في 14 حزيران 1967 تلقى رئيس الوزراء ليفي أشكول، وزير الدفاع موشيه دايان والوزيرين يسرائيل جليلي وبنحاس سبير مذكرة مصنفة "سري للغاية". عن الوثيقة المصنفة بالسرية وقع في حينه دان بابلي، رجل الحكم العسكري، وديف كمحي، رجل الموساد في اجازة، الذي جندته شعبة الاستخبارات العسكرية أمان كي يقيم محطة بث في رام الله، فور نهاية حرب الايام الستة. كانت هذه وثيقة غريبة جدا. الرجلان، اللذان كتباها بعد جولة مكثفة من المحادثات مع زعماء فلسطينيين في الضفة الغربية، اقترحا اقامة دولة فلسطينية على أساس ثلاثة مبادىء. المبدأ الاول كان ان تقوم الحدود على خطوط الهدئة من العام 1949، مع تعديلات حيوية لاسرائيل. والثاني كان ان تضمن التسوية كرامة الفلسطينيين والحد الادنى من الفلسطينيين يضم الى اسرائيل. والثالث يتعلق بالقدس، وكان المقصود في حينه 7 كيلو متر مربع كانت تشكل القدس الشرقية. وحسب الوثيقة، تضم القدس الى اسرائيل وتعطى الاماكن المقدسة مكانة خاصة، تقام بلدية فرعية للقسم العربي من البلدة القديمة والعاصمة الفلسطينية تكون جزءا من القدس الموسعة. الوثيقة لم تحظى ابدا باي تعاطٍ جدي. كما أنها لم تحظى بالنشر الا بعد عشرات السنين من طباعتها على آلة "هيرمس بيبي" من قبل المبادرين الاثنين لها. ديف عاد الى الموساد وادى فيه وظائف سرية وهامة الى أن اصبح نائب رئيس الجهاز. بعد ذلك أدى دور مدير عام وزارة الخارجية لدى كبار الصقور – اسحق شمير – وفي كل هذه السنين لم يكن يعتبر رمزا للمعسكر الحمائمي في اسرائيل. دوما رسمي، غامض، صامت، من خلف النظارات الشمسية. ولكنه كان رجل سلام حقيقي. من اولئك الذين فهموا بانه بدون السلام لن يكون ممكنا ضمان أمن اسرائيل. من اولئك الذين فهموا بان السلام ليس نزعة سلمية بل هدفا صهيونيا حيويا، وان التسوية التي تضمن اغلبية يهودية في ديمقراطية حقيقية هي وحدها يمكنها أن تحقق الرؤيا الصهيونية. كان هناك من عجب عندما وجدوه مع الزمن يشارك في محافل السلام، ولكن من عرفه جيدا كان يعرف ان الامن بالنسبة له كان الوسيلة والسلام كان الهدف. عندما عرضت عليه الانضمام الى المفاوضات التي أدت الى مبادرة جنيف، لم يتردد حتى ولا لحظة واحدة. فقد انضم على الفور الى الفريق، ساهم بتجربته الكبيرة، جادل، عرف على ماذا ينبغي الاصرار وعلى ماذا يمكن المساومة، وبطريقته الهادئة والمطمئنة نجح ايضا في الاقناع. في تشرين الاول 2002 كان بين الموقعين على الرسالة المشتركة التي اطلقناها، اسرائيليين وفلسطينيين الى وزيرة الخارجية السويسرية رسالة اضفنا اليها الاتفاق المفصل الوحيد للسلام الاسرائيلي – الفلسطيني. هذا حصل بعد اكثر من سنة من نشر كتاب دان بابلي "احلام وفرص ضائعة"، وفي قرأت، لاول مرة، عن الاقتراح بدولة فلسطينية، بعد اسبوع من نهاية الحرب. ديف كان منفعلا جدا في حفل التوقيع وأنا توجهت اليه وسأله اذا كان تصور أن تمر 36 سنة قبل أن تكتب ورقة مشتركة كهذه. قال انه دوما اعتقد انه لا يوجد حل منطقي اكثر، واعتقد انه سيتحقق في غضون سنوات قليلة، حتى وان كانوا لم يتعاطوا في العام 1967 مع هذا بالجدية المناسبة. كان محقا. الاتفاق سيأتي، ولكن ديف، الذي قضى نحبه الاسبوع الماضي لن يحظى برؤيته.