في تقرير نشرته صحيفة “الغارديان” وأعده كريس ماغريل قال إنه عندما نشر الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، الذي توفي عن عمر مئة عام كتابه “فلسطين: سلام لا أبارتهايد” (2006) والذي أصبح من الكتب الأكثر مبيعا في الولايات المتحدة وشبه فيه إسرائيل واحتلالها للأراضي الفلسطينية، بنظام جنوب أفريقيا العنصري، اصطف اليهود الأمريكيون المعروفون بشجبه واتهامه بالتعصب ضد اليهود ولم يتورع بعضهم عن وصفه بمعاداة السامية.
وقال أبي فوكسمان، مدير رابطة مكافحة التشهير إن الرئيس الأسبق هو “متعصب”، أما ديبورا لابستاد، مبعوثة جو بايدن الحالية الخاصة ضد معاداة السامية، فقد اتهمت كارتر بأنه يعاني من “مشكلة يهودية”. أما المحامي في القانون الدستوري ألان ديرشوفيتز، والمناصر القوي لإسرائيل فقد قال إن كارتر أراد إيذاء إسرائيل واليهود. وكتب قائلا: “يبدو أن حساسيات جيمي كارتر تعاني من ثقوب عندما يتعلق الأمر باليهود، وهناك مصطلح لوصف هذا”، يعني معاداة السامية. ولكن آخرين لم يحاولوا التحايل على الوصف وأطلقوا عليه لقب معاداة السامية.
إلا أن كتابه وبعد عقدين كان دقيقا في تنبؤاته، في ظل اتهام ساسة إسرائيليين بارزين ومنظمات حقوق إنسان إسرائيلية، إسرائيل بفرض نظام فصل عنصري على الفلسطينيين وخرق القانون الدولي.
ومع انتشار الأخبار عن دخول كارتر مأوى للعجزة بداية هذا العام، خرجت دعوات تطالب من انتقدوه واتهموه بالاعتذار عن الإساءة، وهو ما دفع أحد المنتقدين على الأقل إلى الاعتراف بهذا.
ومن بين الغاضبين على كتاب كارتر في عام 2006 أعضاء مؤسسة الرئيس السابق، التي بنت سمعة دولية لعملها في مجال حقوق الإنسان وتخفيف المعاناة عن المحتاجين في أنحاء العالم.
فقد قاد ستيف بيرمان استقالة جماعية من مجلس مستشاري مركز كارتر في ذلك الوقت. وكشف بيرمان في بداية العام من أنه كتب إلى كارتر معتذرا له وقال إن الرئيس السابق كان محقا في تحليله.
وقال بيرمان في رسالته إلى كارتر: “بدأت أنظر إلى احتلال إسرائيل للفلسطينيين باعتباره شيئا بدأ في عام 1967 كحادث لكنه أصبح الآن مشروعا بنوايا استعمارية”.
وقبل وقت قصير من وفاة كارتر، قال بيتر بينارت، الذي يوصف بأنه “الصهيوني الليبرالي الأكثر نفوذا في جيله”، إن الوقت قد حان لكي يعتذر منتقدو الرئيس السابق عن “الطريقة المخزية التي استقبل بها العديد من الأشخاص المهمين الكتاب”.
وذكر بينارت فوكسمان ولابستاد من بين الأشخاص الذين “هاجموا وشهروا” بكارتر، رغم أنه كان الوسيط في اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1978.
وقال بينارت: “أعتقد أنه سيكون مهما لو اعتذر هؤلاء الناس لكارتر”. وأضاف: “إن القدرة على الاعتراف بأنك كنت مخطئا، وأن بعض الحقائق أصبحت واضحة، أعتقد أن ما قاله كارتر في عام 2006 كان متقدما حقا عن عصره، وأن كارتر لم يكن على حق فحسب، بل وأبدى قدرا غير عادي من الشجاعة السياسية”.
وفي عام 2021 قال كاي بيرد، في سيرة ذاتية عن أيام كارتر في البيت الأبيض إن اتهامات معاداة السامية كانت “فضيحة”، لكنه قال إنها لا تزال قائمة لأنه كان أول رئيس يتحدث عن الحاجة إلى “وطن فلسطيني” ولأنه ضغط على إسرائيل بشأن محادثات السلام مع مصر.
وكتب بيرد في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية أن “قرار الرئيس السابق باستخدام كلمة “أبارتهايد” لم يعد على ما يبدو مبالغا فيه، بل وكانت وصفا للواقع على الأرض في الضفة الغربية المحتلة. ولا أعتقد أن كارتر لديه مشكلة مع اليهود، بل على العكس، فالمؤسسة الأمريكية اليهودية لديها مشكلة مع جيمي كارتر”.
وقال بينارت، وهو يهودي أرثوذكسي، هاجر والداه من جنوب أفريقيا إن حلفاء كارتر السياسيين أداروا ظهورهم له. وقال “لقد رماه القادة البارزون في الحزب الديمقراطي تحت عجلات الحافلة”، ومنهم نانسي بيلوسي، التي أصبحت رئيسة مجلس النواب والتي قالت إن كارتر “لا يتحدث نيابة عن الحزب الديمقراطي عندما يتعلق الأمر بإسرائيل”.
وهاجم الإعلام كارتر أيضا، وكتب محرر مجلة “ذي نيوريبابليك” مارتن بيريتز، وهو مؤيد متحمس لإسرائيل، والذي تعرض منذ ذلك الحين لاتهامات بالتعصب بعد أن وصف المجتمع العربي بأنه “متخلف” وقوله إن “حياة المسلمين رخيصة”، أن كارتر “سيسجل في التاريخ باعتباره كارها لليهود”. وفي مراجعة للكتاب نشرت في صحيفة “واشنطن بوست”، اتهم الكاتب جيفري غولدبرج كارتر بـ”العداء لإسرائيل” لأنه، جزئيا، فشل في إدراك أن البلاد “ترغب بشدة في التخلي عن الجزء الأكبر من مستوطناتها في الضفة الغربية”، وبعد سبعة عشر عاما لا تزال المستوطنات قائمة وتتوسع.
وقد لاحظ كارتر نفسه أنه تم استبعاد الأصوات الفلسطينية وإلى حد كبير من المناقشة حول كتابه. وقال بينارت إن العديد من المراجعات في المنشورات الرائدة كانت من قبل يهود أمريكيين بينما لم يتمكن من العثور على أي منها من قبل فلسطيني. وقد نقلت مقالة في صحيفة “نيويورك تايمز” حول ردود الفعل على الكتاب عن منظمات مؤيدة لإسرائيل تهاجم دوافع كارتر، لكنها لم تتضمن وجهة نظر واحدة من فلسطيني.
وبعد أشهر من نشر كتابه، تحدث كارتر لصحيفة “أوبزيرفر” في بريطانيا قائلا إنه لم يندم على وصف الاحتلال بالأبارتهايد، وقال إن “هذه الكلمة هي الأكثر دقة لوصف فلسطين. فالفصل العنصري هو عندما يعيش شخصان مختلفان على نفس الأرض، ويخضعان للفصل العنصري بالقوة، ويسيطر أحدهما على الآخر أو يضطهد الآخر. وهذا ما يحدث في فلسطين: لذا فإن الكلمة دقيقة جدا. وهي تستخدم على نطاق واسع، وكل يوم، في إسرائيل”.
ومع تدهور صحة الرئيس السابق وانسحابه من المشهد العام، أثارت مؤسسته، مركز كارتر، غضب العديد من الإسرائيليين عندما دعت إلى وقف إطلاق النار بعد أيام من هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر، مستشهدة بخطابه الذي ألقاه في حفل جائزة نوبل للسلام عام 2002: “لن نتعلم كيف نعيش معا في سلام من خلال قتل أطفال بعضنا البعض”.
وحذر مركز كارتر من أن العقاب الجماعي وقتل المدنيين هو مخالف للقانون الدولي، وهو تحذير يبدو دقيقا بعدما وجهت محكمة الجنايات الدولية اتهامات لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يواف غالانت تهما بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في غزة إلى جانب القائد العسكري لحماس، محمد الضيف.