سمع رئيس مصر حسني مبارك هذا الاسبوع مصمما، في خطبة في القاهرة احتفالا بـ "يوم الشرطي". فقد بين انه ينوي الاستمرار على بناء "الجدار الحديدي" – القناة العميقة التي تغرس فيها ألواحا معدنية والتي يحفرها المسلمون على حدود سيناء مع قطاع غزة – لسد الانفاق، التي هي شريان حياة المنطقة التي تسيطر عليها حماس. ترى مصر وقف التهريب من طريق الانفاق خطوة حيوية، تمنع تسرب نشطاء ارهاب اسلاميين من غزة الى سيناء ومن هناك الى قلب الدولة. تتابع الاستخبارات المصرية بقلق الصلة التي تقوى بين حماس (وحزب الله) وايران، وترى القاهرة في نشطاء الارهاب هؤلاء محاولة طهران في الاساس الاخلال باستقرار سلطتها. حماس من جهتها غاضبة على القاهرة وترى اقامة الحاجز تهديدا استراتيجيا لسلطتها في القطاع. من السخرية الشديدة انه يبدو ان القرار المصري على العمل بتصميم شديد الى هذا الحد، يمكن ان ننسبه بخاصة الى حلفاء حماس من حزب الله. فاعتقال نحو من خمسين من اعضاء منظمة الشيعية على ارض مصر، بريبة انهم خططوا لعمليات داخلها، دفع الجهد الحالي – الى جنب ضغط امريكي – لسد "محور فيلادلفيا". لكن في مقابلة الاعمال المصرية، ما تزال صناعة الانفاق مزهرة، برعاية حكومة حماس. في جميع ساعات النهار ينشىء عمال فلسطينيون أنفاقا جديدة ويرممون الانفاق الموجودة. هذا واحد من الفروع الاقتصادية الكبرى في القطاع ان لم يكن اكبرها. كل نفق يحتاج الى الحصول الى رخصة استعمال من بلدية رفح ومن حكومة حماس. ولا يحفر أكثرها بالخفاء بل علنا. في زيارة الى جنوبي القطاع قبل نحو من اسبوعين، كان صعبا ألا نرى الانفاق. فعلى امتداد عشرات الكيلومترات من حدود سيناء مع غزة، تنتشر اغطية بيضاء من النايلون، تحمي منافذها من حالة الجو. لا توجد صعوبة حقيقة في الوصول الى واحد من مراكز الانفاق وهو مخيم لاجئي السلام في رفح. يمكن في كل وقت تقريبا ان نجد هناك سائقي شاحنات وعاملين وتجارا. يقوم عن جانبي الحدود رجال قوات الامن: في الجانب الغزي افراد شرطة حماس، الذين يراقبون ما يجري من مواقع حراسة؛ وفي رفح المصرية افراد شرطة حرس الحدود، وهم أقل انشغالا بمراقبة بناء الانفاق واكثر انشغالا بحراسة اعمال البناء التي ترمي الى وقفها. ساعد ثلاثة من شرطة حماس مبعوثة صحيفة "هآرتس" على تسلق واحد من مواقع المراقبة لمراقبة ما يجري. كان يمكن من أعلى ان نرى في الجانب الغزي من الحدود طريقا ترابية، عن جانبيها نحو من مائة غطاء أبيض. عند منفذ احد الانفاق وقف شاب في نحو العشرين من عمره. ليس الحديث عن منفذ بئر مرتجلة، بل عن مدخل خطط له بحرص ربما على يدي مهندس. صورة البناء مذهلة بل انها جميلة: فحجر يوضع على حجر مثل الفسيفساء تقريبا. اقترح الشاب ان يرينا النفق وكان الشعور بأنه لا يوجد خطر من جولة في الموقع لان جهدا كبيرا بذل في بنائه. تحدث عاملان وقفا عند مدخل النفق بأجهزة اتصال مع رفيقين مكثا داخله، وأبلغا عن ان زوارا يوشكون ان ينزلوا الى أسفل. يعمل حامل مربوط الى عجل مصعدا ها هنا. يمكن تخمين ان الحامل الذي ينزل الصحفيين، يستعمل ايضا لرفع وسائل قتالية ولنقل أناس حماس ا لى قطاع غزة ومنه في طريقهم الى سيناء او الى معسكرات تدريب حزب الله وايران. كان في أسفل فلسطيني مزود بجهاز اتصال، عمل في صيانة الحبال الكهربائية التي يضيئون النفق بها على طوله. ليس النفق ضيقا او صغيرا. يمكن ان تقف في اكثر اجزائه منتصبا وسعته نحو من متر ونصف. زمن المشي في اتجاه مصر، لا يشعر بعدم ارتياح او ضغط او خوف من الانهيار. فالجدران صخرية غير رملية. لا شك في ان من حفرها استعمل ادوات ثقيلة بل ربما استعمل مواد متفجرة. في نقطة ما قال المرافقون الفلسطينيون اننا اجتزنا حدود مصر وعندها بدأنا العودة الى جانب غزة. يستعمل النفق ايضا لنقل سلع ومنتوجات الى القطاع، يحملونها بعجلة صغيرة مربوطة الى حبل. في تلك الساعات لم تنقل سلع بسبب أعمال الصيانة في النفق، لكن في الايام المعتادة، تنقل السلع المهربة من الفور الى السوق الخاصة التي تعمل في مركز رفح الفلسطيني. عرف مخيم اللاجئين السلام، كسائر احياء رفح المجاورة للحدود، معارك شديدة في السنين التي سيطر فيها الجيش الاسرائيلي على محور فيلادلفيا. ما تزال توجد فيه مبان مهدومة ويسود فقر واهمال. اعتبرت منطقة رفح في الماضي فقيرة في القطاع، لكن صناعة الانفاق حسنت الوضع الاقتصادي هناك و "انتقل" الفقر الى الشمال الى البلدات التي تحادّ اسرائيل. احدى خصائص النماء في رفح هي السوق حيث تعرض للبيع السلع التي هربت في الانفاق. على مبعدة أقل من كيلومتر عن الحدود، يمكن شراء كل شيء تقريبا – الطعام والملابس والثلاجات بل الدراجات النارية. غير بعيد من هناك، تحمل السلع "المستوردة" في شاحنات، تنقلها الى سائر اجزاء القطاع. الى جنب بسط ملفوفة واسماك سلمون حية، تحمل في الحاويات ايضا كميات كبيرة من الوقود الذي يحتاجه سكان القطاع بسبب القيود التي فرضتها اسرائيل. يبدو الحصار ها هنا اكثر سخفا مما كان دائما. في مخيم لاجئين مجاور، البرازيل، يمكن ان نرى ظاهرة لا تحبها سلطات حماس كثيرا: فثمة انفاق "غير قانونية"، تستعمل لتهريب سلع لا تريدها الحكومة – مثل مخدرات ونشطاء منظمات متطرفة من أنصار الجهاد العالمي. يقوم احد هذه الانفاق في مبنى مهدوم مجاور للحدود. لا يمكن ان يرى من الخارج ويلحظ انه قد أنفق في بنائه موارد أقل قياسا بنفق "قانوني". قال احد العمال في النفق واسمه فايز انه كان في الماضي صاحب مصنع ملابس في المنطقة الصناعية ايرز، باع اسرائيل منتوجاته. بعد اغلاق المصنع وجد مصدر رزقه ها هنا. وقال "نحن نعمل كلما احتاج الامر هذه حياتنا. نفعل كل شيء من اجل البقاء".