بداية يجب التأكيد على أن حرب الإبادة والتطهير العرقي التي يقوم بها جيش الاحتلال الصهيوني هي المسؤولة عن كل ما يتعرض له أهلنا في قطاع غزة من موت ودمار وجوع وانتشار الأمراض وانعدام كل مقومات الحياة الكريمة وغير الكريمة، يحدث كل ذلك على مرأى العالم بدوله ومنظماته الدولية الإنسانية والحقوقية وأمام مرأى ومسمع العالمين العربي والإسلامي، وكأن ما يجري في القطاع مجرد حدث عابر وعادي هذا الموقف السلبي يسمح للاحتلال بتمرير خطابه الكاذب بأنه يدافع عن نفسه كما يساعده على استكمال ما خطط له بداية لقطاع غزة وكل القضية الوطنية وهو مخطط قد يصل في منتهاه إلى تهجير سكان قطاع غزة سواء الى سيناء أو خارجها، هذا بالإضافة الى ما يخطط له في الضفة الغربية
وكأنه لا يكفي ما يمارسه الاحتلال فتأتي حالة الفوضى وانحدار المنظومة القيمية وانتشار عصابات السرقة والابتزاز المالي والأخلاقي في القطاع والفساد في توزيع ما يتيسر من مساعدات خارجية لتزيد من معاناة أهالي القطاع المادية والنفسية ولتغطي كل هذه السلبيات على الصمود الأسطوري لشعبنا العظيم وهو صمود ليس له سابقة في التاريخ مع ما يتم تسجيله من بطولات فردية لمقاتلين و الطواقم الطبية والدفاع المدني.
صحيح أن العرض فيما يتعلق بالمواد الغذائية وكل مستلزمات العيش أقل بكثير من الطلب وأن إسرائيل هي التي تمنع دخول ما يلزم القطاع كما كان الأمر قبل الحرب وهي التي توظف منع دخول الغذاء والدواء والكساء كسلاح في مواجهة المدنيين الذين لا علاقة لهم بالحرب الدائرة بينهم وحركة حماس وهي أيضا تساعد العصابات في عملها من خلال تحديد خط سير القافلات والسكوت على رجال العصابات المسلحين المكشوفين لطائرات الاستطلاع، ولكن أيضا هناك خلل عند المؤسسات الدولية الإنسانية المكلفة بإدخال المساعدات أيضا في الجانب الفلسطيني في إدارة وتوظيف ما يدخل من مساعدات بطريقة عادلة.
عندما يسمع من هم خارج قطاع غزة عن سرقة عشرات شاحنات نقل المساعدات بمجرد دخولها حدود القطاع قد يعتقد أن القطاع بلاد شاسعة مساحته آلاف الكيلومترات ومن السهل اختفاء هذه الشاحنات بسهولة ولن تتمكن أي قوة أمنية معرفة أين تم اخفاؤها، بينما حقيقة الأمر أن كل مساحة القطاع ٣٦٠ كلم وتم تدمير ٨٠% منه وما تبقى إما تحت سيطرة جيش الاحتلال أو خيام وبيوت مهدمة تحت سيطرة حماس، بمعنى أن الشاحنات تذهب لجهة معروفة للاحتلال ولحماس ولغالبية الناس.
والسؤال هل ما يجري سرقة بالفعل للمساعدات من طرف جهة مجهولة البعض يقول إنها حماس وآخرون يقولون إنها عصابات تابعة للعائلات الكبيرة؟ أم بالإضافة إلى ذلك تغيير فقط في جهة الاستلام؟
ولتوضيح الأمر فإن الجهة المسموح لها إدخال ما تسمى مساعدات مفروض أن توزع بالمجان على السكان هي المؤسسات الأجنبية المرخص لها رسمياً والمسموح لها بالتنسيق مع الاحتلال وهي بحدود 25 مؤسسة، بالإضافة إلى ما يسمح به الاحتلال من دخول مساعدات محدودة من السلطة الفلسطينية وهذه أيضا عبر المؤسسات الدولية لأن الاحتلال لا يسمح للسلطة بإدخال مساعدات بشكل مباشر.
أهم المؤسسات والجمعيات الدولية المسموح لها بإدخال المساعدات بالتنسيق مع دولة الاحتلال: الأونروا، وبرنامج الغذاء العالمي، الاوتشاOCHA ، مؤسسة أنيرا ANERA، مؤسسة رحمة حول العالم / أمريكية، اللجنة الدولية للصليب الأحمر ICRC، اليونيسف / Unicef، المطبخ المركزي العالمي ،جمعية إغاثة أطفال فلسطين PCRF، الاغاثة الكاثوليكية CRS مؤسسة Oxfam
ومسموح لهذه المؤسسات إدخال ما بين ٢٠ و٢٥ شاحنة أسبوعياً محملة بمساعدات تم تحصيلها من متبرعين سواء كانوا دولاً أو مؤسسات مجتمع مدني أو أشخاص، والمفروض توزيعها بالمجان على المحتاجين وهم غالبية سكان القطاع.
ولكن الذي يحدث أحيانا أن بعض الفاسدين العاملين في هذه المؤسسات وغالبيتهم يحملون جنسيات غير فلسطينية، مثل العاملين في مؤسسة رخمة الأمريكية، يقومون ببيع التنسيقات التي يمنحها لهم العدو لتجار معروفين وفاسدين في القطاع، وأسماء هؤلاء وحساباتهم البنكية معروفة لدى السلطة الفلسطينية، بمبالغ باهظة تصل أحياناً ٥٠٠ ألف شيكل للشاحنة مما يتسبب بهذا الارتفاع الكبير في الأسعار، وعملية بيع التنسيقات تتم بتوافق ثلاثة أطراف: المسؤولون في المؤسسات الدولية، وجهات أمنية إسرائيلية، وتجار فاسدون من غزة.
وهكذا عند دخول الشاحنات لغزة يقوم مسلحون تابعون للتجار الذين اشتروا البضائع من المؤسسات الدولية واقتياد الشاحنات إلى مخازنهم،
وحركة حماس تؤمن لهم العملية بمقابل مادي، كما تقوم بدورها بالاستيلاء على بعض الشاحنات لتوزيع محتوياتها على مناصريها ولتوفير المال اللازم لعناصرها، مما يؤدي لارتفاع الأسعار، والخطورة لا تقتصر على ارتفاع الأسعار فقط بل أيضا إدخال أطعمة فاسدة لغياب الرقابة كما جرى مؤخرا من تسمم بسبب الدجاج الفاسد.
والسؤال أيضاً أين وزارة الداخلية ووزارة التنمية الاجتماعية في رام الله مما يجري، فالأولى هي المُشرفة على تسجيل المؤسسات الأجنبية جمعيات غير ربحية ويفترض أن تراقب أنشطتها وتتدخل عندما تصلها معلومات بوجود فساد أو خروج هذه المؤسسات عن وظيفتها التي أخذت الترخيص على أساسها أما وزارة التنمية فلها موظفوها في القطاع ويفترض أن يراقبوا وينسقوا مع المؤسسات الأجنبية لتوزيع المساعدات بعدالة بحيث تذهب لمستحقيها.
مع أن وزارة التنمية الاجتماعية والسلطة الفلسطينية باشروا باتخاذ خطوات تجاه هذه المؤسسات المسؤولة عن الفساد إلا أن هناك تقصير وأحيانا اتهامات بمشاركة بعض موظفي وزارة التنمية في الفساد سواء قبل دخول المساعدات أو عند توزيعها في القطاع.،، ومع علمنا بعدم سماح حركة حماس لموظفي السلطة بالعمل بحرية في القطاع وسيطرتها على ما يتم إدخاله من مساعدات من السلطة إلا أن هناك ما يمكن عمله في مواجهة فساد المؤسسات والجمعيات والتجار الذين لهم حسابات في البنوك الفلسطينية، وأسماء هؤلاء معروفة حتى الذين يحملون جنسيات أخرى غير فلسطينية ومنهم موظفون في مؤسسة رحمة الأمريكية، كما هناك تقصير إعلامي في فضح ما يجري في هذا الشأن ولا ندري إن كان بسبب نقص المعلومات أو خوفا من أن يؤدي تدخلها لوقف عمل هذه المؤسسات وبالتالي تحميل السلطة الفلسطينية المسؤولية.
للأسف فإن الفساد في المؤسسات الدولية الحكومية و غير الحكومية موجود وقد تم فتح تحقيقات داخل الأمم المتحدة حول فساد هذه المؤسسات في مختلف مناطق عملها في أفريقيا وآسيا وغيرها من المناطق وخصوصا في مناطق النزاعات حيث تكون الدولة وأجهزتها الرقابية ضعيفة، وغالبا ما يكون الفساد في المؤسسات الدولية غير الحكومية المنتمية إلى ما يسمى (انجيؤز NGO) أكبر مما هو عند المؤسسات الدولية ، وهو فساد يمتد حتى الأنجيؤز المحلي.
ومن جهة أخرى عندما تفشل، حكومة حماس وكل الأحزاب والفصائل ومؤسسات المجتمع المدني والعشائر والعائلات والشخصيات الوطنية والاعتبارية المتواجدة في قطاع غزة، ليس فقط في حماية الشعب من الموت والجوع والدمار الذي يسببه العدو المجرم بل تفشل أيضا في حماية المساعدات الدولية، من طحين ودواء ووقود، من العصابات المزعومة، في هذه الحالة كيف لنفس هذه الكيانات أن تطالب بتشكيل حكومة أو إدارة أو لجنة إسناد لإدارة غزة؟
Ibrahemibrach1@gmail.com--