إسرائيل اليوم- بقلم إيتان اوركيفي-
إذا كان ثمة إجماع على طول وعرض اليمين السياسي في إسرائيل فإنه يتلخص في رفض جارف لخيار السلطة الفلسطينية في غزة، هذه إمكانية رفضت رفضاً باتاً في كل بحث، وتستقبل بنفور ممزوج باشمئزاز. التفكير في أن يتلقى أبو مازن غزة على طبق من فضة، سكب جنودنا دماً كي يوسعوا مساحة قضاء حكمه تبعث على نفور أخلاقي.
كثيرون في اليمين يذكرون أيضاً، وعن حق، بأنه لا فرق شاسعاً بين المفاهيم الأيديولوجية الأساسية للسلطة الفلسطينية وتلك التي لحركة حماس. لاسامية فظة، تعليم على الكراهية والعنف، اعتراف واحترام لقتلة اليهود وعبادة الإرهاب – كلها جزء لا يتجزأ من الثقافة السياسية وفلكلور السلطة الفلسطينية. يجد هذا تعبيره في مناهج التعليم من روضة الأطفال وحتى الجامعة، في كتب التعليم، ووسائل الإعلام، وخطب الجوامع، والخطابات العلنية للشخصيات العامة والزعماء.
إن نقل الحكم في غزة من حماس إلى السلطة الفلسطينية، سيقول لكم اليمين، هو القفز من الرمضاء إلى النار؛ هو أن توصي – وتتلقى – مزيداً من الأمر ذاته.
سيطرة إسرائيلية في المنطقة
كل هذه حجج صحيحة. لكن ما يفوته كثيرون من أصدقائي في اليمين أن نقل الحكم في غزة إلى السلطة الفلسطينية ليس جائزة، وبالتأكيد ليس جائزة للإرهاب. هذا صعب، لكن ينبغي التحرر من خط التفكير الذي يفحص ويقيس هذه الخطوة بتعابير الربح أو الخسارة للطرف الآخر. ينبغي التفكير بأمر واحد فقط: ما نحققه نحن من منفعة.
مع الاعتراف بالسلطة الفلسطينية كجسم سلطوي معترف به وشرعي في غزة، سيفتح لإسرائيل مجالاً جديداً من الشرعية الدولية. أروني دولة واحدة، جسماً دولياً واحداً، سياسياً واحداً – سيعارض ذلك. عملياً، الاعتراف بالسلطة الفلسطينية كجسم سلطوي معترف به في غزة واشتراط كل تقدم أو انسحاب إسرائيلي بإقامة كاملة وناجعة لمؤسسات السلطة الفلسطينية على كل أراضي القطاع، هو أغلب الظن المسار الشرعي الوحيد لاعتراف دولي وتأييد سياسي كامل لهدف إسرائيل الأساس في حرب “السيوف الحديدية”: تقويض حكم حماس وإزالته.
هذه خطوة ستؤيدها أيضاً الدول العربية المعتدلة. من الصعب التصديق بأنها ستوقف أو تحبط خطوة توحيد سلطوي بين قطاع غزة والضفة. من الصعب التصديق بأنها ستحبط ترتيباً رسمياً للجسم السلطوي المعترف به، والشرعي والمقبول الوحيد للفلسطينيين.
يتخيل الإسرائيليون في رؤوسهم أبو مازن يدخل على رأس قافلة سيارات فاخرة إلى غزة ويستقبل كمنتصر وأنه الرابح الأكبر من كل الحدث. عن حق، مثل هذا التفكير أمر مزعج. لكن بعد أن ينقضي الانزعاج، سيبدأ واقع يعرفونه جيداً – ليسوا مستعدين للتخلي عنه.
المقصود هو التنسيق الأمني مع قوات السلطة الفلسطينية، وأكثر من ذلك: يد حرة لإسرائيل للعمل في كل لحظة معطاة في كل مناطق “يهودا والسامرة”. هذا هو المعنى العملي، غير الرمزي، لطرد حماس وفرض حكم السلطة الفلسطينية على غزة: حرية عمل إسرائيلية في كل المنطقة، وإمكانية الدخول والخروج على أساس يومي، وتنفيذ الحملات من كل الأنواع، وترميم وتشغيل الاستخبارات بكل أنواعها، بما في ذلك الاستخبارات الشخصية.
في غضون زمن ما، سيتحول قطاع غزة من ثقب أسود استخبارياً وشرك موت عملياتي، إلى مجال مفتوح وقابل للوصول إليه يمكن لـ “الشاباك” و”أمان” أن يقرأوا ما يفعل فيه ككتاب مفتوح، وستعمل فيه قوات الأمن بمرونة ووجود نسبي. هذا هو معنى حكم السلطة الفلسطينية في غزة؛ هذا هو المقابل الذي سنحصل عليه من تقديم “الجائزة” لأبو مازن. وكل ذلك في إطار شرعية سياسية وعالمية.
هزيمة فلسطينية في الواقع
في دوائر اليمين أفكار مشوقة، لا ينبغي رفضها قطعياً وهي جديرة بالبحث، وهي أفكار عن مبنى سلطوي جديد تماماً في غزة، واحتلال كامل، وسيطرة مدنية على “المناطق”، وربما أيضاً إقامة بؤر وخلايا استيطانية، وحكم عسكري على السكان المدنيين يدمج حكماً إدارياً ذاتياً للسكان وفقاً لمفتاح القبائل والعشائر.
مشكوك أنه سيكون لإسرائيل تفويض سياسي لإجراء هذه التجربة في غزة. ومشكوك أن يكون بوسعها دفع الثمن، إذا ما انهارت هذه النماذج التجريبي، ومشكوك أكثر إذا كانت هذه النماذج السلطوية المميزة والأصيلة ستسمح بإعمار القطاع بمشاركة الأسرة الدولية – دون أن يقع العبء اللوجستي والاقتصادي على كاهل إسرائيل. ولعله ينبغي أن نذكر، بأن على المجتمع الإسرائيلي أن يرمم نفسه وليس أعدائه في السنوات القريبة القادمة.
لكن بقدر ما نفكر في هذا، من زاوية نظر يمينية أيضاً فإن الاعتراف بالسلطة الفلسطينية كجسم سلطوي مخول في غزة هو الأمر الأقرب الذي يمكن لإسرائيل أن تقبله، بشرعية دولية، لجباية ثمن إقليمي عقب هجمة حماس المفاجئة. واضح للفلسطينيين الفرق بين دكتاتورية حماس الشمولية التي كان يمكنها أن تحقق إمرتها السلطوية والسياسية دون عراقيل وكوابح، وبين حكم السلطة الفلسطينية الذي يتناسب أكثر مع تعريف الحكم الذاتي المحدود منه للدولة السياسية. كما أنه واضح للفلسطينيين أيضاً حدود حكم السلطة الفلسطينية والسيطرة العسكرية، النظامية والسياسية لإسرائيل في الضفة.
السلطة الفلسطينية قد تحتفل، لكن هزيمة حماس الرنانة ستكوي الوعي الوطني الفلسطيني كانهيار مدوٍ للتجربة السياسية الأولى للفلسطينيين في العيش كوحدة سياسية مستقلة. ما سيحتفل تجاه الخارج كإنجاز، هو عملياً هزيمة. بشكل مفعم بالمفارقة، هذا بالضبط هو الوضع الذي ينبغي توجيه اليمين السياسي إليه.