فيليب لازاريني.. موظف سويسري رفيع يخشى حكم التاريخ..

الثلاثاء 11 مارس 2025 03:10 م / بتوقيت القدس +2GMT
فيليب لازاريني.. موظف سويسري رفيع يخشى حكم التاريخ..



المصدر /الجزيرة/

"تهانينا لجوائز الأوسكار.. إنتاج شجاع وجريء.. في الواقع لا يوجد طريق آخر: شعبان يعيشان جنبا إلى جنب في سلام وأمان". كاتب التغريدة المنشورة في الثالث من مارس/آذار، والمرفقة بإشهار فوز الوثائقي المعنون "لا أرض أخرى" (لمخرجيه الأربعة؛ الفلسطينيان باسل عدرا، وحمدان بلال، والإسرائيليان يوفال أبراهام، وراحيل تسور)بأوسكار العام الجاري، ليس وسيطا في النزاعات، ولا هو داعية سلام، وليس قاضيا في محكمة العدل الدولية؛ إنه موظف سويسري يدعى فيليب لازاريني، ويشغل منذ 5 أعوام منصب المفوض العام للأونروا؛ أكثر منظمات الأمم المتحدة تعرضا لحملات التشويه والإقصاء من دوائر صنع القرار الإسرائيلية والأميركية.

وعلى خلاف سلفه ومواطنه المفوض السابق بيير كرينبول الذي أجبرته ضغوط واشنطن خلال ولاية دونالد ترامب الأولى وتل أبيب على الاستقالة في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 "بمزاعم لا أساس لها بأنني كنت على علاقة عاطفية بموظفة" حسب تعبيره، فإن لازاريني صمد أمام ضغوط إسرائيلية أشد وطأة واستمر في مهمة اتخذت بعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة طابعا أقرب للقداسة.

وقبل ترؤس لازاريني -خريج جامعة نوشاتيل وجامعة لوزان- لوكالة الأونروا امتهن بوصفه اقتصاديا مجال التسويق في مقاطعة بيرن اعتبارا من العام 1987. لكنه انتقل ابتداء من عام 1989 إلى مجال العمل الإنساني عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي. وبعد ذلك تعددت محطات عمله من نيابة رئيس الاتصال في المقر الرئيس في جنيف إلى بعثات رواندا وأنغولا وسراييفو، ثم عُين مبعوثا إلى جنوب السودان والأردن وغزة وبيروت.

وزودت هذه المحطات لازاريني بخبرات في مجالات المساعدة الإنسانية الدولية في مناطق النزاع ومناطق ما بعد النزاع. وفي عام 2003 انضم لازاريني إلى بعثة الأمم المتحدة في العراق بصفة منسق عمليات في "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الأنشطة الإنسانية" ليبدأ منها ترقيه في المناصب الدولية العليا سواء في مقر الأمم المتحدة العام في نيويورك وفي أنغولا والصومال والأراضي الفلسطينية المحتلة.

ففي عام 2010 أصبح مديرا لقسم التنسيق والاستجابة في "المكتب"، ثم مساعدا للأمين العام ومنسقا خاصا للشؤون الإنسانية في "برنامج الأمم المتحدة للتنمية". وفي عام 2005 عيّنه الأمين العام منسّقا خاصا لأنشطة المنظمة الإنسانية في لبنان، ومشرفا على الجوانب الإنسانية لـ"برنامج الأمم المتحدة للتنمية" حتى عام 2020، عندما قرّر الأمين العام الحالي أنطونيو غوتيريش تعيينه مفوّضا عاما لـوكالة الأونروا خلفا لكرينبول المستقيل بضغط من إدارة ترامب الأولى.

تركة ثقيلة

في ملف الأونروا ورث لازاريني تركة ثقيلة خلفتها سياسات دونالد ترامب الذي أوقف خلال ولايته الأولى عبر صهره جاريد كوشنر (وبتحريض من حكومة بنيامين نتنياهو) المساعدة الأميركية السنوية لموازنة الوكالة وقدرها 360 مليون دولار بالتزامن مع نقل السفارة الأميركية للقدس. إلا أن فوز جو بايدن -خصم ترامب اللدود- في منصب الرئاسة في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، ألغى قرار وقف الدعم. فعلق لازاريني بتغريدة قال فيها: "تهانينا.. مبروك من الأونروا للرئيس المنتخب بايدن ونائبته كامالا هاريس، نأمل كثيرا العمل معا، واستئناف التقليد الأميركي القديم بالدعم".

بعد 4 أشهر من تولي بايدن السلطة، حصل ما توقعه لازاريني، حيث أمر الرئيس الأميركي الجديد باستئناف المساعدات التي حجبها سلفه عن الأونروا. وقال وزير الخارجية الأميركي المعين حديثا أنتوني بلينكن في السابع من أبريل/نيسان 2021 إن "المساعدات الأميركية ستتضمن 75 مليون دولار للمساعدة في الاقتصاد والتنمية في غزة، 10 ملايين دولار لبرامج بناء السلام من خلال الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (يو إس آيد)، و150 مليون دولار من المساعدات الإنسانية لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).

بداية المتاعب

بدأت متاعب لازاريني مع سلطات الاحتلال الإسرائيلية عام 2023 عندما انتقد الحصار الذي فرضته على قطاع غزة. وكان أول من وصف القطاع بأنه "مقبرة لسكّان يعيشون رهائن الحرب والحصار والحرمان". وقال: "ستعرف الأجيال الآتية أننا كنا شهودا على تطور هذه المأساة الإنسانية على وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الإخبارية، ولن يكون بوسعنا أن نقول: لم نكن نعرف. والتاريخ سيسألنا لماذا لم يمتلك العالم الشجاعة اللازمة للتصرّف بحزم من أجل وضع حد لهذا الجحيم على الأرض".

مقاومة حملة التشهير

[ومع بدء عملية طوفان الأقصى تذرعت إسرائيل بمشاركة مزعومة لـ12 من موظفي الأونروا في الهجوم  ضمن مقاتلي الفصائل على مستوطنات فجر السابع من أكتوبر/تشرين الأول ذريعة لتحريض مانحي الأونروا لوقف تمويلها. فاستجابت للدعوة الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا بينما فتحت الوكالة تحقيقا بالأمر، في حين قامت دول مثل السعودية، وقطر، وتايلند، والمكسيك، وماليزيا، وإندونيسيا وإسبانيا، بزيادة حجم مساهماتها. ورد المسؤول الأممي قائلا إن السلطات الإسرائيلية قدمت "للأونروا معلومات عن الاشتباه بضلوع عدد من موظفيها" في الهجوم، مضيفا أنه قرر "إنهاء عقود هؤلاء الموظفين على الفور وفتح تحقيق حتى إثبات الحقيقة من دون تأخير".

وفي وقت لاحق، اعترف لازاريني بأنه تصرّف "بعكس ما تقتضيه المحاكمة العادلة" التي أساسها أن المتهم بريء إلى أن تثبت تهمته، وتابع أنه إنما اتخذ قراره انطلاقا من "المخاطر الكبيرة على سمعة الوكالة في ضوء الاتهامات، ومن أجل الحفاظ على قدرتها على مواصلة أنشطتها وتقديم الخدمات الإنسانية الحيوية في مثل هذه الظروف على أبواب مجاعة محدقة بسبب من عرقلة دخول المساعدات الغذائية".

قصص وهمية

وفي 19 مارس/آذار 2014 كشفت صحيفة "هآرتس" العبرية أن الحملة التي تديرها إسرائيل ضد "الأونروا"، تستخدم مجموعة كبيرة من الحسابات المزيفة على الشبكات الاجتماعية، وقصصا وهمية ومزورة، وعمليات تضليل للسياسيين الأميركيين والغربيين، لتغيير مواقفهم، ودفعهم إلى المشاركة في الحملة، التي جاءت، في إطار الحرب التي تشنها إسرائيل على "الأونروا"، بحجة أن موظفيها يتعاونون مع حركة "حماس". وهو ما أكده لازاريني نفسه في 31 أغسطس/آب قائلا "إن إسرائيل تشتري إعلانات على منصة غوغل للتشهير بالوكالة ومنع المستخدمين من التبرع لها".

وما لبث لازاريني -إلى جانب أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش- أن أصبحا هدفا لحملة تحريض قادها جهاز إسرائيل الدبلوماسي بقيادة وزير الخارجية يسرائيل كاتس. وكرر الأخير دعوته لازاريني للاستقالة في أكثر من مناسبة. وصدر كذلك قرار بمنعه مرتين من دخول قطاع غزة، وهذا دفع مقررة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية الخاصة بفلسطين فرانشيسكا ألبانيز للقول في 19 مارس/آذار 2024 إن إسرائيل "لا تريد شهودا على الإبادة الجماعية". أما غوتيريش فمُنع من دخول إسرائيل.

غير أن الحملة الإسرائيلية على الوكالة اتخذت في 29 أكتوبر/تشرين الأول 2024 منعطفا جديدا بعدما أقر الكنيست تشريعين، أحدهما يحظر أنشطة الأونروا داخل إسرائيل (بما يؤثر على المناطق الخاضعة لسيطرتها)، والآخر يمنع السلطات الإسرائيلية من إجراء اتصالات بالوكالة، ودخل القرار حيز التنفيذ في 30 يناير/كانون الثاني 2025 حيث أجبر 25 موظفا دوليا على مغادرة الضفة الغربية والقدس الشرقية بعد انتهاء تأشيراتهم.

 

مركز قلنديا

ونبه لازاريني نفسه إلى الوقائع اللاحقة حيث أشار في تغريدة على حسابه نشرت في 18 فبراير/شباط إلى دخول "قوات الاحتلال الإسرائيلي وموظفي بلدية القدس تحت غطاء الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية إلى مركز تدريب قلنديا التابع للأونروا لإخلائه فورا من 350 طالبا و30 موظفا كانوا داخله". وأشار كذلك إلى إغلاق الشرطة الإسرائيلية لـ3 مدارس أخرى في القدس الشرقية وطرد 250 من الأطفال الدارسين فيها.

وفي السابع من مارس/آذار عبّر في تغريدة مماثلة عن حزنه جراء مقتل أحد موظفي الوكالة في تبادل إطلاق النار أثناء عودته من العمل خلال اشتباكات وقعت في منطقة بين مدينتي حمص واللاذقية السوريتين.

قد لا تلفت الأحداث التي يذكرها لازاريني أحيانا في تغريداته نظر المراقبين، إذا ما قيست بالحملة العسكرية الإسرائيلية المستمرة منذ أكثر من شهر ونصف ضد مخيمات شمال الضفة الغربية. وقد لا ترقى خطورة بعضها لقرار إسرائيل بإيقاف مساعدات غزة الذي أشار إليه لازاريني في تغريدة نشرها في الرابع من مارس/آذار 2025. لكن المؤكد أن المسؤول الأممي يدرك حقيقة دوره وحكم التاريخ على هذا الدور. وهو ما أشار إليه في مقال نشر في صحيفة الغارديان البريطانية في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2024 مخاطبا العالم بقوله: "التاريخ سيحاكمنا جميعا ما لم يكن هناك وقف لإطلاق النار في غزة".

المصدر : الجزيرة