في دولة الاهتمام فيها بحياة الانسان هو اكثر كليشيه، والسلام ليس نشيدا في الميدان فقط، كانت الشوارع أمس تملأ بالمتظاهرين. ازاء بيت ايهود اولمرت، وازاء بيتي تسيبي لفني وايهود باراك، كانت تقوم موجات احتجاج متناوبة. في دولة يهم فيها الامر شخصا ما، كان ينهض كثيرا جدا من الناس أمس مع احساس بأنهم اذا ماتوا في الحرب المقبلة فسيكون موتهم لا داعي له. أول من أمس صدق اولمرت، الذي يناضل عن اعادة استنساخ ما جرى في أيام ولايته، بصوته وعلى نحو علني ما كان حتى الان بمنزلية نبأ صحفي وكلاما لمسؤولين أتراك كبار وهو ان اسرائيل في كانون الاول 2008 وقفت على مبعدة "ساعات" – والاقتباس منه – عن بدء تفاوض مباشر مع سورية. صدق في واقع الامر الوصف الدراماتي الذي يقول ان رئيس حكومة تركيا اردوغان، ذلك الذي تشغل اسرائيل نفسها الان باذلال ممثليه، قد هاتف رئيس سورية الاسد، في حين كان اولمرت في الغرفة الثانية. يقول الاسرائيليون العارفون بخبايا الامر ان الاسد كان محددا جدا في الاسئلة عن رسم الحدود والترتيبات النهائية وعرفوا الوضع آنذاك على انه "نهاية اللعبة المسبقة". قال اولمرت اول من أمس "كانت حاجة للخروج لعملية "الرصاص المصبوب"". قطع اولمرت كما تذكرون المحادثة، وبعد ذلك بأيام قال "احتاج الواقع الى عملية مؤلمة في غزة". الواقع في اسرائيل هو دائما آخر صاروخ قسام لحماس، والحاجة الى اعادة بناء صورة الجيش الاسرائيلي الردعي، وطلبوا "عمل شيء ما"، هو دائما شيء بالقوة. في المحادثات قبيل الخروج للعملية وبعد ذلك في النقاشات لأمد المدة الطويلة، لم يثر البتة سؤال ماذا سيفعل ذلك باحتمالات التسوية مع سورية. لم يسأل احد هل نفقد احتمال تسوية حقيقية تغير وجه الشرق الاوسط في حين نتجادل في تقدم جفعاتي 500 متر أخرى. ان اولمرت، الذي اعتقد في 2006 ايضا ان "الواقع يتطلب عملية مؤلمة في لبنان" ولم يفهم حتى الان ان 34 يوم قتال لحزب الله ليست "عملية مؤلمة" بل عدم فهم للواقع، يفخر بالتسوية التي اضيعت وكأن الحديث عن انجاز كبير. وبهذا يواصل طريق غولدا وديان باخلاص، اللذين لم يعتقدا في مطلع السبعينيات انه قد اضيع شيء ما: فالواقع تطلب عمليات مؤلمة في حرب الاستنزاف، ولماذا نصغي الى الوسطاء الدوليين، الذين أكدوا ان رئيس مصر السادات يقصد تسوية سلمية. متى تحركت اسرائيل عن موقفها؟ بعد 2500 قتيل. لم تعتقد لفني، التي اكتسحت في الانتخابات الاخيرة جميع اصوات اليسار، ان الوضع في القناة السورية يقتضي تفكيرا مجددا في العملية في غزة. وباراك الذي يكرر قوله انه اذا حدثت حرب مع سورية فسيكون هنالك الكثير من المصابين وسنعود الى المكان نفسه، لم يتوقف هو ايضا للتفكير. صحيح ان اولمرت لم يحدثهما بكل شيء لكنهما لم يسألا حقا. فمتى يقف شخص ما ليسأل في حين توجد فرصة للقتال؟ ومنذ متى يبعد السلام الاستراتيجي عملية محدودة، كان ربما يجب تنفيذها قبل ذلك بسنين لكن يمكن الخروج اليها ايضا بعد شهور من ذلك؟ ومنذ متى يكون أموات الحرب المقبلة أهم من الطلب الشعبي أن نبين للعرب حقيقتهم؟ أتعلمون؟ انهم على حق. في الانباء التي اقتبست من خطبة اولمرت تناولت العناوين الصحفية ما اقترحه في زعمه على أبي مازن او توبيخه لنتنياهو للعلاقات بتركيا، لا تصديقه انه قد أضيع تفاوض مباشرة مع سورية. كانت هذه العناوين ضئيلة لان الصفحة الاولى احتلتها سخافة نطق بها المدعي العام في محكمة اولمرت لطلاب الجامعات. ان موت الحرب المقبلة مع سورية، تلك التي يمكن منعها لكن الواقع يتطلب شيئا مختلفا، قاموا أمس صباحا، بل انهم لم يغضبوا على من أرسلهم الى الموت.