خبر : الآثــار والتــوراة فــي فلسطيــن..ادعــاءات وحقائــق ..محمـد حجـازي

الأحد 07 فبراير 2010 02:39 م / بتوقيت القدس +2GMT
الآثــار والتــوراة فــي فلسطيــن..ادعــاءات وحقائــق ..محمـد حجـازي



سعى الآثاريون الإسرائيليون ومنذ بداية الصراع إلى تشويه التاريخ القديم لهذه المنطقة استناداً إلى مروياتهم التوراتية حيث استندوا في مشروعهم السياسي بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين إلى حقهم التاريخي المزعوم كما جاء في التوراة التي شكلت بالنسبة لهم المستند والتعبئة الأيدولوجية لفكرتهم.ووصل هذا التشويه إلى حد تزييف بعض قطع الآثار التي تعود إلى حقبة بناء الهيكل الثاني على حد زعمهم، فقد أوردت صحيفة هآرتس يوم 26/3/2004 خبراً مفاده أن مسؤولين في سلطة الآثار الإسرائيلية يأكدون أن المكتشف الأثري " رمانة العاج " الذي يحمل كتابه قديمة مأخوذة من التوراة وتم عرضه في متحف " غراند باليه " الفرنسي في باريس مزيف، حيث تبين وجود العديد من المكتشفات الأثرية المزيفة والتي تعود إلى فترات تاريخية مثل عهد الهيكل الثاني.  ويضيف مسؤولوا سلطة الآثار الإسرائيلية، إن اكتشاف أمر  أعمال التزييف هذه سيسبب مشكلة لا تقدر بثمن لعلم الآثار، إذ أن هناك عدداً كبيراً من الأبحاث والنظريات في علم الآثار استندت إلى هذه المكتشفات المزيفة. التي كانت تقوم بها شبكة إسرائيلية تعمل منذ أكثر من 15 عاماً وتضم في عضويتها متخصصون في علم الآثار، ويرأس هذه الشبكة شخص يدعى " عوديد غولان " وهو جامع للمكتشفات الأثرية ويشارك أيضاً في هذه الشبكة وسطاء وأشخاص أقاموا شركات وهمية لبيع الآثار.  بلا شك أن التوظيف الآثاري لحالة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي ولّد مشكلة وقضية معقدة أدى إلى تشويه التاريخ الحقيقي للمنطقة وقدم فرضيات عديدة لم يتم البرهة عليها " لأن النظريات إذا لم تقرن بآثار تبقى فرضيات بانتظار البرهنة عليها آثارياً ".وحول هذه المواضيع نشرت صحيفة القدس بحثاً هاماً للباحث أحمد عثمان بتاريخ 4/12/1995، تحت عنوان " الدلائل الأثرية تناقض قصة احتلال بني إسرائيل لأرض كنعان بقيادة يشوع ".  ورد فيه أنه لم يتم العثور على أدلة آثارية تتعلق ببعض الشخصيات والأحداث، بالطريقة التي وردت في كتب العهد القديم.  ويتطابق هذه الكلام مع حديث آثاريين من الولايات المتحدة الأمريكية يقول " كينيت هولوم " – أستاذ الحفريات بجامعة مريلاند الأمريكية – من أنه" لم يعد هدف عملنا هو إثبات أو نفي صحة ما جاء في الكتب المقدسة، وإنما هو مساعدة العلماء على فهم الثقافات القديمة.  وكان فرع الدراسة المعروف باسم " بيبليكال أركيولوجي " او حفريات الكتب المقدسة الذي بدأ منذ مئة عام، وكان هدفه الرئيس هو مجرد العثور على بقايا أثرية تؤكد صحة ما ورد في التوراة، لكن الوضع تغير بعد الحرب العالمية الثانية، إذ لم يتم العثور على أية دلائل تتفق مع بعض القصص التوراتية مثل قصة " يوسف الصديق " أو قصة خروج بني إسرائيل من مصر أو غزوهم لأرض كنعان.  أما الدكتور " كمال الصليبي " صاحب الكتاب الشهير التوراة جاءت من جزيرة العرب الذي أحدث ثورة في المرويات التوراتية لهذه المنطقة يجيب على الغموض الذي أصاب علماء الآثار الأمريكان ودفعهم لتغيير هدفهم الأساسي، فيقول : " إن اليهود لم يكونوا أول من استوطن فلسطين، بل هناك " الفلسطينيون " أي ( الفلستيون ) الذين وصولوا بلا شك من غرب شبه الجزيرة العربية قبلهم "هذا الحديث يخالف به الكاتب فرضية بأنهم جاؤوا من بحر إيجه،" فصارت البلاد تعرف باسمهم، وهناك أيضاً الكنعانيون الذين نزحوا من غرب شبه الجزيرة العربية في زمن مبكر،عندما تفرقت قبائلهم في الأرجاء   ( سفر التكوين 10: 18 ) ليعطوا اسمهم لأرض كنعان ( كنعن ) على امتداد الساحل الشامي، شمال فلسطين، في المنطقة التي سماها الإغريق فينيقيا ( على اسم الفينيقيا في عسير ).  إن الهجرات الفلستية والكنعانية إلى هناك لا بد أن تكون قد نمت وازدادت بمرور الزمن، واستناداً إلى الكتب التاريخية للتوراة العبرية، فمن الواضح أن المملكة الإسرائيلية قد أسست في غرب شبه الجزيرة العربية بين أواخر القرن الحادي عشر ومطلع القرن العاشر قبل الميلاد، وإلى حد كبير على حساب مجتمعات مثل الفلستينيين والكنعانيين إثر هجرتهم، من شبه الجزيرة العربية إلى الشام التي ازدادت حجماً في تلك الفترة على إثر الهزائم المتتالية التي ألحقها بنو إسرائيل بهم في مواطنهم الأصلية.  وتحايلاً على الموضوع، خرج علماء الآثار الإسرائيليين بنظرية جديدة، تقول أن السبب الرئيس لعدم العثور على مستندات آثارية يهودية في فلسطين يعود إلى أن يهود الأمس قد تبنوا الحضارة الكنعانية القديمة في فلسطين لأن حضارتهم " العبرية " كانت أضعف من أن تنافس الحضارة الكنعانية، وتبنيهم لهذه الحضارة أدى إلى تطوير الحضارة الكنعانية نفسها حيث نتج عنها حضارة يهودية ولكن بلباس كنعاني، طبعاً هذا هوس تاريخي مكشوف لأن هذا الافتراض لا يصمد أمام الحقائق التاريخية والآثارية.  ويضاف إلى ذلك الإدعاء إدعاء آخر يقول : بأن فلسطينيي اليوم جاءوا إلى البلاد مع بداية الفتح العربي لفلسطين وهذه مقتطفات من مقال أوردتها صحيفة معاريف يوم 4/9/96، تحت عنوان من هو الكنعاني.  أهم ما جاء فيه  " أن الإدعاء العربي الفلسطيني بأن عرب هذه البلاد هم ورثة وأحفاد الكنعانيين إدعاء قديم جداً فمنذ العشرينات كانت القيادة العربية الفلسطينية قد ذكرت هذه المسألة للبريطانيين والغرض منه هو البرهنة على أن عرب البلاد قد سبقوا أبناء إسرائيل الذين غزوا البلاد من الخارج.  فإذا كان إدعاء الفلسطينيين بأنهم ورثة الكنعانيين " والكلام لكاتب المقال " فلماذا لم يحافظوا على اللغة الكنعانية القديمة؟. يرد على هذا الإدعاء مؤرخ أمريكي " بالرغم من انه معروف بتحيزه لدولة إسرائيل " بيرنارد لويس" يقول أن عدد العرب الذين صاحبوا عملية الفتوحات الإسلامية لبلاد الشام منذ بداية الفتح وحتى نهاية الدولة الأموية لم يزد عن ربع مليون شخص.  هذا الرقم وحتى لو افترضنا بأنه صحيح فهو لا يشكل مستند وحجة قوية عند علماء الأجناس.  والمصادر التاريخية العربية وهي الأوثق في هذا المجال قدرت عدد العرب الذين جاءوا من اليمن والحجاز للمشاركة في فتح بلاد الشام حوالي 40- 50 ألف مجند وهنا يجدر الإشارة أن بلاد الشام كانت الممر الوحيد للجيوش العربية الإسلامية إلى شمال إفريقيا والأندلس التي فتحت تلك البلاد.  بمعنى إن إقامة هؤلاء الجند كانت متحركة وليست دائمة إلا بحدودها الدنيا. إن الإدعاء السائد بين يهود العالم بأنهم من سلالة بني إسرائيل وبأن اليهود ليسوا مجتمعاً دينياً فحسب بل شعب وريث لبني إسرائيل، وأن له الحقوق التاريخية لبنى إسرائيل إنما هو إدعاء باطل أصلاً، لأن بني إسرائيل شعب باد منذ القرن الخامس قبل الميلاد وهو غير صحيح حتى في حال إقرار المبدأ بأن للشعوب حقوقاً تاريخية في أراضٍ معينة تبقى قائمة على حساب الآخرين مهما طال الزمن.  وأقل ما يقال في هذا المبدأ أنه غير مقبول إلا من أصحاب الهوس العرقي.  فمن المؤكد عند علماء الأجناس أن شعب إسرائيل البائد قد انصهر في مجتمعات عربية وتحول مع مرور الزمن إلى المسيحية فالإسلام ومن البديهي أن العرق بحد ذاته لا يموت، وإنما الذي يموت هو المجتمع والانتماء والاسم وذلك عن طريق التحول من واقع اجتماعي تاريخي معين إلى واقع آخر.  ومن جهة أخرى هناك آثاريين إسرائيليين جدد بدؤوا مؤخراً يتحدثون علانية عن العلاقة بين المرويات التوراتية والآثار المكتشفة في المنطقة ففي مقال مطول للباحث الآثاري " د. زئيف هيرتسوغ "، يقول بأن المكتشف الأثري يناقض بوضوح الصورة التوراتية " بأن مدن كنعان لم تكن ضخمة ولم تكن محصنة ولم تكن رؤوسها في السماء كما ورد في التوراة وهذا ما هو إلا بدعة لاهوتية لا تستند إلى أي حقائق على الأرض.  ويتسائل الكاتب في مكان آخر من المقال إذاً من نكون نحن وما هو أصل الإسرائيليين فإن لم تكن هناك دلائل حول الخروج من مصر وحول الرحلة في الصحراء واحتلال المدن الكنعانية فلا بد من وجود فرضية أخرى. " إسرائيل فنكلشتاين من " أهم الآثاريين الإسرائيليين " اقترح النظر للمستوطنين على أنهم الرعاة الطبيعيون الذين تجولوا في منطقة الجبل في العهد البرونزي المتأخر، فكان لهم اقتصاد تبادلي ومع انهيار النظام الحضري والزراعي في الأغوار أصبح لديهم دافع للتوطن والاستقرار.  وينهي الكاتب مقاله بالاعتراف بأن المجتمع الإسرائيلي اليوم أصبح ناضجاً جزئياً للاعتراف بالظلم الذي لحق بسكان البلاد العرب، ومستعد لقبول المساواة في الحقوق إلا أنه ليس معنياً بشكل كاف لتبني الحقائق الأثرية التي تدحض الأسطورة التوراتية.                   وإذا كان الإسرائيليون سعوا إلى ذلك بشكل حثيث رغم تناقض استنتاجاتهم وتسليمهم بكثير من الحقائق التي تدحض وتخلخل المصداقية التاريخية للوصف التوراتي، نقوم نحن الفلسطينيون والعرب بصياغة تشويه آخر يدعم ويساند أفكار وطرح منظروا اليمين المتطرف من آثاريين وسياسيين.فشعار المسيرات والتظاهرات الشعبية سواءً الفلسطينية منها أو العربية، " خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود "، بلا شك أن هذا الشعار يعني أن يهود اليوم " المستوطنون المهاجرون إلى فلسطين " من مختلف أصقاع الأرض، هم امتداد تاريخي ليهود الأمس، ومنهم يهود خيبر " شبه الجزيرة العربية " وهو تسليم خاطئ يضعنا في إشكاليات عديدة شديدة الالتباس يفسر الصراع على أنه ديني إسلامي – يهودي وليس له طابع سياسي وحقوق شعب … الخ.  ويجعل من كل يهود العالم أعداء للمسلمين.  إن الغوص في موضوع المرويات التوراتية من قبل ساسة معاصرين وتوظيفها لخدمة قضاياهم السياسية المعاصرة يقدم مادة تحريضية قوية مغلفة بغلاف ديني لليمين الإسرائيلي ويولد من جهة أخرى ردود فعل عند الطرف الآخر العربي والفلسطيني والإسلامي بشكل عام تجعل من كل يهود العالم معادين للحقوق الفلسطينية والعربية في هذه المنطقة ويشوه الصراع الحقيقي الذي هو في جوهره صراع شعب أنتُزع من أرضه وشرد وحرم من ممارسة سيادته على أرضه.  وهي القضية التي حظيت بإجماع دولي كبير.