في تطور لافت، كشفت مفاوضات تشكيل الائتلاف الحكومي بين حزب “الاتحاد المسيحي” و”الحزب الاشتراكي الديمقراطي” في ألمانيا عن خطة مثيرة للجدل قد تتيح سحب الجنسية الألمانية من الأشخاص الذين يحملون جنسية ثانية، إذا ثبت دعمهم للإرهاب، أو معاداتهم للسامية، أو تبنّيهم أفكارًا متطرفة تهدف إلى تقويض النظام الديمقراطي. هذا الاقتراح، الوارد في وثيقة الائتلاف، ونشرته مواقع إخبارية ألمانية، أثار مخاوف وانقسامًا بين السياسيين والمواطنين، حيث يرى منتقدوه أنه يحمل مخاطر التمييز ويعزز فكرة المواطنة غير المتساوية.
وتواجه السلطات الألمانية انتقادات واسعة بعد إصدار قرارات ترحيل بحق أربعة ناشطين أجانب لمشاركتهم في احتجاجات داعمة لفلسطين في برلين. المستهدفون بالقرار هم ثلاثة مواطنين من دول الاتحاد الأوروبي – اثنان من أيرلندا وواحد من بولندا – بالإضافة إلى طالب أمريكي، حيث سحبت السلطات تأشيرته. إذ تتهم ألمانيا الناشطين بالمشاركة في اقتحام مبنى رئاسة جامعة برلين الحرة، في أكتوبر الماضي، عندما دخل أفراد ملثمون إلى المقر حاملين أدوات حادة، ووجهوا تهديدات للموظفين، وألحقوا أضرارًا بالممتلكات. كما تم ربطهم بمظاهرات أخرى، مثل اعتصام في محطة القطارات الرئيسية، وقطع بعض الطرقات. قررت السلطات أن على النشطاء مغادرة البلاد بحلول 21 أبريل، وفي حال عدم امتثالهم، سيتم ترحيلهم قسريًا مع فرض حظر على دخول ألمانيا لمدة تتراوح بين عامين وثلاثة أعوام.
تزداد إشكالية القرار الذي اتخذته السلطات خاصة بعد قرار الجاليات الفلسطينية تنظيم مظاهرات في عدة مدن فلسطينية ابتداءً من غد الخميس من أجل الضغط على الحكومة لتغيير رأيها ولخطورته على حرية التعبير وحرية التظاهر، كما ورد في بيان خاص وصل لـ “القدس العربي”. وقد تقدم الناشطون الأربعة بطعون قضائية أمام المحكمة الإدارية في برلين لإلغاء قرار الترحيل، وفقًا لمحاميهم ألكسندر غوركسي، الذي وصف الإجراءات بأنها “مقلقة قانونيًا”، معتبرًا أنها تستهدف النشطاء بناءً على مواقفهم السياسية. وأشار إلى أن بعضهم خضع لتحقيقات جنائية، لكن لم تصدر بحقهم إدانات، بل حصل أحدهم على حكم بالبراءة بعد اتهامه بإهانة شرطي. كما نشرت صحيفة “تاغيس تسايتونغ” الألمانية.
خطط استهداف الألمان الذين يحملون جنسية مزدوجة بقانون معاداة السامية أثارت المخاوف والرفض، في حال تم إقرار هذا الأمر قانونيًا. وخلال المفاوضات، التي شهدت توترات وصلت أحيانًا إلى حد الخلافات الحادة، نجح “الحزب الاشتراكي الديمقراطي” في الحفاظ على مبدأ الجنسية المزدوجة، وهو ما عارضه “الاتحاد المسيحي” في البداية. بيد أن “الحزب الاشتراكي” نجح في تأكيد مشروعه لتجنيس أسرع للاجئين والمواطنين الأجانب المندمجين، لكن “الاتحاد المسيحي” فرض رؤيته بإدراج بند سحب الجنسية في حالات محددة، بحسب ما نشر تلفزيون “دويتشه فيله”، وهو ما يثير قلق بعض أعضاء “الحزب الاشتراكي”، الذين يخشون أن يُنظر إلى مزدوجي الجنسية على أنهم “ألمان ناقصون”، أو تحت فترة اختبار دائمة.
وهو ما وصفته كلارا بونغر، نائبة حزب اليسار، بأنه يخلق “جنسية من الدرجة الثانية”، مؤكدة أن المجتمع المهاجر يحتاج إلى حقوق متساوية وقواعد قانونية واضحة بدلاً من هذا التمييز.
في المقابل، ينص الدستور الألماني على عدم جواز سحب الجنسية إلا في حالات استثنائية، مثل الانضمام لجماعات إرهابية كـ”داعش”، شريطة وجود جنسية أخرى. لكن الاقتراح الجديد يوسع هذا النطاق ليشمل “داعمي الإرهاب” و”معادي السامية”، وهي مصطلحات تثير تساؤلات حول كيفية تعريفها وتطبيقها.
هذه المخاوف قد يكون لها ما يبررها، خاصة بعد نشر صحيفة “تاغيس تسايتونغ” أن قرار ترحيل الناشطين جاء خلافًا لرغبة مكتب الهجرة في برلين، حيث أشارت الصحيفة الألمانية أن خلافات حدثت داخل الإدارات المعنية، حيث رفض مسؤولون في مكتب الهجرة في برلين في البداية إصدار أوامر الترحيل، بحجة أن الأدلة غير كافية، وأن ترحيل مواطني الاتحاد الأوروبي يتطلب معايير قانونية صارمة لا تنطبق في هذه الحالة. إلا أن وزارة الداخلية المحلية أصرت على التنفيذ، معتبرة أن الأمر يتماشى مع “حماية الأمن القومي”.
وفي حديث مع “القدس العربي”، أكد رئيس اتحاد المؤسسات والفعاليات في ألمانيا جورج رشماوي أن هذا القرار يعبر بصراحة عن خطوة تقييدية جديدة من قبل الحكومة الألمانية، وأن هذه خطة متقدمة يتوجب علينا كفلسطينيين العمل على إسقاطها وعدم إنجاحها لأننا نعتقد أنها خطوة تتبعها خطوات أخرى من أجل إسكات الصوت الفلسطيني، وإسكات الألمان والأوروبيين بشكل عام لمنعهم من التضامن معنا، وتخويفهم بهذه القرارات المتناقضة مع قوانين حرية التعبير وقوانين التجمعات، ولا تنتمي إلى الفكر الديمقراطي المعتمد على حقوق الإنسان. وأكد رشماوي أن خطوات الرد الفلسطيني ستكون على شقين؛ أولًا بشكل ميداني من أجل التظاهر ضد القرار ورفضه شعبيًا، والثاني عبر مجموعة من المحامين الذين سيطعنون في هذه القرارات والعمل على عدم إنفاذها قانونيًا.
وأصدر الناشطون الأربعة بيانًا نشر على إحدى المنصات الإلكترونية، أكدوا فيه أنهم سيواصلون معركتهم القانونية ضد القرار، معتبرين أن ترحيلهم يشكل سابقة في التعامل مع الحركات الاحتجاجية في البلاد.
يشار إلى أن البرلمان الألماني اعتمد مؤخرًا تعريف “التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست” لمعاداة السامية، والذي يشمل انتقادات لإسرائيل، مثل وصفها بـ”مشروع عنصري”، أو استخدام شعار “من النهر إلى البحر”، وهو ما يراه البعض تقييدًا لحرية التعبير.