لجنة إسرائيلية تطالب باستنساخ إبادة جباليا في خانيونس والمواصي

الجمعة 03 يناير 2025 10:34 م / بتوقيت القدس +2GMT
لجنة إسرائيلية تطالب باستنساخ إبادة جباليا في خانيونس والمواصي



القدس المحتلة/سما/

لم يسلم شبرٌ واحد في قطاع غزة، وخصوصاً جباليا، من سكة محراث الإبادة، التي أوغلت عميقاً في الأرض فاقتلعت ساكنيها وهجّرتهم، بعدما حاصرتهم وجوّعتهم وعطشتهم، ملقيةً إياهم في خيام تَسَلّم المطر وبرد الشتاء القارس أمر إحالتها إلى الجحيم الذي تصطك فيه الأسنان وترجف فيه الأجساد وتغدو فيه الجلود زرقاء جافة. أمّا الطائرات الحربية الإسرائيلية التي تولّت مهام طحن الأبنية وتفتيتها، وعجن إسمنتها بلحم قاطنيها بالحمم المقذوفة من السماء، فتغلّبت بدورها على المشاهد التي أنتجها المخيال الإنساني للتسلية عبر ألعاب العنف الإلكترونية...

العملية البرية لم تؤدِ لهزيمة حماس
لكن كل هذه الكارثة لم تُقنع صنّاع القرار في إسرائيل؛ حيث وَقّع ثمانية من أعضاء لجنة الخارجية والأمن في الكنيست االخميس على وثيقة اعتبروا فيها، وفقاً لما كشفته "يسرائيل هيوم"، أن "العملية البرية التي بدأت في أكتوبر لم تؤدِ إلى هزيمة حماس"، زاعمين أنه "نُقحمُ جنودنا مرّة تلو مرة في الأماكن التي تم تطهيرها، وندفع ثمن ذلك بالدماء". وطالبوا بـ"نزع سلاح غزة وفرض حكم عسكري من أجل القضاء على حماس سلطوياً".

وثيقة الأعضاء الثمانية، والتي تمثّل غالبية الكُتل في الائتلاف الإسرائيلي الحاكم، تأتي في خضم الجهود المبذولة للتوصل إلى صفقة بين إسرائيل وحماس، وعقب تقرير قُدّم للجنة في اجتماعها الأخير ادُّعي فيه أن الحركة "نجحت سريعاً في إعادة بناء قدراتها في جميع المناطق التي خرج منها الجيش، وضمن ذلك قدراتها التسليحية، خصوصاً في مناطق المواصي وخانيونس". الوثيقة الموقعة بادر إلى صياغتها عضو الكنيست عميت حداد من حزب "الليكود"، وتضمنت انتقاداً حاداً لإدارة الحرب ومطالبة من وزير الأمن نفسه، يسرائيل كاتس، بتغيير الخطة العملياتية باعتبارها تفضي إلى "التوحّل"، واستبدالها بتعريف عضو الكنيست هليفي، بـ"النصر والحسم".

أعضاء لجنة الخارجية والأمن الذين يتابعون بشكل وثيق العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش منذ بدء المناورة البرية زعموا أن هذه الأخيرة، والتي بدأت في 27 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، والطريقة التي تنفذ فيها ميدانياً "لا تحقق أهداف الحرب التي حددها المستوى السياسي، وهي تقويض القدرات السلطوية والعسكرية لحماس"، وأشاروا إلى أن طريقة إدارة الحرب التي ينتقدونها "مستمرة حتّى الآن على الرغم من أنها تدور في مساحة (جغرافية) صغيرة، وضد عدوٍ لا يمتلك قدرات وأدوات جيش حديث". 

وعلى الرغم من أن المستوى العسكري حدد عقب مناورته البرية الغزوات الموضعية باعتبارها طريقة لتقويض قدرات حماس عسكرياً، رأى الموقعون أن ما تقدم "يُمكّن حماس مرّة بعد أخرى من إعادة تأهيل قدراتها، ما يحوّل الحرب إلى حرب استنزاف، والطرف المستنزف فيها هو الجيش الإسرائيلي، دون أن يُقرّب ذلك من هزيمة الحركة".

استنساخ نموذج جباليا في خانيونس والمواصي
إلى جانب هليفي، وقع على الوثيقة أعضاء الكنيست تسيفي سكوت وأوهِد طال (من الصهيونية الدينية)، وأريئيل كلنر، أُوشر شكليم، نيسيم فاتوري (من الليكود) وآخرون. وفعلياً، فإن المُوقعين يطالبون باستنساخ "خطة الجنرالات" التي طبقت أساساً في بيت لاهيا وبيت حانون وجباليا شمال القطاع عبر محاصرته وتهجير السكان بالعنف والقوّة، على كل من خانيونس والمواصي، بطريقة تفضي لفرض سيطرة فعلية على الجغرافية والسكان.

وطبقاً لادعاء الموقعين، فإنه "بهذه الطريقة بالإمكان تطهير القطاع من العدو، والسعي نحو إحقاق هزيمة حماس والانتصار عليها، وليس التوحل وحرب استنزاف". وأظهرت الوثيقة أنّ أعضاء لجنة الخارجية والأمن يقرّون بأنّ الجنود في غزة يُقتلون "دون جدوى"، إذ قال هؤلاء إنه "نُقحم جنودنا في الحارات والأزقة التي سبق وأن احتلوها مرات عدة، وفي الأماكن التي أعلن قادة الجيش مراراً أن كتائب حماس فيها تفككت وتقوضت وباتت مطهرة. وفي هذه الأماكن نفسها نحن ندفع الثمن بالدماء وبطريقة لا تطاق".

وعلى خلفية ما تقدّم، فإن هؤلاء طالبوا كاتس بأن يبحث مجدداً مع رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الخطة العملياتية من جديد، وأن يدفع نحو تطبيق "خطة الجنرالات" بهدف تحقيق هزيمة حماس في كل مكان على الجيش الدخول إليه. وبحسب الصحيفة، فإن المطالبة ستنفذ على النحو التالي: "محاصرة السكان وإخلاؤهم، وبعد ذلك قصف كل مصادر الطاقة (الوقود، والألواح الشمسية وغيرها) وتدمير جميع مصادر الغذاء ومعظم المخازن، إضافة إلى خزّانات المياه وكل أداة أخرى (تخدم الفلسطينيين في البقاء على قيد الحياة)، واغتيال كل من يبقى في داخل المنطقة ولا يخرج رافعاً العلم الأبيض". وكما تضيف فإنه "فقط بعد هذه العمليات وإطباق الحصار على من تبقى، سيدخل الجيش ليشرع بتطهير شامل لمخابئ العدو ومقرّاته، بطريقة لا تعود فيها الأمر يُشكل خطراً على حياة الجنود".

مخاطرة بالجنود؟
وفي الإطار، لفتت الصحيفة إلى أن لجنة الخارجية والأمن هي الجهة الفعلية المسؤولة عن الرقابة على الجيش وأجهزة الأمن عموماً، وضمان تنفيذ الأخيرين مخططات الحرب وتحقيق الأهداف المُحددة لها. وتُقدم لها إحاطة أمنية أسبوعياً حول تقدم القوات والإنجازات المحققة في الميدان، وأحياناً تتلقى اللجنة- وأعضاء اللجنة البديلة منها- معلومات دقيقة أكثر من تلك التي يتلقاها أعضاء المجلس الوزاري للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينت)، والذين يجتمعون لمناقشة إجراءات معينة، واتخاذ قرارات فيها.

وعلى هذا الأساس، فإن كاتس، الذي أظهر حتّى الآن تباينا واضحاً مع رئيس الأركان هرتسي هليفي، بات مطالباً، وفق الصحيفة، باتخاذ قرارات مصيرية وأهم من جميع القرارات العملياتية في غزة، والتي قادها نتنياهو وسلفه في منصب وزير الأمن يوآف غالانت.

حقيقة أن الحرب في غزة استمرت أكثر من سنة "دون تحقيق أهدافها"، كما تقر الصحيفة، تُغير أنظار الكثيرين تجاهها؛ ومن ضمنهم أهالي الجنود، وعائلات مختطفين، ومستوطنو "غلاف غزة". وإثر ذلك، طالما وجه هؤلاء أسئلة لأعضاء الخارجية والأمن، طالبوا فيها بإجابات توضيحية بشأن الطريقة التي تُدار بها الحرب. وبحسب ما تكشف عنه الوثيقة، فإن هذه الأسئلة التي ينقلها أعضاء اللجنة بدورهم إلى ممثلي الجيش في اللجنة ذاتها "لم تُجب من قبل الأخيرين؛ إذ لم يوضح هؤلاء لماذا لا يعمل الجيش على إخضاع العدو وما هي خططه المستقبلية حيال ذلك". وبالتالي طالبت الوثيقة كاتس بـ"التدخل العاجل والإجابة عن الأسئلة ومنح الجيش التعليمات اللازمة للقضاء على حماس والتوقّف عن المخاطرة بجنودنا دون أي مبرر".