الاحتلال يحوّل جريمة الاعتقال الإداري إلى حكم يشبه السجن المؤبد

الإثنين 06 يناير 2025 05:13 م / بتوقيت القدس +2GMT
الاحتلال يحوّل جريمة الاعتقال الإداري إلى حكم يشبه السجن المؤبد



رام الله/سما/

قال نادي الأسير الفلسطينيّ، اليوم الاثنين، إنّ "منظومة الاحتلال الإسرائيليّ حوّلت جريمة الاعتقال الإداري إلى أشبه ما يكون بحكم بالسجن المؤبد، من خلال سرقة أعمار الآلاف تحت ذريعة وجود (ملف سرّي) وإبقاء المعتقل رهناً لهذه الجريمة إلى ما لا نهاية". ووفق بيان لنادي الأسير الفلسطيني، فقد شكّلت قضية المعتقلين الإداريين أبرز التحولات التي رافقت الحرب المتواصلة على الشعب الفلسطيني، بعدما وصل عددهم حتى بداية شهر يناير/كانون الثاني 2025 إلى 3376، من بينهم نحو 95 طفلاً و22 أسيرة، وهذه النسبة تشكّل ما نسبته 32%، من إجمالي عدد الأسرى في سجون الاحتلال، والبالغ عددهم أكثر من 10400.

تصاعد الاعتقال الإداري
وذكر نادي الأسير أنّ هذه النسبة هي الأعلى تاريخياً، استناداً لعمليات الرصد والتوثيق المتوفرة لدى المؤسسات الحقوقية، علماً أنّ عدد المعتقلين الإداريين بدأ- فعليا- بالتصاعد منذ ما قبل الحرب على غزة مع وصول حكومة المستوطنين الأكثر تطرفاً إلى سدة الحكم، واستمر التصاعد حتى وصل إلى ذروته اليوم، هذا ويشير إلى أنّ عددهم بلغ قبل الحرب 1320 معتقلا. وكما كل الأسرى في سجون الاحتلال، يتعرض المعتقلون الإداريون لجرائم ممنهجة وعمليات تعذيب، وتجويع، وجرائم طبيّة، أدت إلى استشهاد عدد منهم، ومن بين الشهداء الذين ارتقوا منذ بدء الحرب، وعددهم 54، وهم فقط المعلومة هوياتهم، أربعة شهداء كانوا رهن الاعتقال الإداريّ، وهم عمر دراغمة، وسميح عليوي، ومحمد الصبار، ومصطفى أبو عرة؛ فلم يكتف الاحتلال باعتقالهم إدارياً، بل عمل على إعدامهم بشكل ممنهج، لتشكل هذه الجريمة جريمة مركبة، وممنهجة بحقّهم مع استمرار احتجاز جثامينهم.

وبالعودة إلى السياق التاريخي، أكد نادي الأسير أنّ سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ احتلالها لفلسطين استخدمت جريمة الاعتقال الإداري التعسفيّ دون تقديم تهم أو محاكمة استنادًا إلى ما تسميه "بالملف السري"، ولا يسمح للمعتقل أو محاميه بالاطلاع على الملف.

وحسب الأوامر العسكرية الإسرائيلية، فإنه يمكن تجديد أمر الاعتقال الإداري مرات غير محدودة، حيث يتم استصدار أمر اعتقال إداري لفترة أقصاها ستة أشهر غالبًا ما يتم تجديدها، ويطاول الاعتقال الإداري كل شرائح وفئات الشعب الفلسطيني من طلبة الجامعات، وصحافيين، ونساء، ونواب سابقين في المجلس التشريعي، ونشطاء حقوق إنسان، وعمال، ومحامين، وأمهات، ومعتقلين سابقين.

وتتزايد حالات الاعتقال الإداري تحديدًا في فترات الهبات والانتفاضات في الأراضي المحتلة، حيث تلجأ سلطات الاحتلال لاستخدام سياسة الاعتقال الإداري أداة للقمع والسيطرة وترهيب الفلسطينيين، ولا تقتصر سلطات الاحتلال على إصدار أوامر اعتقال إداري جديدة، بل في معظم الأحيان تقوم بتجديد أوامر الاعتقال بحق المعتقلين الذين ينهون أوامر اعتقالهم أثناء الهبات والانتفاضات. فخلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى "انتفاضة الحجارة" وصل عدد المعتقلين إدارياً في عام 1989 إلى ما يزيد على 1700 معتقل، أما في الانتفاضة الفلسطينية الثانية وتحديدا في عام 2003، فقد بلغ عدد المعتقلين الإداريين نحو 1140.


وعلى مدار عقود طويلة، نفّذ المعتقلون الإداريون خطوات نضالية، كان أبرزها الإضراب عن الطعام، وشملت الإضرابات (الفردية والجماعية)، إلى جانب خطوات العصيان والتمرد، ومقاطعة المحاكم العسكرية، وكان أبرز هذه الإضرابات الإضراب الجماعي الذي استمر لمدة 62 يوماً.

وفي هذا الإطار، أشار نادي الأسير إلى استمرار التوجه إلى محاكم الاحتلال العسكرية في قضايا الاعتقال الإداري، خاصّة أنّه في الآونة الأخيرة، وكجزء من الجريمة، تتعمد مخابرات الاحتلال إصدار أوامر اعتقال إداري بحقّ المعتقلين الإداريين قبل انتهاء الأمر الحالي بعدة شهور، وفي بعض الأحيان عينت جلسات تثبيت لبعض المعتقلين قبل إصدار الأمر، وهذا لم يحصل تاريخياً كما هو حاصل اليوم.

وقال نادي الأسير: "إنّ المحاكم العسكرية للاحتلال، وكما كانت على مدار عقود طويلة، وكجزء أساس من أدوات الاحتلال التي استخدمها لفرض مزيد من أدوات الرقابة والسيطرة وقمع أبناء شعبنا، وقهرهم ومحاولات اقتلاع الفاعلين منهم، وتقويض أي دور يمكن أن يساهم في سبيل تقرير المصير الفلسطيني؛ استخدمت دورها التاريخي بعد الحرب، وكانت الذراع الأساس في ترسيخ جريمة الاعتقال الإداريّ، والمساهمة في دعم مخابرات الاحتلال في تنفيذ المزيد من عمليات الاعتقال".

وأكد نادي الأسير أن "التوجه إلى محاكم الاحتلال بمستوياتها المختلفة، وتحديدًا في قضية الاعتقال الإداريّ، لا جدوى منه، بل إنه يساهم في إعطاء نوع من (الشرعية) لمحاكم الاحتلال الظالمة". وأشار النادي إلى أنه رغم ذلك، وبناء على رغبة المعتقلين أنفسهم في ظل ما يتعرضون له من عمليات تعذيب وتنكيل وجرائم غير مسبوقة بكثافتها، ورغبة عائلاتهم التي حرمت من التواصل مع أبنائها وحرمانهم من الزيارة، فإن النادي واصل متابعة ملفات المعتقلين الإداريين بهدف إبقاء التواصل بين المحامي والمعتقل في ظل صعوبات كبيرة فرضتها إدارة سجون الاحتلال الإسرائيليّ في زيارة المعتقلين عدا عن تصاعد أعداد المعتقلين.

وقال نادي الأسير: "لقد رفعت المؤسسات صوتها على مدار السنوات الماضية من أجل اتخاذ قرار وطني شامل وجامع لمقاطعة محاكم الاحتلال تدريجيًا، وتحديدًا في التوجه لمتابعة المعتقلين الإداريين، لما له من أبعاد وطنية استراتيجية خطيرة على مصير قضية الأسرى، إلا أنّنا ما زلنا ننظر بعين الأمل لدعم توجهنا على المستوى الوطني من أجل اتخاذ هذه الخطوة الهامة". وأشار النادي إلى أن الأمم المتحدة أصدرت موقفا العام المنصرم، إذ طالبت بحل المحاكم العسكرية للاحتلال، فقد أشار خبراء إلى الكيفية التي ساهم فيها النظام العسكري في السيطرة على الحياة اليومية للفلسطينيين.

وسلط نادي الأسير الضوء على قضية المعتقل الإداري والصحافي نضال أبو عكر، مؤكداً أنها من أبرز الحالات التي تعكس مستوى توحش منظومة الاحتلال في استخدامها لجريمة الاعتقال الإداريّ، حيث يواصل الاحتلال اعتقاله منذ عامين وأربعة أشهر، وقد جدد الاحتلال أمر اعتقاله الإداري أخيرا لمدة أربعة أشهر في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، في آخر يوم من انتهاء أمر اعتقاله الإداري السابق، حيث كانت عائلته تتجهز لاستقباله.

ولفت نادي الأسير الفلسطيني إلى أنّ أبو عكر، البالغ من العمر 56 عاماً، تعرض للاعتقال لأول مرة حين كان عمره 11 عاماً، وفي سنوات الثمانينيات توالت عمليات اعتقاله، حيث أمضى ما مجموعه في سجون الاحتلال الإسرائيليّ نحو 20 عاماً جلّها رهن الاعتقال الإداريّ، وكان الاحتلال قد أعاد اعتقاله الحالي بعد فترة وجيزة من الإفراج عنه من اعتقاله الإداري السابق الذي استمر لمدة عامين. وعلى مدار هذه السنوات، تعرض للتضييق والملاحقة، كما عائلته، واعتقل نجله محمد عدة مرات، هذا عدا عن عمليات التخريب والتدمير التي طاولت منزل العائلة على مدار هذه السنوات من جراء الاقتحامات المتكررة والاعتداءات التي طاولت زوجته وأولاده. ومنذ بدء الحرب تعرض نضال لعمليات تنكيل واعتداءات كما كل الأسرى، واليوم يقبع في سجن (النقب) في ظروف مأساوية وصعبة للغاية.

وأكد نادي الأسير أنّ أبو عكر حرم من مشاركة عائلته من العديد من المناسبات، حيث كان يتعمد الاحتلال اعتقاله إدارياً مع اقتراب أي مناسبة عائلية، وخلال اعتقاله الأخير تزوجت ابنته داليا، وأصبح أبو عكر جداً وهو لا يزال رهن الاعتقال الإداريّ. والصحافي أبو عكر متزوج وله ثلاثة أولاد، ويحمل درجة البكالوريوس في علم الاجتماع من جامعة بيت لحم، وكان يعمل صحافيًا ومعدّا ومقدم برامج إذاعية.