باكو / دعا الدكتور محمد اشتية محافظ البنك الإسلامي للتنمية عن فلسطين، اليوم، البنك الإسلامي للتنمية للبدء بعملية إعادة إعمار قطاع غزة الذي دمرته آلة الحرب الإسرائيلية في عدوانها الأخير عليه. جاء ذلك خفي كلمة ألقاها د. اشتية أثناء ترؤسه الوفد الفلسطيني المشارك في اجتماع البنك السنوي الـ35 لمجلس محافظي البنك الإسلامي للتنمية في مدينة باكو في أذربيجان برعاية من رئيس أذربيجان إلهام علييف، بحضور محافظي البلدان الأعضاء في البنك والبالغ عددها 56 دولة. وأشار اشتية في خطابه أمام الاجتماع إلى أن قرار الحكومة الإسرائيلية بتخفيف الحصار على قطاع غزة لم يكن إلا قرارا شكليا يهدف للتخفيف من الضغط الدولي على إسرائيل، موضحا أنه إذا كانت إسرائيل سمحت للبضائع بالدخول إلى قطاع غزة، فإنها لا تزال تمنع البضائع الفلسطينية من الضفة الغربية من الوصول إلى القطاع. وأضاف أن على المجتمع الإسلامي والعربي والدولي استثمار هذه الفرصة للبدء في عملية إعمار قطاع غزة لتخفيف المعاناة عن أهله، قائلا: ’إن هذه الحالة المؤلمة التي يعيشها مواطنو القطاع اليوم تتطلب التدخل لإنهاء الحصار الظالم عليه وليس تخفيفه، وتدفعنا لتقديم كل الدعم والمساندة الممكنة لأهل غزة من أجل التخفيف من معاناتهم وآلامهم’. وأوضح اشتية للمجتمعين أن المتضامنين من أحرار العالم لم يسلموا من العنجهية الاسرائيلية، فمهاجمتها للسفينة التركية التابعة لأسطول الحرية في المياه الدولية ومنعها وصول المساعدات الإنسانية والإمدادات الغذائية للقطاع، دليل آخر على السياسة التي تنتهجها إسرائيل في تحدي الإرادة الدولية. وأضاف ’أصبحنا نؤمن بعدم جاهزية الحكومات الإسرائيلية للسلام، وهذا ما وصلنا إليه بعد تجربتنا المريرة طوال العقدين الماضيين في المفاوضات مع هذه الحكومات والتي بقيت تراوح مكانها منذ توقيع اتفاقيات أوسلو عام 1993’، موضحا أن الحكومة الإسرائيلية اليمينية التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة هي الحكومة الأكثر تطرفا منذ تأسيس دولة إسرائيل عام 1948. وأشار د. اشتية إلى أن هذا يعبر عن عدم جاهزية المجتمع الإسرائيلي للسلام ويوحي بانسداد الأفق أمام أي مفاوضات جادة وحقيقية تفضي إلى حل الدولتين الذي أجمع عليه العالم كحل وحيد لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية، والذي يمكن أن يؤدي إلى إنهاء جزء من معاناة الشعب الفلسطيني التي امتدت طوال العقود الماضية. كما أوضح أن غياب الضغط الحقيقي من دول العالم على حكومة كهذه لن يعطيها إلا مزيدا من العنجهية والإصرار على تنفيذ سياساتها التوسعية وتحدي المجتمع الدولي وقراراته ذات الصلة وفرض سياسة الأمر الواقع إلى المدى الذي يصبح معه حل الدولتين حلما غير قابل للتطبيق. من ناحية أخرى، عبر د. اشتية للبنك عن التقدير الشديد الذي يكنه له الفلسطينيون لتركيز مشاريعه على القدس، خاصة أنها رمز الثقافة العربية والإسلامية والمسيحية ونتاج الحضارة الإنسانية والأديان السماوية. وأشار إلى أن القدس الآن تشهد عملية تهويد وصلت أشدها، حيث بلغ التزوير للتاريخ العربي الإسلامي والمسيحي فيها أوجه، وما زال أهلها المرابطون يتصدون لكل محاولات الاحتلال الإسرائيلي في التضييق عليهم دفعا لهم لمغادرتها، منوها إلى خطورة الإجراءات الإسرائيلية في القدس، قائلا: ’ليس هدم الاحتلال لمئات المنازل في القدس وتهديده بهدم عشرات أخرى من البيوت في حي البستان وسلوان وغيرها من الأحياء، إلا غيضا من فيض الإجراءات الإسرائيلية الرامية إلى خلق حالة من الاستحالة في استمرار صمود أهل المدينة’. وأضاف :’وليست زيادة وتيرة الاستيطان والتهام المزيد من الأرض الفلسطينية رغم قرار الحكومة الاسرائيلية بتجميده، سوى دليلا قاطعا على عدم جاهزيتها للسلام وعدم سعيها إليه. وتابع: ’من حق القدس علينا جميعا أن ننتصر لها، وأن تعطى الأولوية قضية ومستقبلا، ونأمل أن تخرج المساعدات العربية التي أقرتها قمة سرت إلى حيز التنفيذ وبإشراف البنك الإسلامي، ونحن لدينا برنامج مكتمل لهذا الموضوع’. وفي السياق ذاته، دعا د. اشتية البنك إلى زيادة مقدراته للشعب الفلسطيني، تنسجم مع حجم الأزمة التي يمر بها هذا الشعب المناضل وتتناسب مع حجم هذه المؤسسة والآمال المعقودة عليها. وأضاف: ’ومع تقديرنا الخالص لقرار الصناديق العربية بتخصيص ما نسبته 10% من عائداتها لدعم الشعب الفلسطيني، إلا أننا نعلم أن زيادة المساعدات ستعكس نفسها على التخفيف من معاناة هذا الشعب وآلامه’. وفي سياق آخر، أوضح اشتية أن العالم الآن يعيش في عصر التكنولوجيا الذي يتيح فرصا هائلة للتنمية، لكنه أشار إلى أن الفقر يزداد يوما بعد يوم، داعيا إلى التركيز على الاختراع والإبداع والتكنولوجيا لمواجهة التحديات وتخفيف الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية والحفاظ على ديمومة البيئة، ومشددا على ضرورة تشجيع الاستثمار في مجال الاختراع والتكنولوجيا. وفي الإطار ذاته، اقترح د. اشتية إنشاء هيئة خاصة للاختراعات، تهدف إلى تشجيع الشراكة بين الحكومات والقطاع الخاص للاستثمار في الاختراع والتكنولوجيا وربط الأبحاث العلمية بالتنمية والاستثمار وخلق الجسور بين المهنيين والعلماء وبناء قدرات المؤسسات العلمية والبحثية ومنح الحوافز للاستثمار في التكنولوجيا والاختراع عن طريق شراء الخدمة المسبق والجوائز وتخفيف الأعباء الضريبية. وعلى هامش الاجتماع السنوي، عقد اشتية سلسلة لقاءات تمت خلالها مناقشة برنامج العام الحالي الذي يشمل مشاريع طرق ومياه وأبنية مدرسية، إضافة إلى مشاريع مقدمة من القطاع الخاص. كما شارك في هذا الاجتماع والفعاليات المصاحبة له 600 مشارك يمثلون مؤسسات التمويل الدولية والإقليمية إلى جانب ممثلي البنوك الإسلامية والمؤسسات الوطنية للتمويل التنموي واتحادات المقاولين والاستشاريين من الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي. وخلال الاجتماع، أعلن البنك الإسلامي للتنمية أن إجمالي التمويلات التي قدمها لدعم جهود التنمية في الدول الأعضاء والمجتمعات المسلمة في الدول غير الأعضاء تجاوزت أكثر من 64 مليار دولار أميركي وذلك منذ بدء نشاط البنك عام 1975 وخصصت لتمويل المشاريع والمساعدات الفنية وتمويل التجارة بين الدول الأعضاء من صادرات وواردات. كما أشار البنك في تقرير أعده أن حجم التمويلات المعتمدة لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية بما فيها تمويلات التجارة الخارجية للعام الماضي بلغت 254,7 مليار دولار لصالح 457 عملية بزيادة 29 في المائة عن إجمالي التمويلات المعتمدة للعام السابق 2008، موضحا أن الزيادة في التمويلات تأتي في إطار تنفيذ قرار مجلس محافظي البنك العام الماضي والقاضي بمضاعفة معدل الزيادة السنوية في تمويلات البنك المعتمدة لتصبح 30 في المائة سنويا على مدى ثلاث سنوات من 2009 حتى 2011 وذلك لتوفير المزيد من الموارد لدعم احتياجات التنمية الاقتصادية في الدول الأعضاء. يشار إلى أن البنك الإسلامي للتنمية هو مؤسسة مالية إسلامية دولية تابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي افتتحت عام 1975 ومقرها مدينة جدة في المملكة العربية السعودية.