غزة: حياة أكثر من مليوني مواطن رهينة المساعدات

الأحد 12 يناير 2025 04:49 م / بتوقيت القدس +2GMT
غزة: حياة أكثر من مليوني مواطن رهينة المساعدات



غزة/سما/

تعكس بيانات حديثة صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني انكماشاً حاداً في الناتج المحلي الإجمالي في قطاع غزة بنسبة تجاوزت 82% وسط استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية للعام الثاني على التوالي في ضوء عمليات تدمير وتطهير عرقي طاولت الفلسطينيين وقطاعات الاقتصاد والإنتاج المختلفة.

وبحسب البيانات الصادرة عن الجهاز والتي وثقت الواقع الاقتصادي خلال عام 2024، فقد ارتفعت معدلات البطالة إلى 80%، في صفوف السكان الذين كان غالبيتهم يعملون بالمياومة أو محسوبين على الجهاز الحكومي في غزة أو التابعة للسلطة.

وخلال العام 2024، وفقاً للتقرير، تراجعت معظم الأنشطة الاقتصادية في فلسطين مقارنة بالعام السابق، حيث سجل نشاط الإنشاءات بنسبة بلغت 98% في قطاع غزة، لتبلغ قيمته 332 مليون دولار، تلاه نشاط الصناعة بنسبة تراجع 90% في غزة ثم نشاط الزراعة بنسبة تراجع 91%.

ووفقاً للأرقام كذلك فقد تراجع قطاع الخدمات بنسبة 81%، ما يعكس تراجعاً حاداً وغير مسبوق في تاريخ القطاعات الاقتصادية والتجارية هو الأول من نوعه في تاريخ الصراع.

خلال الحرب الإسرائيلية على القطاع التي بدأت في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، توقفت غالبية الأنشطة التجارية في الأيام الأولى للحرب، فيما عمد الاحتلال إلى استهداف المنشآت الصناعية والتجارية والاقتصادية عبر القصف الجوي والعمليات العسكرية البرية.


وحتى قبل الحرب على القطاع كانت نسبة البطالة تراوح ما بين 49% إلى 52%، فيما كانت ترتفع في صفوف الخريجين وحملة الشهادات الجامعية إلى أكثر من 60%، فيما ترتفع في صفوف الإناث إلى نحو 80%.

وعانى القطاع لسنوات طويلة حصاراً إسرائيلياً جائراً سبّب ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في صفوف السكان وأدى إلى ارتفاع نسبة العوز وتراجع معدل دخل الفرد اليومي إلى نحو ١ دولار أميركي، فضلاً عن ارتفاع نسبة انعدام الأمن الغذائي وتلقى نحو 80% من السكان للمساعدات التي تقدمها الجهات الأممية والإغاثية.

وكان الاحتلال يضع عشرات المواد والسلع على قوائم الممنوع إدخالها إلى القطاع بذريعة استخدامها في الصناعات العسكرية للمقاومة الفلسطينية، ما حرم القطاع الصناعي من الكثير من المواد الخام وسبّب توقف عشرات المصانع. ومع دخول الحرب عامها الثاني والمؤشرات السلبية غير المسبوقة، فإنّ المستقبل الاقتصادي والتجاري للقطاع وحتى الصناعي يبدو مجهولاً وصعباً نتيجة التدمير الكامل لكل البنية التحتية.

أزمة اقتصادية عميقة
يقول الباحث والمختص في الشأن الاقتصادي رائد حلس إن التقديرات الأخيرة الصادرة عن الجهاز المركزي تعكس أزمة اقتصادية عميقة وغير مسبوقة تواجهها فلسطين بشكل عام وقطاع غزة على وجه الخصوص.

ويضيف حلس لـ "العربي الجديد" أن الإحصائيات تظهر انكماشاً اقتصادياً واسعَ النطاق في جميع القطاعات الرئيسية، مما يعكس هشاشة الاقتصاد الفلسطيني واعتماده الكبير على المساعدات الخارجية وضعف تنوع القاعدة الإنتاجية، ما يضع الاقتصاد الفلسطيني بشكل عام والاقتصاد في قطاع غزة بشكل خاص أمام تحديات كبيرة، أبرزها: انهيار الاقتصاد من خلال انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تتجاوز 82% هو مؤشر على تدهور شامل، مع تضاؤل النشاط الاقتصادي في القطاعات الإنتاجية والخدمية وارتفاع معدلات البطالة التي وصلت إلى 80% ومن ثم تعد أحد أبرز انعكاسات الأزمة، مما يهدد بمزيد من الفقر والتدهور الاجتماعي.

وحول التوقعات، يرى الباحث والمختص في الشأن الاقتصادي أنه من المتوقع حدوث مزيد من الانكماش الاقتصادي، في حال استمرار غياب تدخلات جذرية وشاملة، من المتوقع تفاقم التدهور الاقتصادي وزيادة معدلات البطالة والفقر، بخاصة في غزة.

ويعتقد أن الاقتصاد الفلسطيني سيتجه نحو زيادة الاعتماد على المساعدات الخارجية، نتيجة تآكل القاعدة الإنتاجية المحلية، سيزداد الاعتماد على الدعم الدولي، مما يعمق من تبعية الاقتصاد الفلسطيني، وكذلك تصاعد حدة التهديد للاستقرار الاجتماعي والسياسي بسبب ارتفاع معدلات البطالة والفقر خاصة بين فئة الشباب التي تعاني عدم اليقين بالمستقبل وسيطرة حالة الإحباط واليأس.

ويستبعد حلس استعادة سريعة على مستوى النمو الاقتصادي على المدى القريب بسبب التراجع الحاد في القطاعات الإنتاجية كالصناعة والزراعة والإنشاءات، ما سيجعل الاقتصاد في حاجة إلى وقت طويل واستثمارات كبيرة لإعادة البناء.

ويشير إلى أن حالة الانكماش والارتفاع في معدلات البطالة في غزة ستؤدي إلى زيادة نسبة الفقر وانعدام الأمن الغذائي، مما يعمق الأزمة الإنسانية في القطاع، وكذلك شلل القطاعات الاقتصادية نتيجة التراجع الحاد في نشاط الإنشاءات والصناعة والزراعة (تراجعات بنسبة 98%، 90%، و91% على التوالي) ما يشير إلى شبه توقف لهذه القطاعات، ومن ثم سوف يترك الاقتصاد معتمدًا بشكل شبه كامل على المساعدات والخدمات البسيطة، ومن ثم تزايد التفكير والرغبة نحو الهجرة نتيجة غياب فرص العمل وانهيار البنية الاقتصادية، ومن ثم من المتوقع أن يسعى المزيد من الشباب ورجال الأعمال للهجرة، مما يؤدي إلى تفاقم النزيف الاقتصادي والبشري.

انهيار تام وتوقعات صعبة
من جانبه، يرى الصحافي والباحث في الشأن الاقتصادي أحمد أبو قمر أن القراءة الواقعية للاقتصاد في غزة خلال عام 2024 أو 2025 تعكس حالة انهيار تام نتيجة لنسف غالبية القطاعات الاقتصادية والتجارية. ويقول أبو قمر لـ "العربي الجديد" إن جميع القطاعات بما في ذلك الصناعية والزراعية والتجارية والسياحية تعيش حالة انكماش كامل، ما يعكس واقعاً قاسياً على الاقتصاد الفلسطيني وعلى معدلات البطالة.


وبحسب الصحافي والباحث في الشأن الاقتصادي فإن الانكماش الذي وثقه التقرير هي كارثية بامتياز وهي معدلات غير مسبوقة في تاريخ الإحصاء والاقتصاد الفلسطيني، ما يؤكد أن ما يحدث هو نتاج خطط ممنهجة لتدمير الاقتصاد الفلسطيني من قبل الاحتلال.

ويلفت إلى أن هذه الأرقام وحجم الانكماش ستستمر لفترة طويلة حتى لو توقفت الحرب وفقاً لسيناريو متفائل ستصل إلى ثلاث سنوات على أقل تقدير وفي واقع سيناريو متشائم قد تمتد إلى فترة زمنية أطول.

ويؤكد أبو قمر أن الاقتصاد الفلسطيني في حاجة إلى أسس واضحة يسير عليها الاقتصاد في غزة تبدأ من الصفر، ووضع اتفاقيات تناسب الاقتصاد في القطاع وتقوم على التنمية الشاملة والتخلص من التبعية للاقتصاد الإسرائيلي بحيث يكون هناك سيطرة على المعابر الفلسطينية من دون أي قيود إسرائيلية أو سيطرة على المقاصة وأموال الضرائب.