يُقِّر كيان الاحتلال بأنّ لبنان حكومةً وجيشًا أعجز من القيام بمهمة نزع سلاح حزب الله، وربّما هذا الاعتراف جاء ليُمهّد الطريق أمام إسرائيل للتدّخل في “حلّ النزاع” والقيام بعمليةٍ عسكريّةٍ لتحقيق هذا الهدف، وهذه الحرب، كما تؤكِّد المصادر في تل أبيب، حصلت على الضوء الأخضر من الولايات المُتحدّة الأمريكيّة، الأمر الذي يزيد من تعقيد الموقف وارتفاع منسوب شنّ جيش الاحتلال حربًا على بلاد الأرز بزعم نزع سلاح الحزب.
مركز أبحاث الأمن القوميّ، التابع لجامعة تل أبيب، الذي يُعتبر من أكثر المؤثّرين على صُنّاع القرار في الكيان، رأى في دراسةٍ بحثيّةٍ جديدةٍ أنّه “في ذكرى وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان، تتجلّى تغيراتٍ واضحةٍ في الساحة اللبنانيّة، سواءً في موازين القوى الداخليّة بين القيادة الجديدة وحزب الله، أوْ في علاقات القوّة بين الحزب المهزوم والجيش الإسرائيليّ الذي لا يتوانى عن العمل على إضعافه”.
وتابعت الدراسة: “إلّا أن فرصة التغيير التي أعقبت الحرب تتضاءل أمام تصميم حزب الله على التعافي والصعوبات التي تواجهها الحكومة اللبنانيّة الضعيفة في محاولتها إجباره على التخلي عن أسلحته ووضعه المستقل. في ضوء تزايد خطر جولة أخرى من القتال بين إسرائيل وحزب الله، من المهم لإسرائيل أنْ تستثمر إنجازاتها حتى الآن وأنْ تتبنّى سياسةً تجمع بين استمرار العمل العسكري الضروريّ والتحركات السياسيّة لتعزيز القيادة اللبنانيّة الحاليّة”.
وشدّدّت الدراسة الإسرائيليّة على أنّه “بعد مرور عامٍ على دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، تلوح في الأفق بوادر تغيير في موازين القوى في النظام السياسيّ اللبنانيّ بين “معسكر السيادة” بقيادة القيادة الجديدة و”معسكر المقاومة” بقيادة حزب الله، إلّا أن هذا التغيير لم يُحدث بعدُ تغييرًا جوهريًا في الوضع الراهن في لبنان”.
وأوضحت: “يُعدّ الجيش اللبنانيّ نقطة ضعفٍ رئيسيةٍ، إذ يعجز عن مواجهة المهمة المعقدة والصعبة المتمثلة في نزع سلاح حزب الله والميليشيات الأخرى، إضافةً إلى ذلك، لا يزال لبنان يُعاني من صعوبة الخروج من أزمته الاقتصادية العميقة، نظرًا لعجزه عن تلبية المطالب، ليس فقط فيما يتعلق بالتعامل مع حزب الله، بل أيضًا فيما يتعلق بتعزيز الإصلاحات لمعالجة المشكلات المزمنة التي يُعاني منها لبنان، كالهيكل القطاعي، والنظام المصرفي الفاشل والفاسد، وضعف أداء مؤسسات الدولة، والبنية التحتية المتهالكة”.
ولفتت الدراسة إلى أنّه “من وجهة نظر إسرائيل، أتاحت نتائج الحرب فرصًا لإضعاف حزب الله، وفي الوقت نفسه تغيير العلاقة بينه وبين لبنان. ولكن بعد مرور عامٍ تقريبًا، يبدو أنّ إمكانية التغيير باتت ضئيلة أمام صعوبة القيادة اللبنانية في فرض إرادتها على حزب الله، وتخشى إسرائيل من اندلاع جولةٍ أخرى من القتال بين الطرفين، قد يبدأها أحدهما”.
وتابعت: “في ظلّ هذه الظروف، وللاستفادة القصوى من الفرصة المتاحة للتغيير الإيجابيّ، من المهم أنْ تتبنّى إسرائيل سياسة تجمع بين العمل العسكريّ المتواصل والتحركات السياسية لتحقيق الهدف المشترك بين القيادتين اللبنانية والإسرائيلية، والمتمثل في الحفاظ على ضعف حزب الله من جهة، وتعزيز الدولة اللبنانية من جهة أخرى، وكلّ ذلك بالتنسيق الوثيق مع الولايات المتحدة، التي تلعب دورًا هامًا في الساحة اللبنانية، والتي يُعد استمرار مشاركتها أمرًا أساسيًا لإسرائيل”.
ومضت قائلةً إنّه “في هذا السياق، يجب التأكيد على ضرورة، مواصلة العمل بحزم على أهداف حزب الله لإضعافه ومنع عودته، وإنْ أمكن، بالتنسيق مع القيادة اللبنانية انطلاقًا من المصلحة المشتركة. مع ذلك، يجب تجنب أيّ تحركٍ واسع النطاق قد يُلحق ضررًا بالغاً بالشعب اللبنانيّ، والمطالبة بتعزيز الجيش اللبنانيّ، ولكن فقط مقابل إعادة تنظيم أنظمته بما يشمل “تطهيرها”، لا سيما من الضباط والجنود المنتسبين لحزب الله”
بالإضافة إلى ما ذكر يتحتّم بحسب الدراسة “الموافقة على أيّ مبادرةٍ لتحقيق تقدمٍ، حتى وإنْ كان بطيئًا، في المفاوضات مع لبنان وفي التعاون السياسيّ والاقتصاديّ. ومن المهم في هذا السياق إثارة ضرورة تعديل القانون اللبناني الذي يحظر إقامة علاقات مع الإسرائيليين”.
كما يجب “صياغة موقف بشأن التغييرات المحتملة من جانب إسرائيل لتعزيز القيادة اللبنانية. وفي هذا السياق، يمكن دراسة الخيارات التالية: إطلاق سراح السجناء بطريقة تُنسب إلى القيادة؛ تقليص وجود الجيش الإسرائيليّ في النقاط التي يحتلها على طول الحدود؛ الموافقة على البدء في الترويج لخطة ترامب للتنمية الاقتصادية على الجانب اللبناني من الحدود، والمساعدة في إعادة تأهيل السكان الشيعة في جنوب لبنان لتقليل اعتمادهم على حزب الله؛ والمساعدة في دعم المشاريع الاقتصادية التي تعود بالنفع على جميع سكان لبنان”.
واختتمت الدراسة بالقول إنّه يجب “توسيع نطاق جهود الدولة الرامية إلى قطع مصادر تمويل حزب الله على الساحة الدولية، المشاركة في الحوار، الذي بدأ بالفعل على الجانب اللبنانيّ، بشأن إمكانية نشر قوّةٍ دوليّةٍ على الحدود اللبنانية كبديلٍ لليونيفيل، بهدف التأثير على نتائجها”.


