قالت صحيفة "هآرتس" العبرية يوم الأربعاء، أن المسؤولين في الإدارة الأميركية يميلون إلى الاعتقاد بأن ترسيخ حكم فلسطيني في قطاع غزة هو ركيزة أساسية لأي حل مستقر في القطاع.
وتضغط قطر باتجاه الإعلان عن إقامة هذا الإطار في أقرب وقت، حتى قبل زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى فلوريدا الأسبوع المقبل، وترى أن إدخال آلاف من أفراد الشرطة التابعين للسلطة الفلسطينية هو خطوة فورية لا بدّ منها لمنع انهيار وقف إطلاق النار.
وتقول الصحيفة العبرية، إن قطر تطالب الولايات المتحدة الإسراع في إقامة آلية حكم فلسطينية في قطاع غزة، حتى قبل إنشاء قوة الاستقرار الدولية. وفي إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ثمة ميل إلى الدفع بهذا الاتجاه انطلاقاً من فهم مفاده أن هذا شرط ضروري لترسيخ أي حل في غزة.
في الأسبوع الماضي، وبعد لقاء جمع رئيس وزراء قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ووزير الخارجية التركي هاكان فيدان، نشر المبعوث الخاص لترامب، ستيف ويتكوف، بياناً تحدث فيه عن ضرورة وجود هيئة حكم فلسطينية في غزة.
وجاء في البيان الذي أصدره ويتكوف باسم جميع المشاركين: “شددنا على الحاجة إلى إتاحة إقامة هيئة حكم في غزة، تحت سلطة غزّية موحّدة، تحمي المدنيين وتحافظ على النظام العام”. وتدفع قطر باتجاه تشكيل لجنة تكنوقراط فلسطينية في أقرب وقت ممكن – ويفضَّل قبل وصول نتنياهو إلى ميامي الأسبوع المقبل – لتتولى إدارة القطاع فعلياً.
غياب مصطلح "قوة الاستقرار الدولية" ISF) ) عن بيان ويتكوف لم يكن صدفة، فتصريحات أخيرة لوزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أوضحت أن واشنطن باتت تدرك أن هذه القوة لن ترى النور إلا في مرحلة لاحقة، وبالتوازي مع بيان ويتكوف، صدر بيان تركي منفصل شدد على أن اللقاء في ميامي ناقش “ترتيبات تضمن أن تُدار غزة بأيدٍ غزّية”. صحيح أن الأميركيين لا يستخدمون هذا التعبير بعد، لكن يبدو أنهم يدركون أيضاً أنه لا يمكن التوصل إلى حل لغزة من دون مشاركة مباشرة وواسعة لعناصر حكم محلية من القطاع.
من وجهة نظر قطر، ويبدو أنها تتقاطع هنا مع تركيا ومصر، فإن إقامة حكومة فلسطينية لإدارة غزة، وإدخال آلاف من عناصر الشرطة المرتبطين بالسلطة الفلسطينية والمدرَّبين في مصر والأردن، هي خطوات فورية لا بدّ منها لضمان عدم انهيار وقف إطلاق النار. أما إنشاء قوة الاستقرار الدولية، الذي يرتبط كما هو معروف بوجود آلية واضحة – ولو نسبياً – لنزع سلاح حماس، فتقترح قطر تأجيله إلى مرحلة لاحقة.
مصدر إقليمي رسمي مطّلع على محادثات المرحلة الثانية قال لـ"هآرتس" الأسبوع الماضي إن تشكيل حكومة تكنوقراط فلسطينية هو السبيل الوحيد الذي يسمح لحماس بالتخلي عن الحكم في القطاع ونقله إلى جهة فلسطينية. وهذا قبل الشروع أصلاً في النقاش الطويل والمعقّد حول نزع سلاح الحركة. وأضاف المصدر: “قوة الاستقرار الدولية يجب أن تكون بمثابة آلية رقابة على نزع سلاح حماس، في حين تشكّل الحكومة التكنوقراطية والشرطة في غزة طبقة وسيطة بين قوة الاستقرار وبين الواقع الميداني في القطاع”.
وبحسب المصدر نفسه، فقد نقلت مصر إلى إسرائيل قبل نحو شهر قائمة تضم عشرات الأسماء لمرشحين فلسطينيين لعضوية اللجنة التكنوقراطية. كما أرسلت الولايات المتحدة لاحقاً قائمة أخرى، أصغر حجماً. وحتى نهاية الأسبوع الماضي على الأقل، لم ترد إسرائيل على هذه القوائم، وجرى في ميامي بحث سبل الضغط على إسرائيل للإسراع بالموافقة على الأسماء.
روبيو تطرق إلى الموضوع في مؤتمر صحافي عقده في اليوم ذاته، وقال: "حتى يوم أمس أحرزنا تقدماً في مسألة الأسماء الإضافية" لأعضاء اللجنة التكنوقراطية. كما شدد على “إحساس الإلحاح” في استكمال المرحلة الأولى من خطة ترامب، التي تشمل إقامة مجلس السلام واللجنة التكنوقراطية الفلسطينية. وأضاف أنه “بعد فترة قصيرة” سيتم أيضاً إنشاء قوة الاستقرار الدولية. وفيما بدا وكأنه تسليم بمواقف دول عديدة وبالواقع نفسه، قال إن الولايات المتحدة مدينة للدول التي أبدت استعداداً للنظر في الانضمام إلى قوة الاستقرار “بمزيد من الإجابات”، ولا سيما فيما يتعلق بتفويض القوة وآلية تمويلها.
فكرة اللجنة التكنوقراطية الفلسطينية، غير التابعة لا للسلطة الفلسطينية ولا لحماس، طرحتها مصر في الأصل ضمن خطة بديلة لمشروع التهجير و"ريفييرا غزة” الذي طرحه ترامب في مطلع العام. كما تدفع مصر لدى الأميركيين بمقاربة “المسارات المتوازية” في غزة، وهي مقاربة تتعارض كلياً مع المصلحة الإسرائيلية كما تراها حكومة نتنياهو. ففي حين يحاول نتنياهو ربط أي تقدم في غزة باستكمال المرحلة الأولى من خطة ترامب – أي إعادة جثمان الجندي الأسير رَن غويلي، ثم نزع سلاح حماس – تصرّ مصر على التقدم في عدة مسارات في آن واحد: بدء إعادة إعمار مبكرة غرب “الخط الأصفر” حتى مع بقاء حماس في الحكم، وإدخال قوى فلسطينية بديلة إلى القطاع قبل التوصل إلى اتفاق واضح مع حماس بشأن نزع سلاحها، وغير ذلك.
وبحسب مصدر إقليمي آخر تحدث إلى "هآرتس" في الأيام الأخيرة، فإن “المطالبة بنزع سلاح حماس كأول خطوة ليست عملية، يجب النظر إلى نزع السلاح كعملية تدريجية. الإسرائيليون يريدون عدم الواقعية لأنهم يسعون إلى إفشال كل هذا (وقف إطلاق النار) لأسباب سياسية داخلية”.
سفير فرنسا لدى إسرائيل، فريديريك جورنس، الذي تحدث في بودكاست "هآرتس" باللغة الإنجليزية، عرض رؤية متقاربة جداً. وقال: “في عام 2007 نزعت شرطة السلطة الفلسطينية في غزة بزّاتها وارتدت بزّات حماس، والحقيقة أنه ينبغي اليوم القيام بالشيء نفسه تقريباً ولكن في الاتجاه المعاكس. يجب إعطاؤهم (عناصر حماس) أسلحة أقل خطورة، وتحويلهم إلى شرطة شوارع”.
وأضاف جورنس، مقارناً الوضع بتجارب دمج مقاتلي تنظيمات إسلامية في الجزائر ولبنان: “يجب إيجاد وظائف لهم في الشرطة المحلية، وإعادتهم إلى المجتمع. من القيادة تخلّصتم تقريباً، بالكاد بقيت قيادة. الآن يجب القيام بعمل ميداني، غير بطولي ومليء بالتسويات”. أما السلاح الثقيل – الذي تقول إسرائيل إنه يشمل حتى قذائف RPG – فيجب التخلص منه. “المصريون يعملون على هذا بجنون”، ختم جورنس.
ومن المشكوك فيه أن يرى نتنياهو غزة بهذا القدر من التفاؤل، والسؤال الكبير هو إلى أي حد سيحاول – وإلى أي مدى سينجح – في كبح القطار الدولي الذي تقوده قطر، خلال لقائه المرتقب مع ترامب.


