مدن الخيام تعود من جديد ..المرحلة الثانية من اتفاق غزة تحت خطر "الشروط الإسرائيلية" الجديدة..

الإثنين 08 ديسمبر 2025 08:16 ص / بتوقيت القدس +2GMT
مدن الخيام تعود من جديد ..المرحلة الثانية من اتفاق غزة تحت خطر "الشروط الإسرائيلية" الجديدة..



وكالات / سما/

تدخل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة مرحلة بالغة الحساسية، وسط تضارب حاد في الرؤى بين إسرائيل وحلفائها الغربيين من جهة، وقطر وتركيا وحركة "حماس" من جهة أخرى.

يأتي ذلك في وقت كشفت فيه مصادر إسرائيلية عن غموض كبير يكتنف تفاصيل هذه المرحلة، بل وغياب خطة مكتملة حتى داخل أروقة الإدارة الأمريكية نفسها.

وبحسب ما أوردت موقع "واللاه" و"يديعوت أحرنوت" وصحيفة جيروزاليم بوست العبرية، فإن الخطة الأصلية للمرحلة الثانية التي صاغتها إسرائيل والولايات المتحدة مبدئيا في نحو 20 بندا، ما تزال موضع جدل عميق، خصوصا فيما يتعلق بمسألة سلاح المقاومة، وترتيبات "اليوم التالي" في قطاع غزة، وهو ما ينذر بتحويل هذه المرحلة من مسار تهدئة إلى ساحة صراع سياسي وأمني مفتوح.

وتشير التقارير العبرية إلى أن إسرائيل لا تزال تعتبر نزع سلاح حركة حماس بالكامل شرطا غير قابل للتفاوض، وترى أن أي صيغة بديلة مثل تخزين السلاح أو إخراجه مؤقتا من الخدمة، تمثل "التفافا خطيرا" على جوهر الاتفاق.

في المقابل، تتحدث أوساط إسرائيلية عن ضغوط قطرية–تركية تهدف إلى منع تفكيك القوة العسكرية للمقاومة، وطرح بدائل تحافظ على وجودها السياسي والأمني داخل القطاع، سواء عبر إشراف دولي أو نقل المسؤولية إلى جهات فلسطينية أخرى.

وتعكس هذه الخلافات فجوة عميقة بين مفهومين مختلفين جذريا، الأول متعلق بالرؤية الإسرائيلية وتفكيك كامل يهدف إلى إنهاء أي قدرة مستقبلية للمقاومة، والثاني متعلق بالطرح الأميركي الجزئي وهو "إخراج السلاح من الخدمة"، على غرار تجارب نزاعات أخرى، وهو ما ترفضه إسرائيل خشية إعادة استخدام السلاح لاحقا.

ولا يقتصر الخلاف على المبدأ، بل يمتد إلى الإطار الزمني. فبينما تقترح قطر وتركيا فترة تمتد إلى عامين للتوصل إلى ترتيبات تدريجية، تصر إسرائيل على فترة قصيرة لا تتجاوز بضعة أشهر.

وتنقل "يديعوت أحرنوت" عن مسؤولين إسرائيليين تهديدات صريحة بأن عدم تنفيذ نزع السلاح سيقابل بتدخل عسكري مباشر، ما يفرغ اتفاق وقف النار من مضمونه، ويبقي خيار الحرب حاضرا في أي لحظة.

ومن أكثر ملفات المرحلة الثانية حساسية، مسألة الوجود الدولي في غزة، إذ ترفض إسرائيل بشكل قاطع أي حضور تركي في القطاع، رغم وجود تيارات داخل الإدارة الأميركية، بما فيها مقربون من الرئيس دونالد ترامب، ترى في أنقرة "جزءا من الحل".

وتقول إسرائيل، وفق "واللاه"، أن غالبية سكان غزة لم يعودوا يريدون "حماس"، وتستخدم هذا الادعاء لتبرير مشاريع أمنية بديلة في رفح ومناطق أخرى.

وقالت صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية يوم الإثنين في مالها الرئيسي، تشهد المنطقة المحاذية لـ“الخط الأصفر” في شمال غزة اشتباكات شبه يومية بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، ما أدى إلى سقوط قتلى من الطرفين. وقال الجيش الإسرائيلي إن قواته قتلت، السبت، ثلاثة مسلحين حاولوا عبور الخط في حادثين منفصلين.

وتواصل حماس ترسيخ وجودها في المناطق التي انسحبت منها القوات الإسرائيلية منذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقف إطلاق النار في سبتمبر، وهي الخطوة التي رافقها كشف خطته المكوّنة من 20 بنداً لإعادة إعمار غزة، وتشكيل هيئة حكم جديدة، ونزع سلاح الحركة.

وفي كلمة مسجلة خلال مؤتمر في إسطنبول، أعلن خالد مشعل، رئيس حماس في الخارج، أن الحركة لن تنزع سلاحها ولن تقبل إشرافاً خارجياً على غزة. وقال إن “المقاومة وسلاحها حق لشعبنا”.

ورغم استمرار التوتر الميداني، تستعد إدارة ترامب لإطلاق المرحلة الثانية من خطتها، ومن المتوقع أن يعلن الرئيس، في 15 ديسمبر، تشكيل “مجلس السلام” الذي سيتولى الإشراف المؤقت على غزة وإدارة تمويل إعادة الإعمار تمهيداً لانتقال السلطة إلى قيادة فلسطينية مُصلَحة.

ويواجه هذا المسار عقبات تتعلق برفض حماس نزع سلاحها، وعدم تنفيذ السلطة الفلسطينية الإصلاحات المطلوبة، إضافة إلى احتفاظ حماس بجثمان الشرطي الإسرائيلي ران غفيلي.

الأمن والقوة الدولية

ومن أكثر ملفات المرحلة الثانية حساسية، مسألة الوجود الدولي في غزة، إذ ترفض إسرائيل بشكل قاطع أي حضور تركي في القطاع، رغم وجود تيارات داخل الإدارة الأميركية، بما فيها مقربون من الرئيس دونالد ترامب، ترى في أنقرة "جزءا من الحل".

وترى إسرائيل أن ضمان أمن حدودها وإنهاء تهديد حماس يجب أن يكونا في مقدمة أولويات المرحلة المقبلة، رغم الضغوط التي قد تمارسها إدارة ترامب وشركاء القوة الدولية لدفع تل أبيب نحو تقديم تنازلات.

كما تواجه واشنطن مأزقا حقيقيا في تشكيل "قوة استقرار دولية"، بسبب غياب التوافق حول مستقبل سلاح المقاومة، ما يدفع عدة دول عربية وإسلامية إلى التردد في إرسال قوات قد تجد نفسها في مواجهة مباشرة مع الواقع الفلسطيني المعقد.

وتظهر التقارير العبرية استعدادا إسرائيليا محدودا لإشراك شخصيات فلسطينية "غير مصنفة أمنيا" في ملف إعادة الإعمار، دون القبول بدور مباشر للسلطة الفلسطينية بصيغتها الحالية.

ويعكس هذا الموقف انقساما داخليا إسرائيليا، حيث يعارض وزراء اليمين المتطرف أي وجود سياسي فلسطيني منظم في غزة، حتى لو كان شكليا أو إداريا.

ومن أخطر ما تكشفه التقارير الإسرائيلية، عودة الحديث عن خطة أمريكية لإقامة "مدينة خيام" ضخمة في رفح، تسوق كنموذج لـ"منطقة بلا فصائل".

الخطة، التي تشمل بنية تحتية مؤقتة من كهرباء ومياه وصرف صحي، تستهدف، وتجميع مئات آلاف الفلسطينيين في مساحة محددة، وفرض واقع ميداني جديد يمهد لتقسيم فعلي للقطاع، تحت عناوين إنسانية وإعمارية.

وتكشف المعطيات الواردة في الإعلام العبري أن المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار ليست مسارا واضحا نحو إنهاء الحرب، بل ميدان صراع على هوية غزة ومستقبلها.

فبين ضغوط الوسطاء، وشروط إسرائيل، ورفض المقاومة المساس بجوهر وجودها، تبقى هذه المرحلة محفوفة بمخاطر كبرى، قد تحول التهدئة إلى هدنة هشة، وتفتح الباب أمام صراع أكثر تعقيدا، تفرض فيه وقائع سياسية وأمنية جديدة على حساب الحقوق الفلسطينية.

وفي ظل هذا المشهد، تبدو المرحلة الثانية اختبارا حقيقيا، إما خطوة نحو وقف نار دائم يحترم إرادة الفلسطينيين، أو بوابة لإعادة إنتاج احتلال إسرائيل لقطاع غزة بأشكال "ناعمة"… لكن أكثر خطورة.

ورغم التحفظ الإسرائيلي المعلن على بعض تفاصيل الخطة، فإن طرحها المتكرر يشير إلى توجهات تهدف لإعادة رسم خريطة السيطرة في غزة، وليس فقط معالجة آثار الحرب.