نشرت صحيفة “الغارديان” تقريرا لمراسلها الدولي جوليان بورغر، قال فيه إن مذكرة المحكمة الجنائية الدولية التي صدرت يوم الخميس لاعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، هي وصمة عار لن يتمكن من تجاهلها.
وقال الكاتب إن “الجنائية الدولية” التي طلبت اعتقال وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت، والقيادي العسكري في حماس، محمد الضيف، هي “زالزال” سيثقل كاهل نتنياهو ووزيره السابق مع مرور الوقت.
فالقرار هو زلزال في المشهد العالمي، حيث يتم فيه ولأول مرة توجيه اتهامات لحليف غربي بارتكاب جرائم حرب ومن مؤسسة قضائية دولية.
وقال إن القرار سيترك أثرا على المدى القريب في إسرائيل، حيث سيحاول نتنياهو وغالانت حشد الدعم من الرأي العام الإسرائيلي المتحدي. ولكن على المدى البعيد، فضخامة الاتهامات ضد نتنياهو وغالانت سيزداد ثقلها، وتقلص المساحة الدولية المفتوحة لهما. فوصمة العار بأنك أصبحت متهما بارتكاب جرائم حرب، من الصعب محوها.
وأشار الكاتب إلى أن غرفة المحكمة ذكرت اسم يحيى السنوار، زعيم حماس الذي قُتل الشهر الماضي، ولكنها أبقت على اسم الضيف لأن مقتله لم يتأكد بعد. ويظل هذا مجرد رسميات، فمن المؤكد ألا يقف أي من قادة حماس المسؤولين عن هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 أمام المحكمة.
وفي العالم كما يرى من لاهاي، فإن موافقة قضاة المحكمة الجنائية الدولية على أوامر الاعتقال ستغير إلى الأبد مكانتها. وقد رفضت الولايات المتحدة، وهي ليست من الدول الموقعة على ميثاق روما الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية، أوامر الاعتقال، وقالت إنها ستنسق مع شركائها، بمن فيهم إسرائيل بشأن “الخطوات التالية”.
كما سيبتعد حلفاء آخرون لإسرائيل، مثل ألمانيا، لكنها ستكون لحظة صعبة لحكومة بريطانيا برئاسة كير ستارمر، الذي يتمتع بخلفية في مجال حقوق الإنسان والقانون الدولي.
ومن المرجح أن تضغط الولايات المتحدة على بريطانيا لرفض المصادقة على مذكرات الاعتقال، لكن هذا من شأنه أن يلحق ضررا خطيرا بمصداقية بريطانيا في أماكن أخرى من العالم. وذكّرت منظمة أمنستي إنترناشونال، ستارمر بأن “موقف بريطانيا كداعم حقيقي لحكم القانون يتطلب الاتساق والإنصاف”.
ويعلق بورغر أن العديد من الدول التي ظلت تنظر للجنائية الدولية كأداة بيد الدول الغربية لمعاقبة الدول في عالم الثالث وعالم الجنوب، المحكمة وبقوة.
وفي حين لم يفعل مجلس الأمن في الأمم المتحدة إلا القليل لتخفيف حدة الحرب في غزة ومعاناة المدنيين هناك، فسينظر إلى المحكمة الجنائية بشكل واسع، خاصة في عالم الجنوب باعتبارها مدافعا أكثر فعالية عن ميثاق الأمم المتحدة. والسؤال المطروح على أوروبا على وجه الخصوص، هو ما إذا كان ينبغي لها أن تتعامل مع نتنياهو بناء على شروطه.
وقد أشار المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إلى سابقة، ففي الوقت الذي كان فيه الرئيس الكيني السابق أوهورو كينياتا موضوع مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية، تبنى المسؤولون الأوروبيون سياسة تجنب الاتصال غير الضروري به.
وتعلق إيفا فوكوشيتش، الأستاذة المساعدة في التاريخ الدولي بجامعة أوتريخت: “إن هذه المجموعة من أوامر الاعتقال رائدة؛ لأنها وللمرة الأولى في حالة إسرائيل، تطال حليفا قريبا للدول الغربية الدائمة العضوية في مجلس الأمن، والتي كانت حتى الآن معفاة تقريبا من التدقيق القضائي الدولي”. مضيفة أن الكثيرين يعتبرون إسرائيل ديمقراطية فعالة بنظام قضائي قوي وحليفة قوية للغرب، و”لم نشهد أي مذكرة اعتقال كهذه”.
وأشار بورغر إلى أن الأمر الوحيد الذي ستتركه المذكرة لاعتقال نتنياهو، أنها لن تطيح به أو تضعفه. وهذا أمر حيوي، ذلك أن المراقبين يعتقدون أن الحرب في غزة ستظل مستمرة طالما بقي هو في السلطة.
ونقل الكاتب عن داليا شيندلين، الخبيرة الإسرائيلية في الرأي العام الدولي، قولها إن المذكرة “ستقوي نتنياهو”، مضيفة “أن الإسرائيليين مقتنعون تماما بأن النظام الدولي بشكل عام موجود في الأساس لاستهداف إسرائيل وعزلها بشكل غير عادل. وهذا النوع من المشاعر يتسرب في كل مجالات في المجتمع اليهودي”. مما يعني أن قلة منهم ترى في مذكرات الاعتقال دليلا على أن نتنياهو يعمل على إضعاف إسرائيل ويحولها لدولة منبوذة، بل يتوقف نقاده ومعارضوه عن انتقاداتهم له، ويرفضون محكمة أجنبية واختصاصها في النظر بشؤونهم.
وعلى المدى القريب، وعندما تحل الانتخابات الإسرائيلية المقررة في تشرين الأول/ أكتوبر 2026، فلن يتغير أي شيء على مواقف الناخبين، إلا أن الوصمة سيظهر أثرها في السنوات والعقود المقبلة. فهناك قائمة طويلة من الدول التي لن يتمكن لا نتنياهو أوغالانت من زيارتها.
ومع أن روسيا والصين والولايات المتحدة لم توقع على ميثاق الجنائية الدولية، فإن أي زيارة لنتنياهو إلى واشنطن ستكون محرجة في الوقت الحالي. وربما لن تحدث فرقا لدى الإدارة المقبلة لدونالد ترامب.
وقالت فوكوشيتش: “تلعب المحكمة الجنائية الدولية لعبة طويلة الأمد. بمجرد إصدار مذكرات الاعتقال فهي تتبعك إلى حد كبير حتى تموت. مثلا، إذا ذهب نتنياهو مرة أخرى إلى الولايات المتحدة للتحدث إلى الكونغرس بعد إصدار مذكرات الاعتقال، فإن هذا على الأقل يحرج الولايات المتحدة بشكل كبير ويجعل نفاقها واضحا جدا”.