خبر : على جناح الصورة / بقلم: ناحوم برنياع / يديعوت 27/8/2010

الجمعة 27 أغسطس 2010 07:06 م / بتوقيت القدس +2GMT
على جناح الصورة / بقلم: ناحوم برنياع / يديعوت 27/8/2010



يصر المحامي اسحق مولكو، محامي نتنياهو ورجل سره، على ان يسمي رجله بالحروف الاولى: بي إن. فالامر كذلك اكثر احتراما واكثر تأثيرا وارتفاعا فوق الشعب. اعتاد رجال فريق السلام على اختلاف اجيالهم الشكوى من بيبي على مسامع مولكو. كان يدافع عنه بروح طيب موضوعي. لم يقبلوا دائما خطب الدفاع لكنهم أحبوا مزاج مولكو.             في ليل يوم الثلاثاء سيشخص نتنياهو الى واشنطن، لمراسم تجديد المحادثات المباشرة بين حكومتي اسرائيل وفلسطين. سيكون مولكو الرجل الرئيس. بخلاف مطلب اهود باراك، لم ينشيء نتنياهو فريقا لادارة المحادثات. اعتاد رؤساء الحكومة في الماضي أن يجندوا استعدادا للمحادثات افضل الادمغة في المكاتب الحكومية المختلفة، وقبل كل شيء في شعبة التخطيط في الجيش الاسرائيلي. كان لابسو البزات العسكرية عجلات التفاوض وورقة تينه لكن لا في هذه المرة. ان جميع مطامح نتنياهو في هذا التفاوض محفوظة في دماغ مولكو، وما زال يوجد مكان كثير لمطامح اخرى واعمال اخرى.             صعود الطائرة مصحوب دائما بشيء من التأثير. فالاعلام، وكتائب الحراس، والبساط الاحمر، وعدسات التلفاز، وكبار مسؤولي المكتب الذين يحملون في قدر كبير من الاهمية ملفات جيمس بوند معهم. لكن اسرائيل هي اسرائيل، فالاعلام تجر في عجلة سوبرماركت متعثرة، وفي الحقائب الفخمة في الحاصل العام قميص تريكو للنوم في الليل وملابس داخلية للتبديل.             رئيس الحكومة في اسرائيل وحدها يبدأ اجراءا دبلوماسيا، ويصحبه وزير خارجيته في شيء كثير من السخرية. يفترض ان تكون الدبلوماسية أداة عمل وزير الخارجية. فعمله هو تقديم ذلك وإن لم يقدمه فأن يصمت على الاقل. لكن اسرائيل هي اسرائيل ويستطيع نتنياهو ان يوجه الدعاوى على نفسه فقط لانه هو الذي عين ليبرمان لمنصبه الحالي.             يسافر نتنياهو الى واشنطن لتلتقط له الصور. ليس يختلف عن براك اوباما ومحمود عباس وحسني مبارك والملك عبد الله، الذين سياتون هم ايضا الى هناك على اجنحة الصورة. نجم عن الصراع الاسرائيلي الفلسطيني الكثير من المراسم منذ ايلول 1973. كانت المراسم احيانا علامة تقدم وأتت احيانا بدلا منه. ان حفل الاسبوع القادم خاص في ان الطرفين هذه المرة يأتيان المراسم مع فكرة واحدة: فكلاهما لا يؤمن بأن ينتج عن ذلك شيء ما.             رجعنا الى الوراء بمعنى ما، الى الفترة قبل اوسلو. يفضل الجانبان الاستمرار على الوضع الراهن، بشرط ألا يطلب اليهما دفع الاثمان التي تصحب الاتفاق.             انهما ضيفا رئيس اصبح تأييده في الحضيض. فاز اوباما على مكين في الاساس بسبب الاقتصاد. على اوباما فوق الازمة ودُفن مكين تحتها. مرت سنتان وما يزال الاقتصاد في ازمة. هذا هو الذي يثير اهتمام الامريكيين – لا الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني، ولا حتى الوضع في افغانستان وفي العراق. لم يحصل أي رئيس امريكي على تعويض في صناديق الاقتراع عن جهد بذله في السلام في الشرق الاوسط، لا كارتر الذي افضى الى الاتفاق الاسرائيلي – المصري، ولا كلينتون، الذي بذلك جهدا كبيرا في التفاوض بين اسرائيل وسورية وبين اسرائيل والفلسطينيين.             لكن اوباما يؤمن بان الاتفاق مصلحة قومية امريكية، وعندما يؤمن رئيس الولايات المتحدة يجب على الزبائن المثول. امريكا بعيدة من ان تكون ما كانت ذات مرة لكنها ما تزال الخيار الوحيد عند نتنياهو ومبارك وعبد الله وعباس.             حازمو الحقائب             في الثالث والعشرين من تشرين الاول 1998 تحدث التنبؤ عن مطر في واشنطن. نقلت المراسم من حقل الاعشاب الجنوبي في البيت الابيض الى الغرفة الشرقية، قاعة الاحتفالات. هناك، تحت الاضواء الملكية، وقع كلينتون ونتنياهو وعرفات على اتفاق واي. كان الجو تاريخيا. وقد اسهم فيه حضور الملك حسين اسهاما حاسما وهو الذي جاء من عيادة مايو في منسوتا وكان يحتضر بالسرطان.             بعد ذلك سرنا على الاقدام مدى كتلتين من البناء شرقا، الى فندق فيلارد. وكالعادة دعا رئيس الحكومة المراسلين الاسرائيليين الى توجيه صحفي. كان القصد الى تليين معارضة اليمين في البلاد لاتفاق نقل 13 في المائة من مساحة الضفة الى عرفات (وعد عرفات عوض ذلك  ان يلغي المواد في الميثاق الفلسطيني التي دعت الى القضاء على اسرائيل، وأن يقضي على الارهاب). كان نتنياهو مركزا فصيحا مفعما بالادرينالين. وكان الوزراء مردخاي وشارون وشيرانسكي معه في واي لكنه لم يحتج الى مساعدتهم. كان الانتصار كله له.             قال نتنياهو: "قلت لكلينتون ولعرفات ايضا، توجد مشكلات كبيرة، مثل نسبة المساحدة التي ستنقل للفلسطينيين في المرة الاولى. وتوجد مشكلات في مستوى ادنى. كان الميل الى البدء بالامور الصغيرة، حاولنا بتوسط الامريكيين. كان يفترض ان يصوغوا صيغة، حاولوا ولم ينجحوا.             "استمر الامر على هذا النحو حتى يوم الاربعاء، وهو يوم المحادثات السابع. قلت اذا لم احصل على نص فانني ساغادر. وعندما رأوا أننا نحزم امتعتنا أتوا بنص. آنذاك فقط حصلنا على نتيجة. من المؤسف أننا لم نبكر بيوم.             "لكن الامور لم تحسم. وأثر هذا في النهاية في اعصابي. اقترحت جمع الجميع، ان يكونوا في جانب ونحن في جانب ثان وان تسفُر يا كلينتون بيننا وبينهم. جمعنا كلينتون في الغرفة الكبيرة لكن الامور لم تحسم. خرج من الغرفة وتركنا معهم. كنا قرب مائدة وعرفات وجماعته قرب مائدة ثانية.             "تقدمت الى عرفات. بدأ الوفدان يختلطان. انتظرنا ان يعود كلينتون لكنه لم يعد. آنئذ قدمت ورقة الى عرفات. قلت له هلم نحسم الان الامور الكبيرة. قل لي ما هما الامران الاكثر اهمية من جهتك واقول لك ما هما الامران الاكثر اهمية من جهتي. الامران الاكثر اهمية عندي هما الغاء المادة في الميثاق وقرار السلطة الفلسطينية على سجن جميع المطلوبين. وسالته ما هما أمراك. قال ان تُنقل المناطق في القسط الاول وفي القسط الثالث.             "قلت له القسط الثالث النهائي امر صعب علينا معا. لا نستطيع الاتفاق عليه الان. هلم ننشيء لجنة نتجادل فيها. ووافق على ذلك.             "آنذاك ذكر السجناء. طلب ان نطلق ثلاثة آلاف أو ثلاثة آلاف وخمسمائة، قلت له ليس هذا واقعيا، فعندنا قيود على الاعداد والفئات. لا آلاف بل مئات. انا مستعد للاطلاق بشرط ان تسجن أنت.             "من هذه اللحظة بدأ تحرك. واصبح العمل بعد ذلك سهلا نسبيا".             سألنا نتنياهو هل ستبقى من جهة سياسية. "سأبقى"، قال. "أفضل أن تظل الحكومة تعمل في النظام الحالي لكن اذا لم يحدث هذا فسأمضي الى الانتخابات".             لخص الامريكيون التفاوض على وجه يختلف. اغضبتهم حيلة الحقائب. كانت شفافة جدا وتثير السخرية جدا. لم يغادر الاسرائيليون: حزموا الحقائب ووضعوها خارج غرفهم مثل اولاد يهددون آباءهم. استغل الفريق الامريكي الحيلة لتحسين ثقة الفلسطينيين بهم، أما تقدير نتنياهو فقد هوى كثيرا.             في ذلك المساء اقلع نتنياهو عائدا الى البلاد. حط في مطار بن غوريون على انه شخص مختلف مذعور مدافع عن نفسه متردد. اصابته الهجمات من اليمين بالشلل. ترك اربعة من اعضاء الكنيست – بيغن وكلاينر من الليكود، ورحبعام زئيفي وبيني الون من موليدت – الائتلاف، وبهذا حكموا على حكومته بالموت. وهزمه اهود باراك في الانتخابات.             لم يفِ عرفات بشروط الاتفاق. فقد الغى الميثاق ولم يلغه. وكان هذا مثل اكثر اجراءاته مفتوحا للتفسيرات. والاساس انه لم يقض على الارهابيين بل بسط رعايته عليهم. ولم تف اسرائيل ايضا بالاتفاق. فقد نُقل الـ 13 في المائة التي وُعد بها ولم يتم الوفاء بالباقي.             يحل افتراض أن قضية واي ولّدت صدمة عند نتنياهو. فلن يشاء ان يعود من واشنطن مرة اخرى الى ائتلاف منقوض، لا في هذه الرحلة ولا في الرحلات القادمة. فهو مثل البدوي الذي صدمه قطار سيكون مذعورا حتى من صفير القمقم.             مع نعلين عاليتين             التقيت هذا الاسبوع بالصدفة، في احد اروقة مبنى هيئة القيادة العامة، واحدا من جنرالات الجيش الاسرائيلي. غض بصره، لا بسبب الحياء بل بسبب الصندل. أتمشي هنا في هيئة القيادة العامة لابسا صندلا؟ تساءل. قلت لماذا لا. فالافاعي فقط في هيئة القيادة العامة تمشي مع نعلين عاليتين.             الفكاهة هي افضل دواء لمقاومة المؤامرات السرية. يصعب على الجنرالات الذين يعرفون السخرية من انفسهم التمرد على المسؤولين عنهم. وقع تمرد جنرالات في الجيش الاسرائيلي مرتين، مرة في حرب الاستقلال ومرة عشية حرب الايام الستة، وفي المرتين تلاشى التمرد سريعا. ظلت قضية الوثيقة تحلق هذا الاسبوع فوق كل حديث في هيئة القيادة العامة، لكن منذ اللحظة التي اعلن فيها باراك بقراره على اختيار غالنت، انخفضت الحرارة وتضاءل السم وعادت القضية الى حجمها الطبيعي. عندما تكشف الشرطة عمن كتب الوثيقة الاصلية – ومن المهم جدا ان تكشف عن ذلك – سيتأثر الجميع من جديد. في اثناء ذلك تمكن العودة الى العمل.             من هو الجنرال الذي سيصبح رئيس اركان ناجحا؟ يصعب ان نعلم. عندما كان عيزر وايزمن وزير الدفاع عين رفائيل ايتان رئيس اركان. سألته: لماذا رفول. وكان جواب وايزمن حادا كالسكين. "أنت لا تعرف هيرتسل شابير"، قال. وكان شابير هو المرشح المنافس.             قاوم موشيه ليفي، رئيس الاركان الثاني عشر بكامل قوته تعيين نائبه دان شومرون، رئيس اركان. أيد اهود باراك. وعندما ورث باراك شومرون، اعتقد ليفي ان التعيين جاء متاخرا جدا. وقال: يأتي باراك عمله مسحوقا. تضرر الابداع والحافز والطراءة.             كان موشيه يعلون مذهلا جدا في سيطرته على المادة، وفي جديته، وتمسكه بالقيم. لكنه كان متورطا على الدوام. واعتبر دان حالوتس في الخارج ضابطا محكما مغتربا. وتبدى في الواقع اقل احكاما واقل اغترابا.             يقولون في يوآف غالنت ان عمري شارون أداه الى منصب السكرتير العسكري لرئيس الحكومة. والحقيقة ان رئيس المكتب دوف فايسغلاس الذي عرفه في تحقيق قضية المجزرة في مغارة الماكفيلا هو الذي جاء به. كان فايسغلاس محامي شاؤول موفاز. وكان غالنت رئيس فريق التحقيق العسكري.             يقولون في غالنت انه مبعوث فريق المزرعة. والحقيقة أن مدعوي المزرعة اساءوا الحديث عنه، وأساء شارون ايضا الحديث عنه فلم يسارع الى اطرائه. قبيل نهاية ولايته للسكرتارية اعترف شارون بمزاياه. واعتاد ان يقول: "تعلم هذا الفتى شيئا ما عندنا".             عندما كان باراك رئيس اركان تحدث الي ذات يوم في مكتبه، في مبنى وزارة الدفاع القديم. حدثني عن كتاب معقد جدا قرأه. عرضت عليه قائلا: "هلم نخرج الى الغرفة المجاورة. لننظر في صور رؤساء الاركان الـ 13 السابقين. لنر هل توجد علاقة بين عدد الكتب التي قرأوها ونجاحهم في العمل".             فكر باراك في هذه الامكانية ثانية او ثانيتين وقال: "هلم لا نفعل".             على مسافة بصقة             في اطار التماس سيعرض على رئيس الاركان الجديد نظام التهديدات لاسرائيل، محدثا للسنة الحالية – وهي السنة التي كان فيها عدد المصابين بالاعمال العدائية هو الادنى في تاريخ الدولة.             حدد الترتيب على حسب ثلاثة معايير: قوة التهديد، واحتمال ان يتحقق ورد الجيش الاسرائيلي.             تقوم ايران بطبيعة الامر في راس القائمة. ولبنان في المحل الثاني. حلت محل سورية، لاحتمال ان تنشب الحرب من هناك. عظمت ترسانة حزب الله، لكن على حسب تقدير الجيش الاسرائيلي تحسنت القدرة الاسرائيلية على الرد اكثر. وحزب الله متورط سياسيا. كذلك ضعفت قيادته العسكرية: فما تزال المنظمة لم تنهض من سقطة اغتيال رئيس اركانها مغنية (وهو ما يفضي بالضرورة الى استنتاج انهم في اسرائيل اكثر نجاحا في اغتيال رؤساء اركان العدو).             وسورية في المحل الثالث وحماس في الرابع. قد تفضي الحرب مع الايرانيين بيقين الى مواجهة عسكرية تشتمل ايضا على العدو الثاني والثالث والرابع. وفي المحل الخامس الارهاب من الضفة، وفي المحل السادس الجهاد العالمي. قبل ثماني سنين فقط كان الارهاب في المحل الاول، وكانت التقديرات ان القاعدة لن تتخلى عن فرصة القيام بعمليات ارهاب في اسرائيل.             قال لي احد كبار الضباط في هيئة القيادة العامة: "لو كنت مدنيا لقلقت".             اعتقد انه مخطىء. فمن الحقائق انه على مسافة بصقة عن مبنى هيئة القيادة العامة تنشأ مبان ذات طبقات كثيرة تبلغ اسعار الشقق فيها السماء. المدنيون القلقون لا يستثمرون ملايين في مبان حكمها الخراب عند اول صاروخ.