نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” افتتاحية قالت فيها إن إسرائيل حققت أهدافها العسكرية، ولكنها لن تحصل على الأمن بدون سلام.
وقالت الصحيفة إن رئيس الوزراء الإسرائيلي تباهى، في أيلول/سبتمبر، وبعد ساعات من رفضه خطة أمريكية لوقف القتال مع “حزب الله” يستمر لمدة 21 يوماً، بأنه يقوم بتغيير ميزان القوة بالمنطقة ولسنوات قادمة.
وكان المسؤول الإسرائيلي قد أمر باغتيال زعيم “حزب الله”، حسن نصر الله، مشيراً إلى أن إسرائيل حولت انتباهها من أرض الخراب في غزة وتكثيف حملتها العسكرية ضد الجماعة اللبنانية المسلحة.
ومع نهاية العام، فإن ديناميات الشرق الأوسط انحرفت وبدون مساءلة لصالح إسرائيل. فالقصف الإسرائيلي المستمر ضد “حزب الله” أجبره على اتفاق وقف إطلاق النار منح إسرائيل الحق في مواصلة ضرب لبنان.
وتبدو إيران في أضعف حالاتها منذ سنين. ويبدو “محور المقاومة” الذي يضم “حزب الله” و”حماس” كأنه نمر من ورق.
وفي تشرين الأول/أكتوبر، دمرت إسرائيل معظم الدفاعات الجوية للجمهورية الإسلامية، في أكبر هجوم على إيران منذ عقود. وعانت الجمهورية الإسلامية من نكسة مدمرة أخرى، هذا الشهر، عندما أطاحت المعارضة المسلحة بالديكتاتور بشار الأسد الذي دعمته خلال الحرب الأهلية. وقد تم سحب حوالي 4,000 إيراني من البلد، حيث خسرت إيران دولة حليفة مهمة في الشرق الأوسط ورابطة حيوية لإمدادات “حزب الله”، أحد أهم جماعاتها الوكيلة بالمنطقة.
وتقول الصحيفة إن إسرائيل قد لا تكون لها يد مباشرة في انهيار الأسد، لكن دكّها للأهداف الإيرانية في سوريا وإضعافها لـ “حزب الله” ساعد في انهيار النظام وسهّل طريق المعارضة إلى دمشق.
وتقول الصحيفة إن مستوى التفوق العسكري الإسرائيلي على خصومها بدا واضحاً منذ الفشل الاستخباراتي في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وتصاعدت حظوظ بنيامين نتنياهو بالترادف مع الإنجازات العسكرية. ويبدو متمكناً وتحالفه اليميني المتطرف، حيث عادت شعبيته إلى مستويات ما قبل تشرين الأول/أكتوبر. إلا أن إنجازات إسرائيل في ساحة المعركة جاءت بثمن باهظ وستظل تتقيح على مدى السنوات القادمة.
ولن يحزن أحد على نهاية الأسد ونظامه الوحشي، ولا على ضعف إيران وجماعاتها الوكيلة. إلا أن نجاح إسرائيل العسكري سيظل ملطخاً وللأبد بالمعاناة التي لا يمكن وصفها نتيجة حملتها العسكرية التي تسببت بها لسكان غزة ولبنان.
وتواجه إسرائيل اتهامات متزايدة بارتكاب إبادة جماعية في غزة، بما فيها قضية مرفوعة أمام “محكمة العدل الدولية”، وفي تقارير مفصلة لمنظمتي أمنستي إنترناشونال وهيومن رايتس ووتش، وبين الدول العربية، بما فيها السعودية التي يقوم نتنياهو بمغازلتها.
وليست الحصيلة للقتلى التي تغذي هذه الاتهامات، حيث وصل عدد الضحايا في غزة إلى أكثر من 45,000 شخص، فقط، ولكن أيضاً الحصار الذي فرضته إسرائيل على 2.3 مليون فلسطيني في غزة، وتقييد وصول المساعدات الإنسانية والمياه وتدمير البنى المدنية، بشكل جعل معظم القطاع منطقة غير صالحة للعيش.
وفي مذكرتها للقبض على نتنياهو، قالت “محكمة الجنايات الدولية” إن هناك “أرضية معقولة” للاعتقاد بأنه يتحمل مسؤولية جنائية عن “جريمة التجويع كوسيلة للحرب وأفعال لا إنسانية أخرى”.
وتقول الصحيفة إن حرب إسرائيل وحصارها لغزة ليست لطخة في جبين إسرائيل فحسب، ولكن في وجه الولايات المتحدة التي سمحت لنتنياهو بالتصرف بطريقة لا إنسانية.
وتعلق الصحيفة أنه لا مفر أمام نتنياهو، ولا مبرر لديه، بعد تدمير قدرات “حماس” العسكرية وتحييد التهديدات الإقليمية، إلا وقف النزاع والموافقة على صفقة للإفراج عما تبقى من الأسرى لدى “حماس”.
ولكن يبدو أنه وحلفاءه من اليمين المتطرف عازمون، بدلاً من ذلك، على احتلال المزيد من الأراضي على جبهات مختلفة وإبقاء إسرائيل في حالة صراع دائم.
وفي نهاية المطاف، لا يمكن ضمان أمن إسرائيل إلا بالسلام، ولم تكن إسرائيل في وضع أقوى من أي وقت مضى لتحقيق هذه الغاية، لو كان نتنياهو قادراً على رؤية ذلك.