يأتي موقف وزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال من اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والمحتجزين، تعبيرا عن الشعور العام المختلط السائد في إسرائيل إزاء صفقة اضطرت فيها الأخيرة للتراجع والنزول عن شجرة عالية تسلقتها برفع شعارات «النصر المطلق» و»إسقاط حماس» والاستيطان في غزة» و»البقاء للأبد في محور صلاح الدين (فيلادلفي) وغيره.
وعلاوة على حالة الترقب وحبس الأنفاس والفرح بعودة مرتقبة لـ 33 رهينة إسرائيلية من أسر «حماس» بعد 468 يوماً، هناك مشاعر عتب وغضب لدى أوساط إسرائيلية واسعة مقابل شعور بالصدمة والتنافر المعرفي والإحباط لدى أوساط أخرى خاصة في اليمين.
وتنبع هذه المشاعر السوداوية في إسرائيل رغم توقيع صفقة من كونها تدريجية وتبقي عددا كبيرا من الرهائن في الأسر لجولة ثانية تحوم من حولها علامات سؤال ومن كونها متطابقة مع صيغة اتفاق أعلنه الرئيس الأمريكي بايدن في 27 من أيار / مايو الماضي، وهي صيغة إسرائيلية في الأصل، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سرعان ما تراجع عنها وقام بتعطيل الصفقة باشتراطه السيطرة على محوري «فيلادلفي» و«نيتساريم».
كما أن إدراك الإسرائيليين أن قرار الذهاب لصفقة الآن جاء بقرار خارجي، أمريكي، بعد رسالة صارمة من قبل الرئيس المنتخب دونالد ترامب، وهذا يلقي بظلاله على مدى استقلالية قرار إسرائيل. لكن المذاق الحامض بل المرّ للصفقة بالنسبة لدى الإسرائيليين في اليمين الصهيوني بشكل خاص، ينبع من مضمونها فهي تبقي «حماس»، وتبدّد «النصر المطلق»، وتنسحب بالكامل من القطاع بدلا من احتلاله والاستيطان فيه، وتوقف الحرب على غزة، وتطلق عدداً كبيراً من الأسرى منهم 250 – 300 من أصحاب الحكم بالمؤبد. وتواصل رسوم الكاريكاتير في الصحافة العبرية التعبير عن حالة المفاجأة البالغة حد الصدمة، والشعور بـ «التنافر المعرفي» بعدما تكشفت لهم الصورة، واتضح أن «جحيم ترامب» لم يكن موجها لغزة و»حماس» فحسب، وأن نتنياهو تراجع خوفا من عصاه الغليظة. وهناك من يصف ذلك بالخضوع والاستسلام مقابل هذا الضغط الخارجي الذي لم يسمح به رؤساء حكومات سابقون. ويتوقف عند هذه النقطة تحديدا المعلق السياسي البارز ناحوم بارنياع الذي يتحدث بلغة ساخرة عن أن قرار الصفقة ليس إسرائيلياً بعدما أملى ترامب رغبته بحدة وسرعة غير متوقعتين.
ويتفق بارنياع مع من يرى أنه بعد عودة المخطوفين في الجولة الأولى من الصفقة، سيكون من الصعب، وربما مستحيل، التنازل عن بقية الرهائن مما يثقل عليه خيار استئناف العدوان على غزة.
وهذا يعني أن نتنياهو يحاول الآن شراء الوقت ومنع الوزير المتطرف بتسلئيل سموتريتش وبن غفير من مغادرة الحكومة، لكنه يدرك أنه في لحظة ما، قريبة، سيضطر للاختيار بينهما وبين ترامب، الذي يعد بتوسيع التطبيع وغيرها من الهدايا والعطايا للاحتلال. ويعكس المحلل السياسي للقناة العبرية 12، المستوطن عاميت سيغل الذي يعتبر بوقا لنتنياهو وللمستوطنين واليمين، المزاج العام المتعكر المحبط في اليمين الصهيوني بعد توقيع صفقة يرون أنها ثنائية المذاق، مرّة وحلوة، كونها تعيد مخطوفين، وتبقي «حماس» في الحكم، وتفرج عن عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين، لكن سيغل يتجاهل أطماعاً خفية وراء التدمير: التهجير والاستيطان في القطاع. وفي مقاله الأسبوعي في ملحق «يديعوت أحرونوت» الجمعة يقول سيغل ما يطالب به اليمين الصهيوني، إنه لا بد من استعادة المخطوفين، ومن العودة للحرب على غزة.
ويتوقف مراقبون إسرائيليون كثر عند هذا التحوّل الدراماتيكي نتيجة سياسات واشنطن المختلفة عن حسابات تل أبيب، وعند الأثمان الباهظة التي تسددها إسرائيل في هذه الحرب الطويلة رغم تدمير قطاع غزة. ويقّر عاموس هارئيل المحلل العسكري في صحيفة «هآرتس» بأن ضغط ترامب هو الأساس في إبرام الصفقة، لكنه يشير إلى أن الجيش الإسرائيلي كان بحاجة للراحة بعدما واجه مصاعب عسكرية مفاجئة في بيت حانون نتيجة مقاومة فلسطينية شرسة في الشهر الأخير.
و تحت عنوان «هكذا عطّل نتنياهو الصفقة قبل نصف عام واتهّم حماس»، يقول محرر الشؤون الاستخباراتية في «يديعوت أحرونوت» ومراسل صحيفة «نيويورك تايمز»، الدكتور رونين بيرغمان إن نتنياهو اضطر للتراجع عن كل النقاط تقريبا التي سبق وتمسك بها. ويقول نداف أيال في مقال تنشره صحيفة «يديعوت أحرونوت» إن إسرائيل على موعد مع هزة أرضية عاطفية وسياسية كبرى مشيرا الى أن رئيس حكومة الاحتلال منح الفلسطينيين بهذه الصفقة «صورة تاريخية للعودة».
ويرى المحلل العسكري في موقع «واينت» رون بن يشاي أن الاتفاق مع «حماس» صعب لكنه يمتاز بأنه يعيد مخطوفين، و»هذه كفة ترجح على كل شيء في الكفة الأخرى مثل عدم ضمان عودة بقية الرهائن ويبقي حماس».