بات جليًا كأشعة الشمس أنّ كيان الاحتلال فشل فشلاً مدويًا في الحرب الإعلاميّة المُستعّرة على الرأي العّام العالميّ، وذلك رغم ما تبذله إسرائيل في الآونة الأخيرة من محاولات لتحسين صورتها في العالم، إلّا أنّ القناعة السائدة في صفوفها أنّها استيقظت متأخرةً، بما يعني افتقادها لفرصة استعادتها، وأصبحت السرديّة الفلسطينيّة هي المُسيطرة على الرأي العام العالميّ، مع العلم أنّ الكيان يرفض السماح للصحافة الأجنبيّة بدخول قطاع غزّة لرؤية الدمار والقتل والوحشيّة والبربريّة التي نفذّها الاحتلال خلال العدوان الهمجيّ وما زال.
وفي هذا السياق، ذكرت ليلاخ سيغان الخبيرة الإعلامية والدعائية أنّ “هناك علاقة وثيقة بين ما حصل في أمستردام قبل أيام بالدعاية الإسرائيليّة الفاشلة التي حققت إخفاقات كارثية منذ 13 شهرًا من العمل المستنزف، مما يعني أنّ فرص الاحتلال في إحداث تغييرٍ في حرب الوعي التي يخوضها حول العالم ضئيلة جدًا”.
وأضافت في مقال نشرته صحيفة (معاريف) العبريّة أنّه “بعد شهرٍ واحدٍ فقط من بدء الحرب على غزة في أكتوبر 2023، بدأت شركات دعاية عالميّة تتفاعل بشكلٍ عدائيٍّ تجاه الاحتلال، وشهدت شبكات التواصل مشادات افتراضية حول عدم مشروعية ما يرتكبه الاحتلال ضد الفلسطينيين، ورغم الجهود الإسرائيلية لتسويق روايتها، لكن الآخرين رفضوا تقبلها وشراء بضاعتها، بل إنّ بعض الأوروبيين اعتبروا ما حدث للمشجعين الإسرائيليين في أمستردام، ردًا طبيعيًا على ما يرتكبونه من إبادة جماعية في غزة”.
وأشارت إلى أنّ “العديد من الأوروبيين الذين يرفضون تبنّي الرواية الإسرائيليّة ليسوا في الأساس معادين للسامية، أوْ يكرهون إسرائيل، لكن ما حصل لهم أنّهم مرّوا بحالةٍ من تغيير الوعي خلال عام الحرب الجارية، وقد تعرّضوا لمعلوماتٍ كان لها صدى في نواحٍ عديدة، مقابل الاستجابة الإسرائيليّة الضعيفة، هذا إذا كانت على الإطلاق، ممّا يستدعي من الجمهور الإسرائيليّ أنْ يعرف أنّ دولة الاحتلال مكروهة اليوم أكثر من أي وقت مضى، في ضوء ما يقوم به أعداؤها حول العالم من جهود دعائية للتشهير بها، لاسيما من الإخوان المسلمين وأعوانهم في قطر وإيران، ممن عملوا بجدٍّ لسنواتٍ للتحضير لحملة التشهير التي شهدناها هذا العام”.
علاوة على ما ذُكِر أعلاه، زعمت الخبيرة الصهيونيّة أنّ “أعداء الاحتلال المذكورين آنفًا أسسوا حركات طلابية نشطة في الجامعات العالمية، وطوّروا تعاون شبكة (الجزيرة) مع وسائل الإعلام الغربية، واستثمروا ميزانيات ضخمة في شبكات التواصل الاجتماعي، مقابل أنّ الحكومة الإسرائيلية لم تتحرّك للتعامل مع هذه الموجة الدعائية المعادية منذ هجوم حماس في السابع من أكتوبر، وإذا تحركت، فمن الواضح أنّها فشلت فشلاً ذريعًا، وخلاصة القول إنّ الحكومة لم تحمِ الإسرائيليين في سياق الحرب على الوعي، وإنْ استيقظت فقد جاءت صحوتها متأخرة”.
وشرحت قائلة إنّ “تولي غدعون ساعر منصبه الجديد وزيرًا للخارجية كشف عن إخفاقات وقع فيها سلفاه السابقان، إيلي كوهين ويسرائيل كاتس، اللذان أصدرا خلال فترة ولايتهما القصيرة مجموعة متنوعة من التصريحات للصحافة المحلية، لكن الوزارة ذاتها لم تعقد أيّ إحاطات إعلامية في العامين الماضيين لمراسلي وسائل الإعلام الأجنبيّة، مع أنّ ميزانيتها تبلغ اليوم 28 مليون شيكل سنويًا (الدولار يساوي 3.7 شيكل)، فيما زعم ساعر أنّه تلقى 545 مليون شيكل للوزارة في 2025، وسيتصرف وفق خطة منظمة وأهداف قابلة للقياس بهدف الترويج للاحتلال أمام العالم”.
وتساءلت الخبيرة الإعلاميّة: “لماذا استغرق الأمر 13 شهرًا من الحرب التي تدهورت فيها صورة إسرائيل حول العالم لأدنى مستوياتها، رغم وجود الكثير من الدول الداعمة لها في حربها، لكنّنا جميعًا ندرك التيار الغامض للرأي العام السلبي، الذي لا يُعرّض للخطر فقط شحنات الأسلحة المتوجهة إليها، بل يعرض للخطر أكثر من أيّ وقتٍ مضى الإسرائيليين المسافرين للخارج، ولذلك تمّ تحذيرهم هذا الأسبوع من المشاركة في حفلات اكتمال القمر في تايلاند، ما يعني أنّهم يواجهون اليوم ظواهر لم يعرفوها منذ عقود”.
وأوضحت أنّ “أحد أشكال فشل دعاية الاحتلال يتمثل بشكاوى الإسرائيليين من المقاطعة الأكاديمية لهم في جامعات العالم التي تتجلّى في الإقصاء من المؤتمرات ورفض نشر أبحاثهم الأكاديمية، وكشف العشرات من محرري موسوعة (ويكيبيديا) وهم يعيدون كتابة تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بهدف تقويض شرعية الصهيونية”.
وختمت بالقول إنّ “الأساس الذي تنطلق منه إخفاقات الدعاية الإسرائيليّة هو تزايد الأدلّة على أنّ إسرائيل دولةً استعماريّةً وقحةً لا تهتم بحياة الإنسان، ما يعني أنْ يدفع الإسرائيليون مزيدًا من الأثمان في ساحة الوعي العالمي، والشيء الوحيد الواضح أنّ إسرائيل أظهرت أداءً عسكريًا في الميدان، لكنها هُزمت في معركة الوعي، لأنّ وزراء الحكومة مشغولون للغاية بمحاولة التأثير على وعي الجمهور الإسرائيليّ، ولا يستطيعون توفير الوقت للتعامل مع التأثير على الرأي العام العالمي، وتراجع مكانة الاحتلال”، على حدّ تعبيرها.
الكاتبة لم تتطرّق ولو بكلمةٍ واحدةٍ إلى جرائم الحرب التي تُرتكَب على مدار الساعة من قبل جيش الاحتلال، ولم تتناول مسألة اتهام رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الأمن السابق غالانط بارتكاب جرائم ضدّ الإنسانيّة في محكمة لاهاي الدوليّة.