قبل يومين أتى جو بايدن العشاء التقليدي لمراسلي الكونغرس، بعد الاحتفالات البراقة الفخمة لواشنطن المتزينة. كان نائب الرئيس ضيف الشرف والمهنىء الرئيس. علا المنصة وبدأ خطبته بنكتة على حسابنا. "الان عدت من الشرق الاوسط"، قال بايدن لكبار المراسلين الامريكيين. "كم هو لطيف أن تعود الى مكان فيه نماء أعمال البناء أمر ايجابي". حاول بايدن أن يُضحك لكن سُمع كمن عاد من الشرق الاوسط مع صدمة نفسية. عندما يحط رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في يوم الاثنين في قاعدة سلاح الجو اندروز، سيتبين له ان واشنطن تغيرت. فالثلج الذي تراكم على جوانب الشوارع في اثناء العواصف الكبيرة ذاب؛ وتهب ريح الربيع؛ وهنا وهناك بدأت الاشجار تزهر. لكن ليس هذا ما سيهم رئيس الحكومة الذي يأتي في ذروة أزمة. سيحتاج نتنياهو الى كل قوة اقناعه وسيضطر الى استعمال جميع الحيل التي يعرفها كي يدفع الرياح التي تهب ما بين الغرفة البيضوية ووزارة الخارجية. ستكون هذه رياح الشتاء الباردة. ان ادارة أوباما لم تشعر قط بثقة كبيرة بنتنياهو لكن رئيس الحكومة في الازمة الاخيرة نجح في أن يخسر ايضا شعور الامريكيين باحترامه. ستستقبل واشنطن نتنياهو بصرامة وتجهم وتهذيب ظاهر مصقول، هدفه كله اخفاء ركام من الشك. اذا لم يتشوش جدول عمل مجلس الشيوخ في اللحظة الاخيرة، فانه يتوقع قبل ساعات معدودات من هبوط نتنياهو ان تصوت الاكثرية الديمقراطية مؤيدة ثورة اوباما الصحية. سيكون هذا اكبر انجاز للرئيس الذي جعل التأمين الصحي راية مركزية؛ انها لحظة نصر حلوة لاوباما ستعظم الحضيض الذي سقط فيه الحزب الجمهوري الذي حارب اعضاؤه الى اللحظة الاخيرة معارضين الاصلاح. حصل نتنياهو على جل التأييد في الأزمة مع الادارة من أصدقائه الجمهوريين. عندما يلتقيهم في الاسبوع القادم سيكونون في مزاج كئيب. سيجد رئيس الحكومة اصدقاءه القدماء فاقدين للحول. الصراع السياسي حول التأمين الصحي سحقهم. ما كان نتنياهو يستطيع من ناحية شخصية ان يختار لنفسه توقيتا أسوأ لزيارة واشنطن. سيهبط في المدينة مباشرة في احتفال الديمقراطيين، الذين لم يحجبوا عنه هذا الاسبوع نقدا على اجترائه على التوقح مع الادارة. في نهاية الاسبوع سمع في الحقيقة صفير تطمين ما من قبل أوباما الذي عرف الازمة مع اسرائيل في لقاء صحفي مع شبكة "فوكس نيوز" على انه "خلاف بين اصدقاء". لكن لحل هذا الخلاف يتوقعون من نتنياهو ان يدفع ثمنا. لا يستطيع نتنياهو استجابة المطالب التي عرضتها عليه وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في المكالمة التوبيخية التي اجرتها معه، من غير ان يحل عرى الائتلاف، ويعلم الامريكيون ذلك جيدا. فقد تعلموا في البيت الابيض السياسة الاسرائيلية مع خباياها كلها. انقضى عهد الغمز ما كان يفترض ان تفاجىء الازمة احدا. فان من تعقب تصريحات الرئيس اوباما في الاشهر الاخيرة يعلم انه لا يطلب من اسرائيل اي شيء لم تطلبه ادارات امريكية قبله. لكن شيئا واحدا تغير هو ان اوباما أبطل الغمز. لم يعد يوجد غمز بين رئيس امريكي ورئيس حكومة اسرائيلي على البناء في المناطق؛ ولا اقامة مستوطنة جديدة تحت غطاء بناء من أجل الزيادة الطبيعية. لقد قصد اوباما كل ما قال لكنهم في جهة نتنياهو ظلوا يغمزون. ليس السؤال الملح هو لماذا ضغطت واشنطن على نتنياهو بكامل القوة وفي ضمن ذلك التهديد الملمح به الى أن توزن من جديد موضوعات تتعلق بالمساعدة الأمنية. السؤال لماذا الان خاصة. "نشبت الأزمة لسببين"، يقول أهرون ميلر، باحث في معهد السياسة الدولية "ودرو ويلسون"، الذي عمل مدة 15 سنة مستشارا لرؤساء ووزراء خارجية وعد أكثر من مرة "الذهن" وراء السياسة الامريكية في الشرق الاوسط. "السبب الاول شخصي. يوجد هنا تصادم بين شخصيتين متناقضتين: اوباما ونتنياهو. والسبب الثاني خيبة أمل ادارة اوباما العميقة من أنه قد مر 14 شهرا منذ بدء ولايته ولم يتحرك شيء في الموضوع الاسرائيلي – الفلسطيني. لا شك في ان اعلان البناء زمن زيارة بايدن اسهم في العاصفة لكنه كان هنالك رد زائد من الطرفين. أضر هذا المشهد بأعمق شيء يجب أن يكون في العلاقات وهو الثقة. وفوق ذلك يوجد في البيت الابيض شعور بأن اسرائيل تنظر الى الولايات المتحدة على أنها مفهومة من تلقاء ذاتها. صعد الطرفان شجرة عالية، وأقدر أن ينزلا عنها في الايام القريبة. لكنني لن أفاجىء اذا تسلقا بعد زمن قصير الشجرة نفسها". ان عدم وجود قناة تحادث حميم بين أوباما ونتنياهو أسهم في الأزمة هو ايضا. لم تنشأ بين الرجلين علاقات تقارب تمكن من تسوية الاختلافات بهدوء، من وراء ستار كما حدث في الماضي بين رؤساء امريكيين ورؤساء حكومة اسرائيليين. ليس نتنياهو واحدا من الزعماء الذين يستطيعون محادثة الغرفة البيضوية هاتفيا في كل ساعة لمشاورة الرئيس وتوضيح أمور معه تتجاوز محضر الجلسات. كان يبدو قبل عدة أسابيع للحظة أن حاجز عدم الثقة قد هدم. على حسب جهة في واشنطن، منح نتنياهو ادارة اوباما "وعدا هادئا"، فحواه أن يكون تجميد البناء عمليا في شرقي القدس ايضا ما ظل يوجد تفاوض وبشرط ألا يعلن هذا الوعد. تنكر جهات اسرائيلية بقوة أنه كان وعد كهذا، لكن أناس الادارة يزعمون أن هذا ما مهد الطريق التي مكنت من اعلان بدء محادثات التقارب ومهدت لزيارة نائب الرئيس لاسرائيل التي عرفت على أنها "رحلة تأييد ونقل رسالة أن أمن اسرائيل مقدس". لكن في اللحظة التي نشرت فيها خطة بناء 1600 وحدة سكنية في رمات شلومو، في ذروة زيارة بايدن، تهشمت الثقة التي بدأت تبنى مرة أخرى. ان اوباما المعروف ببرودة اعصابه استشاط غضبا. وزعم اولئك الذين شكوا منذ البدء بكل كلمة من نتنياهو، من بين مساعديه ان الحديث عن "صفعة لجهود الرئيس". عرفت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ذلك على انه "اهانة للادارة"، وقال مستشار الرئيس السياسي الكبير ديفيد اكسلرود بصراحة ان قرار البناء كان "خطوة عمد من قبل اسرائيل". لم يحجب أصدقاء اسرائيل من خارج البيت الابيض ايضا كلام النقد. "اسرائيل تلعب بالنار"، قال لزلي جلاب، وهو موظف رفيع المستوى سابق في الادارة ورئيس مجلس العلاقات الخارجية للولايات المتحدة، يعرف نفسه بأنه مؤيد متحمس لاسرائيل. "لن تتخلى الولايات المتحدة ابدا من أمن اسرائيل – لكن اسرائيل ليست المصلحة الحيوية الوحيدة للولايات المتحدة". هذه هي القضية بالضبط. فالادارة الامريكية – كل ادارة – يهمها قبل كل شيء المصالح الامريكية، وهذا مفهوم. يعتقد أوباما انه يجب على الولايات المتحدة أن تعود الى مقامها بكونها وسيطا نزيها، ولهذا يجب عليها ان تبني من جديد علاقاتها بالعالم العربي والاسلامي لكن ان تظل صديقة لاسرائيل وحليفة لها. في الاشهر الاخيرة بعد ان فشلت محاولاته لتحريك المحادثات بين اسرائيل والفلسطينيين، تراكمت على مائدة الرئيس تقارير استخبارية، يتبين منها ان عدم وجود حل للنزاع الاسرائيلي – الفلسطيني يضر بالمصالح الامريكية المتعلقة بالأمن القومي ويثير مشاعر معادية لامريكا في الدول العربية. في كانون الثاني الاخير أتا ضابطان امريكيان كبيران مكتب رئيس مقار القيادة المشتركة، الادميرال مايك مالن. أتيا مبعوثين من الجنرال ديفيد باتريوس، قائد منطقة المركز في جيش الولايات المتحدة والمسؤول عن القوات الامريكية في افغانستان والعراق. عرض الضابطان مزودين بجداول بيانية وقوائم على الادميرال عرضا في 43 دقيقة، ملخصه ان العرب فقدوا ثقتهم بوعود الادارة الامريكية التي لا تنجح في اختراق سور عناد اسرائيل والاتيان بحل للمشكلة الفلسطينية. "لا ترى امريكا ضعيفة فحسب. لقد انتقضت مكانتها العسكرية في المنطقة ايضا" قال الضابطان. بل انهما وجها باسم الجنرال باتريوس انتقادا للمبعوث الخاص جورج ميتشل الذي سمياه "عجوزا جدا، وبطيئا جدا وأتى متأخرا جدا". نقل باتريوس نفسه رأيا استشاريا في الموضوع للمسؤولين عن في وزارة الدفاع واستدعي هذا الاسبوع للتسميع في مجلس الشيوخ. "تفقد الولايات المتحدة موطىء قدمها في العالم العربي لانها ترى غير قادرة على التأثير في اسرائيل"، قال. "عدم وجود حلل للنزاع يساعد المنظمات الارهابية والجهات الجهادية على تجنيد أناس اخرين في صفوفها". لكنه عندما سأله الشيخ الجمهوري جون مكين – ترب ميتشل، على التقريب – أيثق بميتشل، رجع الجنرال عن قوله الفظ في المبعوث وبين قائلا: "أثق به ثقة مطلقة". سباق مبعوثين وضع الرأي الاستشاري للجنرال باتريوس في كانون الثاني على مائدة أوباما. وكانت تصنيفه "سريا للغاية". كانت ما تزال في تلك المرحلة تتسرب الى وسائل الاعلام تفصيلات من التقرير لكنه أحد الاسباب الرئيسة لأمر أوباما رجاله بزيادة الجهود للافضاء الى محادثة بين اسرائيل والفلسطينيين. في الغرف المغلقة للبيت الابيض سمع تندم لان الرئيس لم يعرض في بدء ولايته خطته السلمية للشرق الاوسط. تشتمل الخطة على عدد من عناصر المبادرة السعودية وتقوم على مبدأ الدولتين. وتشتمل على عودة اسرائيل الى خطوط 67 تقريبا مع تبادل أراض دونما عوض دونم لقاء الكتل الاستيطانية التي ستضمها اسرائيل. عوض ذلك تعترف الدول العربية كلها باسرائيل ويبدأ تفاوض مواز بين اسرائيل وسورية واسرائيل ولبنان. يوجد موظفون كبار في واشنطن، ولا سيما في وزارة الخارجية، يعتقدون انه في اللحظة التي تقول فيها الادارة على نحو حازم انها ترمي الى عرض خطة سلام وتعرض جدولا زمنيا، فان الامر سيستحث الاطراف على التوصل الى اتفاقات. "اذا علم الجمهور في اسرائيل بأنه توجد خطة منظمة وتوجد مسيرة وجداول زمنية فقد يؤيد الاجراء"، يقول عنصر رفيع في وزارة الخارجية. "كل ما يعلمه الجمهور الاسرائيلي هو أنهم يريدون تجميد البناء لكنهم لا يفهمون ما هي الخطوة القادمة وماذا يكسبون من ذلك. التجميد وسيلة فقط للتوصل الى حل الدولتين، وهذه مصلحة أمنية واضحة لدولة اسرائيل التي تريد أن تظل ذات أكثرية يهودية". لا يعتقد أهرون ميلر أن أوباما كان يجب ان يضع خطته السلمية على المائدة. "كان يجب قبل كل شيء التوصل الى محادثات مباشرة لانه اذا عرضت الولايات المتحدة خطتها قبل ذلك فقد يعد ذلك اجراء ارغام". يقول. "من جهة ثانية مر 14 شهرا وكل ما حصلت عليه ادارة اوباما لاءات من اسرائيل ولاءات من الفلسطينيين. لا أريد أن أظهر على أنني أوجه نقدا لكن قرب القدر التي تطبخ فيها قرارات أوباما في شأن الشرق الاوسط كثيرا من الطباخين"، يقول أهرون ميلر. "يحتاج الى شخص بالغ السن مسؤول. ويحتاج الى استراتيجية. بدل ذلك توجد امبراطورية مبعوثين، ويتحدثون الان عن طموح الى محادثات تقارب وهذه عودة الى الايام التي سبقت: مدريد". على أية حال لن يعرض أوباما قريبا خطة مبادىء خطته السلمية. سينتظر بدء محادثات التقارب بوساطة ميتشل التي اتفق عليها الطرفان قبل نشوب الازمة حول البناء في رمات شلومو. ما يزال من غير الواضح في وقت كتابة هذه السطور من من كبار الادارة سيلتقي نتنياهو هذا الاسبوع. يقول الامريكيون لنحصل قبل ذلك على اجابات عن المطالب التي عرضت عليه. من المحتمل افتراض ان يلتقي نتنياهو آخر الامر بايدن ووزيرة الخارجية كلينتون. المح الامريكيون الى انهم معنيون بانهاء الازمة، لكنهم يرغبون ايضا في جباية دفعة من نتنياهو. في اللحظة التي يقدم فيها رئيس الحكومة اجابات تمكن من بدء محادثات التقارب، سيبدأ الضغط الحقيقي على اسرائيل. أكثر الموضوعات سخونة في المحادثات، كما يرى الامريكيون رسم الحدود بين اسرائيل والدولة الفلسطينية. على هذا النحو فقط، يعتقدون، سيكون من الممكن ابطال اللغم الذي يسمى تجميد البناء: فستعلم اسرائيل اين تستطيع البناء ويعلم الفلسطينيون أين يحل لهم. لن ينقضي كل هذا في جولة المحادثات القريبة لنتنياهو في واشنطن. ويشك كثيرا في أن يبدأ ذلك أصلا.