلاً قسرياً عن مجتمعها وتفاعلاته وإنفعالاته ، بالرغم من تخمتها من أكل خير المجتمع .. إلا أنها ساخطة دوماً على المجتمع أنه لم يعطها حقها بعد ..، ولهذا فإنها تعمد إلى أخذ دورها الدائم بأنها الظاهرة المُـنِـظِّـرَة لما هو أسوأ . (16) مصالح ذاتية / لا أهداف وطنية .ويَـنْـظُـر الكومبرادور المالي ( الرأسمالي المُـوَزِع وليس المُـنتج ) .. إلى هذه الشريحة المفلسة مالياً .. والمحدثة النعمة ـ فجأة ، كيف تعيش ؟ ، ( ولا أقول تحيا ..، لأنها تعيش ولا تحيا ) ــ ، ومن أين لها هذا الترف ( الفقراوي ) ..؟ ، إذن لا بد من تسلط الكومبرادور أكثر وأكثر .. لأنه يملك فائض مالي يؤهله للوصول للحكم ما أمكن ..، ولا تتنازل شريحة أنصاف المثقفين عن حدودها المكتسبة .. فدون ذلك خرط القتاد ، ولكن لا بد من بناء جسور مع ( أهل الغَـلِّـة ـ وهم دوماً بخلاء ) .. وهذه الجسور تكون ذهاباً وإياباً ..، . أشباه المثقفين يبحثون عن دور لدى رجال السلطة .. لأنهم بلا تاريخ ولا سياسة ولا جغرافيا ولا فيزيا ، وكذا الامر مع أولئك ــ أهل المال اللا منتج وطنياً ، وتلتقي مصالح الطرف الأول ، ومصالح الطرف الثاني .. مع أتباع الطريق الثالث .. من السياسيين المعدين لدور مشبوه .. وهؤلاء يكونون أسوة بالخلايا النائمة .. ينتظرون اللحظة المناسبة حسبما هي الأوامر للظهور من عدمه ــ لأداء المطلوب منهم ، والاوامر ليست داخلية أو وطنية ، بل هي أوامر من خارج حدود القضية الوطنية ..، خاصة الجزء الخاص بالتحرر الإجتماعي ، والنضال الديمقراطي .. والذي يشكلان أهم أسلحة الشعب والأمة .. لبناء الحاضر الذي يليق بعطاء تضحيات مرحلة التحرر الوطني .. وإرساء قواعد المستقبل للأبناء والأحفاد .. والأجيال القادمة ، لكيلا يتكرر دفع الثمن الذي دفعه جيل التحرر الوطني أصلاً . (17) العودة ـ الوحدة ، مرة أخرى .كل هذا كان يدور .. إثر طلب الإخوة مني في معسكر الهامة ( بالقرب من دمشق ) ..، أن أُلقي محاضرة في المتدربين .. حضرها جميع من تواجد من هيئة تدريب المعسكر .. وكانت بعنوان : " العودة طريق الوحدة " .. ، .كم الدنيا غريبة وبالرغم من كل الملمات التي تعصف بقضيتنا .. إلا أن أهم ما يحيط بالعاملين في سياق قضيتنا هو الأخذ بالتعددية .. [ ديمقراطية غابة البنادق ـ ديمقراطية السُـكر زيادة ] ..، إن الحالة الديمقراطية الجنينية القائمة على التعددية سواء الحزبية أو الشخصيات الوطنية قد صاحبت الحركة الوطنية الثورية الفلسطينية .. منذ أوائل العشرينيات من القرن العشرين .. وإستمرت ونمت وترعرعت ما بعد إنطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة [ 1/1/1965 ] ، . حيث إحتضنت "حركة فتح" الظاهرة الديمقراطية الفلسطينية بإعتبارها سلاح من أهم أسلحة الثورة الفلسطينية .ضحكت ملء شِـدْقَـي عند سماعي عرض الأخ / مجاهد قائد المعسكر ..، وإستغرب الجميع ذاك الموقف مني ..، وقلت لهم : بعد المحاضرة سيكون لي حديث ..، وألقيت المحاضرة .. ونوهت إلى الإرهاصات الأولى للعمل العسكري .. لتكوينات " حركة فتح " أوائل عام 1954 حتى عملية تفجير خزان زوهر ( 25/2/1955 ) ، وهو الذي فجر المنطقة في حادثة (28/ فبراير ـ شباط / 1955 ) ، وتأثير ذلك تأثيراً مباشراً على كافة المعطيات السياسية في المنطقة ، خاصة دور ذلك المباشر على صفقة السلاح ( التشيكية ـ السوفياتية ) ، وما أفرز من تواجد سوفياتي لا زال قائماً في المنطقة . وأوضحت أن الجدية لتحرير فلسطين من الأنظمة العربية في حال إعمال الجدية ستفرض على الجميع التنسيق .. والتضامن .. والثقة في التعامل ما بين الأنظمة .. الذي سيؤدي إلى نوع من اللقاءات الوحدوية / ولو على صعيد توحيد الرسوم الجمركية بين الدول العربية .. مثلاً ، أو حرية إنتقال الأفراد من أبناء الوطن العربي .. وعدم تقديس الحدود التي إبتدعها الإستعمار خدمة لأهدافه واغراضه الرأسمالية في إمتصاص دماء مواطني الأمة العربية ..، . (18) الوحدة ــ وإلا .ولن يتوقف الأمر عند هذا الحد .. بل سيدفع لحدود أكثر وأكثر من التداخل في الأداء والعطاء ما بين أعضاء ( أقطار الوطن العربي ) ..، إن هذا الامر .. سيفرض أن تطفو القضية الوطنية الفلسطينية إلى مقدمة الأحداث .. وهكذا ستفرض قضيتنا .. معادلة الوحدة العربية من خلال حتمية العمل المباشر ضد المشروع الإستعماري الصهيوني . وأردفت وهكذا فمن الممكن جداً نظراً لحاجتنا الماسة للجيش المصري ( مطرقة الأمة العسكرية ) فلا حرب بلا مصر ، وكذا حاجتنا للجيش العربي السعودي في معركة الإسترداد أن يأتي الجيشان وبالتالي تنتهي حرب اليمن .. إننا بحاجة لكل الجهد العربي . فتاتي الوحدة بصورة وصيغة من افضل الصور وارقى الصيغ الوحدوية ..، . وذكرت في " الهامة " ما كنت قد أوضحته في " رفح " .. حول العلاقة الجدلية ما بين القطرية والقومية ..، وبأن القطرية حالة طارئة ـــ وأما القومية فهي مركز الأرض والإنسان .. وهي الكينونة والصيرورة لكل ما هو كائن وصائر على أرض الوطن العربي ..، والقومية هي حاضر ومستقبل المواطن العربي على أرضه ثقافياً وإجتماعياً وإنسانياً وحضارياً ..، ومن هنا فالإنسان على أرض الوطن العربي .. هو صاحب الحق كل الحق في وطنه ..، ولما كانت فلسطين هي أرض الوصل والإتصال ما بين مشرق الوطن العربي ومغربه ..، فإن هذا الفعل الوحدوي لا بد أن يكون عاملاً رئيسياً للإسراع في تخليص الأرض الفلسطينية من براثن المشروع الإستعماري العنصري الصهيوني .. وتحالفاته الغربية الرأسمالية الفاشية . وأضفت / ولما كان هذا الأمر لتحرير فلسطين بالوحدة العربية وعلى كل المستويات وعلى أي مستوى كان ، بعيد المنال ـــ على الأقل ـــ في وقتنا الراهن وهو أمر ليس بأيدينا أن نجترحه نحن ( شعب فلسطين ) .. ، فإننا لا بد أن نبحث عما هو متوفر بأيدينا ..، ويمكننا إعماله وفعله ..، ألا وهو تثوير دور شعبنا ليأخذ دوره في معركة تحرره الوطني ..، ويشكل رأس الحربة القومية العربية المسمومة .. إلى أن يلحق بنا أبناء العروبة ، جماهيراً شعبية (و ــ أو ) أنظمة رسمية . وهذا ما أوضَـحَـته " حركة فتح " في خطة العمل الناتجة عن إجتماعاتها ( 12 و 13/6/1967 ) . كانت هذه المحاضرة لجمهرة من عشرات الشباب الفدائي الذي أتى باحثاً عن بندقية .. أي باحثاً عن كرامته الوطنية ، فوجد ضالته في " حركة فتح " وطروحاتها وممارساتها الميدانية على الأرض ، ـ [ اللقاء في ارض المعركة ] .. لحض القوى على الإتخراط في العمل العسكري المباشر ، / كان يا ما كان .. يا سادة يا كرام ، إسمه العمل الفدائي ـ هذا أولاً ، . (الرصاصة كشاف الثائر) ثانياً ـــ ، ( فوق الجبل .. تحت الجبل ، فتح .. فتح .. فتح ) ثالثاً ـــ ، ( لا نسوان ولا دخان ) رابعاً ــ ، ( حوش حوش حوش ) خامساً ــ ، وتتابعت الامور وإنتشرت فتح أفقياً وعمودياً ووصلت إلى حدود القضية برمتها ، وجاءت الفصائل الوطنية ليعزف الجميع سيمفونية العودة بالوسائل التي تستحقها منا فلسطين ، . وفيما بعد سمعنا ممن اتوا إلينا في السجون والمعتقلات ومراكز العزل والزنازين ( الأن أصبح عندي بندقية ) هذه هي "حركة فتح" حركة الإلتصاق بالارض أكثر ــ والعطاء للأرض أكثر وأكثر ..، والفداء للأرض أكثر وأكثر وأكثر ،. هذه هي فتح العمل الفدائي ، الكفاح المسلح ، حرب التحرير الشعبية ..، العنف الثوري ..، الإصرار على إنتزاع ما إنطلقت من أجله ، نعم .. إن حركة فتح هي حقاً قولاً وعملاً .. هي ثورة حتى النصر ، وليس أمامنا سوى أحد خيارين ، إما النصر وإما النصر ــ ، من اراد أن يعرف "حركة فتح" على حقيقتها فلينظر إلى درع فتح ـ .. ، / وكم أخاف أن يُـغَـيروه أو يصادروه ..، كما غيبوا منطلقات " حركة فتح " ( من النظام الاساسي ) بهدوء ــــ والبركة في جيل الشباب. (19) مؤتمر فتح العام الاول .في المساء ــ حيث أخذ الجو بالتحسن .. جلسنا مجموعة من الشباب .. الأخ / مجاهد وبعض المدربين .. وتحدث وإياهم عما حصل معي في معسكر التدريب الشعبي ( الراقي ) ــ في " رفح " .. والمفارقات في الاوضاع الفلسطينية ما بعد النكبة (1948) ، حيث كل سلطة عربية تريد أن تفرض وجهة نظرها على شعبنا .. نعم إن بعث الشخصية الوطنية الفلسطينية وإعلاء شأن الهوية الكفاحية .. أمران في غاية الأهمية ، أوضحتهما " حركة فتح " في "بيان حركتنا ـ 1959" و"هيكل البناء الثوري ــ 1962".. ولكن كل هذا نابعاً من الاساسية القومية العربية .. نعم إن " النضال القطري أساس النضال القومي " .. وليس بديلاً عنه ، .ولا زالت الثورة الفلسطينية تمثل رأس الحربة المسمومة في عنفها الثوري في حرب الإسترداد القائمة على ترابنا الوطني . تجاذبنا جميعاً الحديث حول أوضاعنا الراهنة المستجدة ما بعد [حرب يونيو ــ حزيران / 1967] الذي لم يمضِ عليها سوى يوم بعد إنعقاد اللقاء الحركي الموسع في [12/و13/1967 ]والذي أعتبر المؤتمر الحركي العام الأول ـ والذي إتخذ قرارات حركية وطنية ثورية فلسطينية على مستوى مصيري ..، حيث جرى تبني خطة العمل ما بعد حرب [ حزيران ـ يونيو / 1976 ] ، ومنها :ـ - الإنتقال للمرحلة الثانية من العمل متمثلة بحرب تحرير شعبية ، كحل جذري للتحرير،.- التوسع في التدريب العسكري نوعاً وكماً ومستوى .- تنمية قواعد ومؤسسات الحركة لتغطي كل متطلبات العمل ( جغرافياً وموضوعياً ) . - إفساح المجال بإستمرار لكفاءات عناصر الحركة لتوفير صفوف متلاحقة لإستلام المسئولية .- إعطاء دور مهم للعمل العسكري المباشر داخل الارض المحتلة . وعاود الأخ / مجاهد الحديث حول أوضاع مخيم عناتا ( بالقرب من القدس ) .. وتذاكرنا تلكم الأيام معاً ، فأبناء الجيل الواحد يعرفون مضامين ظاهرات مرحلتهم ..، . ــ فكيف بأبناء النكبة الواحدة ــ نكبة من كل حدب وصوب . (20) السيجة وما أدراك ما السيجة .كانت لعبة " السيجة " ــ هي ساتر ملتقى سائر الخلَّان ..، نعم إنهم يلعبون " السيجة " ولكنهم لا يتوقفون عن الحديث فيما يدور حولهم من أحداث في محيطهم العربي ـ وكذا ما وراء الوطن العربي .. ولكن الأهمية تجرف الجميع نحو ما آل إليه شعبنا بعد النكبة ـ وأين دوره ..، والتعليقات الرئيسية تذهب دوماً إلى ماذا يدور في مصر ..؟. فالآمال معلقة على مصر تاريخياً للاهمية القصوى لفلسطين الجغرافيا في الأمن القومي المصري ـ عبر مراحل وحقب زمنية سابقة وآنية ولاحقة .. وإلى أن ينتهي هذا الكون . إنصب الحديث نظراً للأوضاع المحيطة والتحركات السياسية في المنطقة على مصر في صيف 1956 ، وهنا تحدث أصغرهم سناً .. ولكنه مُـلِـم بما يدور في المنطقة وبدء يسرد أحداثاً لـيُـبَـيِـن ويستدل منها بما يريد إستنتاجه ..، وكل منهم ببساطة يحلل شخصية هذا الشاب .. فهو في أفكاره ليس شيوعياً ..، وليس بعثياً فهو يؤيد عبد الحميد السراج ضمناً .. ولكنه يعشق مصر .. ولعبد الناصر التقدير الخاص عنده ..، وطبعاً ليس إخوانجياً .. لأنهم يشنون الهجمات المتواصلة ضد جمال عبد الناصر وليس من جماعة الهيئة العربية العليا ..، . إستمعوا إليه وهو يسرد الأحداث ويُـسهب بالقول مستعيناً برؤوس أقلام مدونة على ورقة والصبي المثابر على الإستماع يستمع بلا تعليق ، وبلا قدرة على وعي كل ما يدور من حواليه . وبدأ الشاب يتحدث والتعليقات تتداخل ، ولعل أساسيات حديثه كمنت في أمور عدة أهمها :ـ (21) فلسطين الحاضر الدائم.- بعد التوقيع على إتفاقيات الهدنة / المصرية ـ الأردنية ــ اللبنانية ــ السورية / بالترتيب ، مع الكيان الصهيوني برعاية د.رالف بانش نائب الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة (عام 1949) فلقد تداعت جامعة الدول العربية .. وعقدت فيما بينها إتفاقية الدفاع العربي المشترك .. [ 13/4/1950 ] والتي لم يعمل بها يوماً واحداً .. ولم تساوِ الحبر الذي كتبت به . - سارعت أمريكا وبريطانيا وفرنسا ومعهم تركيا لإقامة منظمة الدفاع عن الشرق الأوسط وتوقيع معاهدتها في [ 30/10/1951 ] .. ودعت الدول العربية للتوقيع عليها ــــ ولم يتم أي توقيع عربي عليها . - قام الضباط الأحرار بثورة [ 23/7/1952 ] وجميعهم ممن شاركوا في حرب فلسطين ورأوا نكبة 1948 ، بأم أعينهم ، وشكلت بالتدريج عامل وعنصر بل ومنعطف تحول في المنطقة . - نجحت مصر بقيادة الضباط الأحرار بإرغام بريطانيا للتوقيع على إتفاقية الجلاء عن قواعدها العسكرية [19/10/1954 ] على أن يتم الجلاء الكامل في عشرين شهراً.- بعد فشل جر العرب إلى الإنضمام لمنظمة الدفاع عن الشرق الأوسط ( ميدو ) .. عمد الإستعمار لإقامة معاهدة دفاعية (!!) جديدة هي حلف بغداد بين العراق وتركيا [24/2/1955] .. وسرعان ما أعلنت إيران وباكستان ( الشرقية والغربية ) الإنضمام إلى هذا الحلف .. ولحقت بهم أمريكا وبريطانيا .. - بعد الإعلان والبدء بتنفيذ إتفاقية الجلاء ، وجه العدو الصهيوني .. ضربة قاسية للنظام الثوري المصري ، وذلك بعدوانه على قطاع غزة ، بما عرف بِحادثة [28/فبراير ـ شباط / 1955] والذي ذهب ضحيتها (39) ضابط وصف ضابط وجندي مصري وفلسطيني ..، وكان هذا العدوان رداً على تفجير مجموعة عسكرية فلسطينية من الفدائيين لسد مياه على أحد الوديان ــ خزان زوهر . وبدأت (مصر ـ الثورة) للبحث عن السلاح من أي مكان لأن الإعتداءات الصهيونية لن تتوقف منذ توقيع إتفاقيات الهدنة .(22) إنتهى عصر الإستعمار.- هنا إتضح للإستعمار بأن عبد الناصر من أعدى أعداءه .. ورفع شعار [على الإستعمار أن يحمل عصاه ويرحل] . - أوضح عبد الناصر هذه القضية النضالية عملياً في مؤتمر باندونج في اندونيسيا .. حيث أكد المؤتمر بأنه يتحتم ــ ( تصفية عصر الإستعمار ) . (19ــ24/4/1955) .- مع رفض شامل لسياسة الأحلاف العسكرية الغربية بحجة محاربة الشيوعية ، وأعلن عبد الناصر قبول العرب لقرار التقسيم (181) الصادر في ( 29/11/1947 ) ــ عن الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة وعودة اللاجئين وتعويضهم حسبما تقر الشرعية الدولية .- إثر إنفضاض مؤتمر باندونج ، توضح الدور المصري الثوري الداعم لحركات التحرر الوطني في أفريقيا وآسيا ـ المناوئة للإستعمار والمقاتلة له في أوطانها ، وأصبحت القاهرة كعبة الثوار وعنوان ومركز قيادة كل حركات التحرر الوطني العالمية .. وإمتد الأمر أحياناً إلى أمريكا اللاتينية أيضاً ..، ونالت جبهة التحرير الوطني الجزائرية النصيب الأوفى من هذا الدعم السياسي والمعنوي والإعلامي والعسكري والمالي والجغرافي .. وكذلك حركة التحرير الوطني الكينية ( الماو ماو ) بقيادة نمر الثورة ( جوموكينياتا ) .. وتونس والمغرب العربي ( مراكش ) ..، والإرهاصات الوطنية الثورية في جميع القارات الثلاث .- إن نجاح عبد الناصر ( مصر ـ الثورة ) في خلق القاعدة الجماهيرية القومية العربية لمواجهة الإستعمار ، وإحباط مخططاته سواءً في فرض سياسة الأحلاف العسكرية .. الذي يشكل المشروع الإستعماري الصهيوني العمود الفقاري لأي حلف عسكري في المنطقة بحجة محاربة الإلحاد الشيوعي السوفياتي ، وكذا إفشال مخططات الغرب الإستعماري في التقليل من أهمية الإنتحاء والإنتماء العروبي في ساحة الوطن العربي .. وبأنها ليست فكرة عاطفية ..، بل هي صيرورة الوجود العربي برمته في هذه المرحلة وفي كل المراحل السابقة واللاحقة ، عبر كل الحقب التاريخية . (23) خلط الدين اليهودي بالدنيا الأوروبية .- إن إصرار جمال عبد الناصر الدؤوب على كشف وفضح وتوضيح حقيقة المشروع الإستعماري الصهيوني .. وبأنه عدوان دائم ومخلب قط إمبريالي ..، وجوده لا يخدم المنطقة .. بل يجعلها وعلى كل الصُـعُــد كمن يقتعد موقدة ..، سواء نظم سياسية .. أو أقطاراً بعيدة أو قريبة ، أو برامج تنموية ..، أو مؤسسات رسمية وجماهيرية .. حتى على مستوى الأفراد لا إستقرار ولا هدوء في الحاضر .. ولا ضمان لأي مستقبل .. لجميع ما سبق وغيره سواء بسواء ، لقد شتل الإستعمار الغربي الجحيم بين ظهرانينا ، وهيهات أن تقتلعه ، ولكن سنقتلع هذا الجحيم الصهيوني من أرضنا .. شاء من شاء وأبى من أبى .- إن حالة العدوان الدائمة .. هي أرضية وجود وإستمرار المشروع العنصري الصهيوني ..، قائمة على أفكار غيبية ( صناعة أيديهم ــ Hand Made ) .. وبأنهم "شعب الله المختار" وبأن الرب قد أعطاهم "فلسطين" لتكون ( أرض الميعاد ) ـــــــ ،.- من هنا فإن شذاذ آفاق العالم .. من الموسويين .. قد وجدوا ضالتهم في منتصف القرن التاسع عشر في طروحات " الصهيونية المسيحية الإنجليكانية ـ الإستعمارية " .. وإختراعاتها "الدينية" ضد المدونات البابلية التوراتية ، التي جمعها "عزرا الكاتب" هناك في بابل ، ( القرن السادس قبل الميلاد ) من ألْـسِـنَـةِ أمم الأرض وثقافاتهم المتجمعة في عاصمة من أهم عواصم الدنيا .. عاصمة حضارة بلاد ما بين الرافدين . (24) نضح يهود أوروبا / وفلسطين .- لم يتوقف جمال عبد الناصر عن فضح المخططات الإستعمارية الغربية وتبنّيها للقيطها الصهيوني المشتول كرهاً في فلسطين ..، قوة وإقتداراً وفجوراً وإغتصاباً ، ومضى كاشفاً زيف إدعاءاتهما ( إستعمار غربي / وصهاينة ..) ..، إن الإستعمار سعى ويسعى للتخلص من " اليهود " في دياره الأوروبية ــ خاصة ، ووجد ضالته في الإختلاقات الغيبية .. فقام بإرسالهم وشحنهم إلى فلسطين ، تفكيراً عن خطيئة فكر الحضارة الاوروبية ـ أقصد الهولوكوست .. المحرقة ، وهكذا ضرب عصفورين بحجر واحد ..، تخلص من " اليهود" وتنظيف أوروبا منهم ، وجعلهم رأس جسر معادٍ للأمة العربية ولجيرانها في المنطقة . ونال المشروع الصهيوني لذلك دعماً وإسناداً ومساعدة وإحتضاناً منقطع النظير ولم يسبق له مثيل ..، ليبقى قاعدة عدوان إمبريالية متقدمة في عمق وطننا العربي والمنطقة ، وضد التطلع القومي العربي التحرري النزَّاع للوحدة . - بحث عب الناصر عن أية جبهات لمحاربة الإستعمار في ساحات ومساحات النضال والتحرر الوطني والثورة .. عبر أرباع الدنيا الأربعة .(25) السلاح والصين والجلاء.- عمد بعد حادثة [28/فبرايرـ شباط/1955] .. إلى كسر سياسة إحتكار توريد السلاح لمصر ..، كما للدول العربية . فعقد سراً إتفاقية صفقة السلاح ( السوفياتي ـ التشيكي ) في [ مايو ـ أيار / 1955] .- وكان جمال عبد الناصر قد إلتقى في ( رانجون / بورما ) مع رئيس وزراء الصين شو إن لاي وهما في طريقهما إلى مؤتمر باندونج ( إبريل / نيسان / 1955) وطرح عليه السؤال المُـلِّـح .. هل يبيعنا الإتحاد السوفياتي سلاحاً ؟.. وكان رد في الشهر الثاني .. بنعم وتم عقد الصفقة . - وعندما علمت المخابرات الأمريكية بذلك ، قام في [ 27/9/1955] بالإعلان عنها ..، وكان ثمة إجتماع ضم خبراء مختصين من وزارتي الخارجية والدفاع ومجلس الأمن القومي الأمريكي ( في واشنطن ) .. وقرر عدم تزويد مصر بالسلاح قبل الدخول في إتفاقية سلام مع الكيان الصهيوني ، وذلك في [18/9/1952] أي بعد ( 55 يوم وليلة ) من نجاح ثورة [23/7/1952] .- وبلا توقف أعلنت الجمهورية المصرية .. اعترافاً كاملاً .. بجمهورية الصين الشعبية ، ( 16/5/1956) ، وكان هذا عملاً لا يمكن أن تغفره الحضارة الغربية الإستعمارية ، لعبد الناصر ، ولا بد أن يدفع الثمن هذا الشاب المتمرد ــ على الشق الإمبريالي من النظام الدولي الجديد ما بعد الحرب العالمية الثانية .- وتم جلاء جيش الإحتلال البريطاني عن منطقة قناة السويس ..، بعد أن جثم على صدر أرض الكنانة [1882/ حتى يونيو ـ حزيران / 1956] .- لم يكن عبد الناصر يستطيع كل هذا .. وغيره كثير ، لولا دوره الديناميكي المناهض للإستعمار الغربي .. خالق الكيان الصهيوني من ألفه إلى يائه ، ولولا تمسكه بالقيم والمبادئ الأساسية في الإستراتيجية العليا لإدارة الصراع العربي ـ الصهيوني ، مع إفساح المجال لمرونة تكتيكية تُوظف وتستثمر في خدمة إستراتيجية إيقاع الهزيمة بالعدو .. بتراكم النقاط . خاتمة ..نعود إلى الجو السياسي الملتهب .. " ورَبْع السيجة " لا زالوا يعيدون ويزيدون .. ويمتدحون جمال عبد الناصر .. لأنه كلمة سر الأمة ..، لقد إجتمعت الأمة من حواليه ..، وإنفض سامر "السيجة" ..، وعاد الصبي المستمع .. ليراجع الحديث حول أصغرهم سناً ..، وهو يقول بينه وبين نفسه ما قالوه .. " والله فهيم .. قُـولَـة حلو .. لكن وين الفعل ؟ ..، رحلت الأماني بعيداً ، نام الصغير .. وصوت المذياع الوحيد في المخيم يصدح في المقهى .." أخي جاوز الظالمون المدى" .. عُـدنا للحديث .. إلى ما يدور من حوالينا ..، وتذاكرنا .. كان لسان حالنا يقول :ـ " ما أشبه الليلة بالبارحة " ..، وكلانا راهن أن عبد الناصر لن يرضخ للمخططات الإستعمارية أو الصهيونية ..، بالرغم من هزيمة العرب في حرب ( يونيو ـ حزيران / 1967 ) وأكدنا أن عبد الناصر بطريقة أو باخرى فإنه قد مهد الطريق لكلانا لكي نكون اعضاء في "فتح" .