مشاوراته بعد اللقاء العسير مع اوباما قرر نتنياهو أن يجريها في الغرفة المحروسة في الطابق الثاني من السفارة الاسرائيلية في واشنطن وليس في جناحه في فندق مايبلاور. هكذا، واثق رئيس الوزراء، سيكون للامريكيين أصعب بكثير الانصات لما سيقول. المرة الاخيرة التي حصل فيها امر كهذا كان قبل 12 سنة. في حينه أيضا كانوا يسمون رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. اما الرئيس الامريكي فكان يسمى بيل كلينتون. لا يمكن لاي أمريكي يحرص على السياسة السليمة ان يبرر ما يحصل في الـ 48 ساعة الاخيرة في واشنطن: بين بنيامين نتنياهو وبراك اوباما يسود انعدام ثقة عميق. مستشارو نتنياهو ومستشارو وزير الدفاع باراك تجولوا أمس بسِماء مكفهرة حول اروقة السفارة وحسب مسؤولين في المبنى، لم تكن حاجة لقول شيء: الجميع فهموا بان هذه المرة وضع اوباما نتنياهو مع ظهره الى الحائط. وهو الزمه بان يتخذ قرارات اذا ما استجاب لها فمن شأنه ان يجد نفسه بدون ائتلاف. اذا رفض، من شأنه أن يقف وحيدا امام التهديد الايراني. اسرائيل تتوقع ان تعمل الولايات المتحدة على فرض عقوبات شالة على ايران وان تضع تحت تصرفها وسائل قتالية ليوم الدين – اليوم الذي يكون فيه لايران قنبلة. بتعبير آخر: "لا" لاوباما يمكنها ان تمس بالمصالح الحيوية لاسرائيل. حسب محافل اطلعت على المشاورات التي يجريها نتنياهو، طرح اوباما على نتنياهو 13 مطلبا "يتوقع" فيها جوابا ايجابيا حتى عودته الى البلاد اليوم. وهدفه: "خطوات لبناء الثقة" حيال الفلسطينيين تساعد على جلبهم الى طاولة المباحثات وتقنعهم بان امريكا هي "وسيط نزيه". وبين "التوقعات"، كما يسمي الامريكيون مطالب نتنياهو، طلب الى رئيس الوزراء أن يقدم وعدا بان يستمر تجميد البناء في المستوطنات حتى بعد الاشهر العشرة التي قررتها الحكومة، اي: حتى بعد 26 ايلول. اوباما يتوقع من الاليات التي اقامها نتنياهو للرقابة على كبح جماح البناء في منطقة القدس ان تضمن حقا الا يكون بناء في الاحياء الفلسطينية في شرقي المدينة. هذا الطلب جاء في توقيت مفارقة: احد المشاركين في المحادثات روى بان نتنياهو فوجيء جدا مساء اول امس قبل دقائق من انطلاقه الى البيت الابيض، حين اكتشف أنه في موقع "Ynet" نشر اقرار البناء في الشيخ جراح. "التوقع" الثاني للرئيس الامريكي هو أن تنقل اسرائيل المسؤولية الكاملة للسلطة الفلسطينية عن كل المناطق في الضفة التي كانت في مسؤولية الفلسطينيين حتى ايلول 2000، وفي اثناء الانتفاضة الثانية سيطرت اسرائيل عليها. باقي التوقعات تتعلق بسلسلة بادرات طيبة لابو مازن، بينها تحرير مئات حتى الف سجين أمني. هذه البادرات الطيبة، ولعله غني عن البيان، هي احادية الجانب: اسرائيل متوقع منها أن تنفذها دون أي بادرة طيبة بالمقابل من الفلسطينيين. بعد كل هذا ستأتي الكرزة على القشطة من ناحية اوباما: بدء المفاوضات على التسوية الدائمة، والتي ستنتهي في غضون سنتين منذ بدئها. وقال أمس مسؤول كبير يتابع الضغط الامريكي انه "بعد ان انتصر في المعركة على التأمين الصحي، يهاجم اوباما المفاوضات كمن يقول انتصرت هنا، واعتزم النصر في المعركة على الشرق الاوسط ايضا". من يعتبر ضيفا محبوبا في البيت الابيض هو وزير الدفاع ايهود باراك. وهو يقول لمحادثيه الامريكيين انهم اذا واصلوا الضغط على نتنياهو نحو الحائط، من شأنهم ان يتبينوا بان حكومة نتنياهو ستتفكك، واسرائيل ستدخل في فترة من الفوضى السياسية. وبزعم باراك، مطالب البيت الابيض – كما هي – لن تسمح حتى بجلب اسرائيل الى طاولة المباحثات. ليس مع ائتلاف نتنياهو.ولكن اوباما لا يتأثر:حسب اقوال الاسرائيليين الذين تعرفوا على موقف الرئيس، فانه ببساطة لا يصدق نتنياهو. وهي يعتقد بانه بعد سنة عذب فيها مبعوثه الى الشرق الاوسط ميتشل، حان الوقت لفحص النوايا الحقيقية لرئيس الوزراء. اذا كان لا يستطيع أن يوفر البضاعة الان، كما يفترض اوباما، فانه لن يوفرها في مرحلة متقدمة من المفاوضات. وهذا ليس كل شيء بعد: بعد بضعة اسابيع سيعقد الرئيس اوباما مؤتمرا دوليا في واشنطن يعنى بمخططات تقليص السلاح النووي في العالم. وحسب منشورات اجنبية، يوجد اتفاق بين اسرائيل والولايات المتحدة يضمن ان يمتنع الامريكيون عن بحث علني في مسألة النووي الاسرائيلي. ولكن مع كل الاحترام للاتفاقات الجنتلمانية فان هذه المسألة الحساسة تحوم كالسحابة في المجال الجوي بين اسرائيل وامريكا. اذا بحثنا عن السبب الذي يسمح لنفسه به اوباما الضغط بهذا القدر على نتنياهو، ينبغي الرجوع الى الوراء، الى الولاية الاولى لنتنياهو في رئاسة الوزراء. محافل في واشنطن ذكرت أمس بان دنيس روس، الذي يدير الاتصالات لاستئناف المحادثات، سبق أن قضى في اعقاب مؤتمر واي 1998 بان نتنياهو لا يصمد امام الضغط. وعلى ما يبدو الان ايضا يوصي بممارسة الضغط الرئاسي عليه. مواساته يمكن لنتنياهو ان يجدها حاليا في التأييد الذي حصل عليه اول امس في لقاءاته في الكونغرس. سناتور ديمقراطي حتى قال له ان الرئيس اوباما يبدو انه نسي للحظة بان نتنياهو لا يعمل عنده وانه ليس واحدا من الموظفين الذين ينبغي لهم ان يطيعوا اوامره. ولكن بعد أن ينتهي من المواساة، سيتعين على نتنياهو أن يحسم اذا كان يفضل الشراكة مع افيغدور ليبرمان ومع ايلي يشاي ام توثيق الشراكة مع امريكا للتصدي للتهديد الايراني.