أقرت حكومة أيرلندا تعيين الدكتورة جيلان وهبة عبد المجيد، رئيسة بعثة فلسطين فيها، سفيرة معتمدة، في قرار تلا اعتراف أيرلندا بدولة فلسطين، إلى جانب دول أوروبية أخرى.
وهو قرار عدّ انتصارا للدبلوماسية الفلسطينية التي تناضل على مختلف المستويات من أجل حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره واستقلاله الوطني، ومواجهة جرائم الاحتلال الإسرائيلي.
وفي الأسبوع الأول من الشهر الحالي، جرى تبادل الرسائل أو المذكرات لإنشاء العلاقات الدبلوماسية. وأقرت الحكومة الأيرلندية كل الامتيازات والحصانات لسفارة فلسطين، حسب اتفاقية العلاقات الدبلوماسية في جنيف لعام 1966.
ولوضع فلسطين في أيرلندا، مكانة خاصة، تؤكد السفيرة الفلسطينية لـ”القدس العربي”.
فالشعب الأيرلندي، وانطلاقا من تجربته في مواجهة الاستعمار والاحتلال، طالما أبدى تضامنا مع الشعب الفلسطيني. ومن هنا فإن اعتراف دولته بدولة فلسطين، هو اعتراف مميز لأنه اعتراف من الشعب بمختلف أطيافه. كما أن سفيرة فلسطين، الدكتورة وهبة عبد المجيد، وهي ابنة عائلة لاجئة إلى قطاع غزة، كان لها أن تواجه هذه الحرب الوحشية التي شنّها الاحتلال الإسرائيلي على القطاع، وهو الذي ولدت وتربّت فيه، وذهبت إلى مدارسه.
هذا المسار، تشرحه سفيرة فلسطين لـ”القدس العربي”، في الحوار التالي:
○الموافقة على تعيينكم سفيرة لدى جمهورية أيرلندا تلا اعترافها بدولة فلسطين. كيف يمكن أن نقرأ هذا الاعتراف، وهل هو حصيلة الموقف الأيرلندي الذي كان دائمًا متعاطفًا مع قضية الشعب الفلسطيني؟ أم نتيجة طبيعية لما شكلته حرب الإبادة في غزة على المستوى الدولي، والمستوى الأوروبي بشكل خاص؟
• في البداية، أود التوضيح أن الدعم الأيرلندي لفلسطين، سواء دعم الحكومة أو الشعب الأيرلندي للقضية العادلة لشعب فلسطين، لم يأت فقط بعد السابع من أكتوبر. إنه دعم ومساندة تاريخية. لقد واجهنا نفس التاريخ الاستعماري الذي عاشه الشعب الأيرلندي على مدار أكثر من سبع أو ثمان قرون. فهم يعرفون ويدركون تمامًا أن الظلم والاستعمار والاستيطان والجوع، بخاصة بعد الحرب العدوانية الأخيرة على قطاع غزة، هو امتداد تاريخي. ولكن ربما تشكلت الظروف المناسبة لأن تقول أيرلندا للعالم كله: “أنا التي وضعت موضوع حل الدولتين.” ففي الثمانينات، كانت أيرلندا أول من تقدم بهذا المقترح، حل الدولتين، وبعد ذلك أصبح مطلبًا دوليًا. فكانت أيرلندا خلال هذه السنوات تدعم حل الدولتين. هي تعترف بدولة إسرائيل، وجاء الوقت لأن تقول: “أنا أيضًا أعترف بدولة فلسطين، وأعترف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره”. كانت هذه خطوة مهمة. ربما أقول أيضاً إن الظروف ساعدت في ذلك. ولكن أيرلندا أعلنت دعم الاعتراف بالدولة الفلسطينية في العام 2012 في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكانت من ضمن الدول التي صوّتت بنعم لمكانة فلسطين في الأمم المتحدة في ذلك الوقت. وخلال هذه السنوات كانت تعمل بكل ما أوتيت لتعزز صمود الشعب الفلسطيني، وتدعم حقه في تقرير مصيره وعدالة قضيته، سواء على مستوى الاتحاد الأوروبي، أو على مستوى الأمم المتحدة أو المنظمات الدولية. وكانت تدعم دائمًا قرارات فلسطين بعد الحرب الإبادة التي تقوم بها إسرائيل على الشعب الفلسطيني.
وبدأ العالم المتضامن مع الشعب الفلسطيني يرى أن حل الدولتين ربما بدأ يتكوّن. وجاء هذا الاعتراف. وكنا، منذ أكثر من عام، نحاول مع الحكومة الأيرلندية، وكانت دائمًا تقول: “إنني لا يمكن كدولة صغيرة في الاتحاد الأوروبي أن أقوم بهذا الاعتراف بمفردي. أريد أكثر من دولة”. وكنا نعمل على أكثر من دولة في الاتحاد الأوروبي. كانت هناك إسبانيا، والبرتغال، وبلجيكا، ولوكسمبورغ.
كانوا دائمًا جاهزين لهذا الاعتراف، ولكن ربما الحكومات المتعاقبة، لم تكن لديها القوة ولا الجرأة لأن تقوم بهذا الاعتراف. نحن محظوظون في هذه الفترة، حيث في إسبانيا، ودولة كالنرويج، حكومات أيّدت حق الشعب الفلسطيني وطالما ساندته. وكانت لديها القدرة أن تقول وتفعل وتتخذ هذه الخطوة المهمة. فكان الجهد الجماعي بين أيرلندا وإسبانيا والنرويج. وتلتها سلوفينيا، للاعتراف بدولة فلسطين. الذي يميز أيرلندا في هذا الاعتراف أنه اعتراف ليس فقط من الحكومة الأيرلندية. بل من الشعب بكافة أطيافه، ومن الحكومة بأحزابها السياسية. فهو اعتراف متكامل، اعتراف قوي. يمثّل في هذه النقطة اعترافًا يختلف عن باقي الاعترافات. لذلك، نحن نراه قويًا من دولة في أوروبا الغربية، دولة قريبة من الولايات المتحدة، ودولة لديها علاقات مع المملكة المتحدة. وهي دولة في الاتحاد الأوروبي. هذا له وزن.
○ذكرت في مقابلة لك، أعتقد مع صحيفة “أيريش تايمز”، أن الشعب الأيرلندي يعرف ما هو شعور الفلسطينيين تحت الاحتلال. وكانت لك دائما لقاءات مع أطياف الشعب الأيرلندي. كيف تصفين هذا الشعور؟
• شعور لا يمكن أن يوصف. بصراحة، وجودي في هذا البلد منذ أكثر من أربع سنوات، جعلني على مقربة شديدة من عدد كبير من الجمهور الأيرلندي، سواء على المستوى الشعبي، أو على المستوى الإنساني، أو على المستوى الرسمي الحكومي، وعلى مستوى البرلمان. كل من التقيت به خلال هذه السنوات، حتى لو كان الموقف الرسمي للأحزاب التي ينتمي إليها ربما يكون مخالفًا نوعًا ما، ولكن جميعهم، يعرفون الشعب الفلسطيني ويعرفون معاناة الشعب الفلسطيني. ويدعمون هذا الشعب الذي يناضل من أجل حريته واستقلاله. يدركون تمامًا ماذا يعني أن تكون تحت احتلال. يدركون تمامًا ماذا تعني كلمة استعمار، وكلمة مستوطنات، وكلمة استيطان. يعرفون تمامًا، وبخاصة بعد السابع من أكتوبر، عندما نتحدث عن التجويع، واستخدامه من الاحتلال الإسرائيلي في الحرب، أي تجويع الشعب الفلسطيني، وهو ما عانى منه الأيرلنديون، وهاجر غالبيتهم من وطنهم إلى دول أخرى خلال فترة المجاعة الأيرلندية. الشعب الفلسطيني ما زال متمسكًا بأرضه. الشعب الفلسطيني ما زال مؤمنًا بعدالة قضيته، وأنه يومًا ما سيبني هذه الدولة على أرضه المستقلة. لن يبرح هذه الأرض ولن يتنازل عن حقه في هذه الأرض. هذه أمور، يرى فيها الشعب الأيرلندي نفسه، وقالها رئيس الوزراء الأيرلندي عندما قابل الرئيس الأمريكي، وكانت جملة قوية منه وهو الذي يمثل حزبًا قويًا في أيرلندا وله مواقفه، ولديه علاقات مع إسرائيل، وأيضًا من المؤيدين له ومن أعضاء الحكومة.
فعندما يقف أمام الرئيس الأمريكي ويقول: “إنني أرى معاناتنا في عيونهم”. كانت جملة قوية لها صدى واسع. ونحن كفلسطينيين، والشعب الأيرلندي، وجدناها جملة قوية. وهي تعكس مدى إدراك هذا الشعب لمعاناة الشعب الفلسطيني، سواء على مستوى الحكومة أو على المستوى الشعبي. حتى الأطفال، أنا زرت مدارس، واستقبلني أطفال بالأعلام الفلسطينية. أنا متأكدة تمامًا أن في العائلات الأيرلندية هناك حديث، سواء عن الأحداث التي تحصل اليوم لفلسطين، أو خلال الاعتداءات السابقة لإسرائيل، سواء على قطاع غزة، أو في الضفة الغربية والقدس الشرقية. هم يدركون ويسمعون الأخبار، بالرغم من أن الأخبار من أيرلندا ربما لم تأخذ حجمها، مقارنة مع الأخبار في دول العالم، ولكنها تضع علامة مميزة على ما يعانيه الشعب الفلسطيني. الشعب الأيرلندي يعرف التاريخ ويقرأه جيدًا. هذا ما لاحظته من خلال الأعمار المختلفة، والفئات العمرية المختلفة. فهم يدركون معنى التاريخ، ومعنى الحرية، ومعنى أن تقاوم من أجل حريتك ومن أجل استقلالك.
○هنالك عدد من الدول الأوروبية لا يزال يعارض الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وآخرون ينتظرون. هل هنالك مساعٍ للحكومة الأيرلندية، ومن خلال لقاءاتكم مع المسؤولين، لتوسيع هذا الاعتراف؟ هل تناقشون هذه المسألة؟
• أيرلندا كانت تسعى دائمًا، ومنذ عدة سنوات، منذ وجودي هنا، من خلال علاقاتها في الاتحاد الأوروبي، إلى تشجيع الدول على الاعتراف بدولة فلسطين. وهي ترى أن لهذا الشعب حقًا في الوجود وحقًا في تقرير مصيره، وبدونه لن يكون هناك أمان أو أمن أو سلام في المنطقة، بحكم أنها أيضًا كانت دولة مستعمَرة، وليست دولة استعمارية كباقي دول الاتحاد الأوروبي. أظن أنها الدولة الوحيدة التي عانت الاستعمار، فهي تدرك تمامًا معنى هذا الحق، ومعنى هذا الدفاع عن الحرية والاستقلال. ومن علاقاتنا مع أعضاء الحكومة، أعرف تمامًا كيف سعى وزراء الخارجية المتعاقبون على الحكومة الأيرلندية، من الأحزاب المختلفة، لذلك. لدرجة أننا في بعض الأحيان كنا نرى أن بلجيكا ولوكسمبورغ كانتا قريبتين جدًا من الاعتراف بدولة فلسطين، لما كان لتأثير وزير الخارجية الأيرلندي في ذلك الوقت، ودوره الكبير. حرب غزة أو العدوان، حرب الإبادة على غزة، جعلت هناك تغييرات في مساعي أيرلندا بشكل أكبر ولقِيت تأييدًا من الدول الأخرى. أعلم تمامًا أيضًا أن البرتغال كانت من الدول التي كانت فيها الحكومة، أو الحزب المُشكِّل للحكومة، من الذين أبدوا اهتمامًا في موضوع الاعتراف بالدولة الفلسطينية. ولكن من خلال علاقاتي مع زملائي في الاتحاد الأوروبي وفي الأمم المتحدة، أدرك تمامًا الدور المهمّ الذي لعبته أيرلندا، سواء في مجال الاعتراف بدولة فلسطين، أو في مجال دعم قرارات دولة فلسطين، أو في مجال دعم “الأونروا”. وأيرلندا قادت حملة كانت تترأسها في الاتحاد الأوروبي لاستمرار الدعم الدولي لـ”الأونروا”، وساهمت مع العديد من الدول في تغيير رأيها، ورجوعها عن القرارات التي استنكفت فيها عن دعم “الأونروا”، وما زالت تقود هذه الحملة، سواء في الاتحاد الأوروبي أو الأمم المتحدة.
○تتحضر الولايات المتحدة الأمريكية لاستقبال رئيس جديد، دونالد ترامب، العائد مرة أخرى إلى البيت الأبيض. سبق أن أشرت إلى ما يمكن أن يواجهه الفلسطينيون في إدارة ترامب المقبلة. فهنالك السفير الذي قرر تعيينه في إسرائيل، وهو مؤيد بشراسة للاستيطان، وبقية التعيينات. هل تتوقعين مصاعب أو تحديات أكثر من المرحلة الماضية مع الإدارة الأمريكية المقبلة؟
• هنأ الرئيس الفلسطيني الرئيس الأمريكي بانتخابه رئيسا للولايات المتحدة. وكان رأي القيادة الفلسطينية أننا دائمًا نأمل خيرًا، بالرغم من أن الفترة السابقة لرئاسته كانت سيئة جدًا على الشعب الفلسطيني بنقل السفارة (إلى القدس)، وإغلاق السفارة في أمريكا (مكتب منظمة التحرير)، وبتأييد ضم الجولان والقدس، وكل هذه الأمور التي كانت ضد المسار الرسمي الفلسطيني، والطموح للشعب الفلسطيني. وشخصيًا ما زلت أشعر بأن الأمر ليس فيه انفتاح، ولكن ربما تتغيّر الأمور. ودعنا نأمل أن يكون هناك ضوء. آمل من هذه الإدارة المقبلة أن تدرك أن المنطقة لن تقوم لها قائمة إلا باسترجاع الحق الفلسطيني، وقيام دولة فلسطينية مستقلة. كل التعيينات التي نراها لا تشير إلى أن الأمر سهل. ما زلنا نرى أن هناك خطوطًا سوداء في هذه الإدارة الجديدة، ولكن لطالما كان الفلسطينيون يحاولون إيجاد الضوء من أي بقعة سوداء، وسنعمل جاهدين على ذلك. وأعتقد أننا لن نكلّ ولن نملّ وسنحاول. المكالمة الهاتفية التي جرت بين الرئيس ترامب والرئيس محمود عباس، أعطت نوعًا من الأمل، ولكن أيضًا هناك جهد كبير يجب أن يقوم به الشعب الفلسطيني والقيادة الفلسطينية، لإيصال الصوت الفلسطيني الحقّ، وإبراز همجية هذا الاحتلال الإسرائيلي، وأن حق الشعب الفلسطيني هو أساس الاستقرار في المنطقة. نحن نتعاون مع الدول العربية والدول الإسلامية. والقمة العربية الإسلامية التي كانت في الرياض، والمشاورات التي جرت مع ولي العهد السعودي، كلها في هذا السياق. ندرك تمامًا أننا سنسلك طريقًا ليس سهلًا، وهو طريق صعب.
○درستِ في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين. الـ”الأونروا” تتعرض لمحاولة تصفية مكشوفة. الإسرائيلي يريد تصفيتها بالكامل. ما أهمية “الأونروا” في حياة الشعب الفلسطيني؟
• أولًا، وكالة “الأونروا” أنشئت في العام 1949 بقرار أممي لقضية الشعب الفلسطيني، وحق تقرير مصيره وعودته. وحق العودة، هو هذا الحق الذي يزعج إسرائيل، وهي طالما كانت ضده، وهي بالتالي ستكون ضد أي منظمة دولية تسعى، أو وجودها قائم، لأجل هذا الحق. “الأونروا” هي منظمة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين فقط. تعنى باللاجئين الفلسطينيين، ولا تتعامل مع أي دولة أخرى أو أي شعب آخر. وهذا بحد ذاته يشكل هاجسًا لإسرائيل. فالأمم المتحدة هي التي أقرّت هذا الحق، حق العودة وحق تقرير المصير، وحق الشعب الفلسطيني في وجوده على أرضه. لذا إسرائيل ستحاربها ما استطاعت إلى ذلك سبيلًا. والأمم المتحدة ووكالاتها، وبخاصة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، رعت الفلسطينيين لنحو ثمانية عقود حتى الآن، في حقهم في التعليم، وحقهم في الصحة، وحقّهم في الرفاه الاجتماعي. وهي ترعى أكثر من خمسة أو ستة ملايين فلسطيني، سواء في الضفة الغربية، أو في قطاع غزة، أو في القدس الشرقية، وفي الأردن، ولبنان، وسوريا، والعراق، وفي غالبية دول العالم التي يحتاج الشعب الفلسطيني فيها إلى هذه المنظمة. وفي دول الطوق العربي، وفي فلسطين، الناس أشدّ حاجة إلى وجود هذه المنظمة الدولية. وهي سعت منذ إنشائها إلى دعم هذا اللاجئ الفلسطيني. أنا بصفتي لاجئة، ووالديّ لاجئان، تعلمت في هذه المدارس. كان لدينا أفضل المدرسين، وأفضل المديرين والمديرات لهذه المدارس. وفي بعض الدول، وفي بعض المخيمات الفلسطينية، كان للطالب الفلسطيني وجبات غذائية تقدمها الوكالة. كنت أذهب إلى العيادات الصحية من أجل العلاج. الوالد والوالدة والجدّ والجدّة، كانوا أيضاً يتلقون الدعم الاجتماعي. اللاجئون في المخيمات الذين لا يستطيعون العمل، أو الحصول على الغذاء، أمنت لهم الوكالة المأكل والمشرب والمسكن بكرامة. هذا ما أقوله على المستوى الشخصي، الذي رأيته بعيني.
هذه الوكالة علّمتنا، ودرّستنا، وأعطتنا فرصًا لنكون. أنا خريجة هذه المدارس، ووالديّ عملا في مدارس الأمم المتحدة، في مدارس وكالة الغوث. تربيت على الاحترام، احترام شعبي، واحترام تاريخي، واحترام قضيتي. لم يكن هناك يوم وجدنا فيه أننا نختلف عن أي تلميذ في أي من دول العالم في حقه في التعليم. كما قلت، كان لدينا المدرّسون الذين افتخرنا بهم، وكانوا يقدّمون من دمهم ونفوسهم لهذا الشعب. نحن شعب متعلم، ووصلنا إلى مراحل متقدمة في التعليم. خمسة وتسعون في المئة من الشعب الفلسطيني متعلم بفضل هذه الوكالة. سندافع عنها، وسندافع عن حقوقنا في التعليم وفي الصحة وفي الرفاه حتى نحقق عودتنا. هذا هو الحق الفلسطيني الذي أقرته الأمم المتحدة، وسنعمل جاهدين ولن نتنازل عنه.
○ارتباطك بغزة، وربما يكون لديك عائلة لا تزال هناك أو أقارب، وفي الوقت نفسه، أنت في الخط الأول للدبلوماسية الفلسطينية تواجهين حرب الإبادة والانتهاكات الإسرائيلية. كيف تعيش الدبلوماسية الفلسطينية مأساة غزة الراهنة؟
• والله، سؤال صعب جدًا، لأنه في بداية الحرب كانت هناك مأساة حقيقية. كان يجب أن تكون قويًا، مدافعًا شرسًا، وأن تظهر للعالم ما يحصل في وطنك، في أرضك، لشعبك، لأهلك وأقربائك. لم يكن شيئًا سهلًا، أنا لا أميز بين سفراء الضفة الغربية أو سفراء من غزة. كلنا سفراء لدولة فلسطين، كلنا سفراء للحكومة الفلسطينية، وللشعب الفلسطيني. ولكن عندما يكون أهلك في خطر، ويجب أن تظهر القوة والجرأة ورباطة الجأش في أن تصل رسالتك إلى العالم، لم يكن بالأمر الهيّن. وكنا نصل إلى مرحلة، ليس فقط من الغضب، ولكن من الحزن. أن تتلقى في صباح اليوم استشهاد أحد أقربائك المقرّبين الذين عشت معهم وعائلاتهم وأطفالهم، وتتهدم البيوت.. ويجب أن تخرج في نفس اليوم أمام كاميرات التلفاز، أو على ميكروفون الإذاعة، لتقول ما يحصل لشعبك، بعيدًا عن الشّخصنة، وبعيدًا عن الألم الشخصي. كانت مواقف صعبة علينا جدًا، جدًا جدًا. ولكن اعتدنا نحن الشعب الفلسطيني أن نكون أقوياء ولا نهزم. نحن في الأول وفي الآخر بشر، نشعر، وأمورنا الشخصية تؤثر فينا. رأيت عددًا من سفراء دولة فلسطين، سواء من الضفة الغربية أو من غزة. وأعرف وأدرك تمامًا كم خسرنا على المستوى الشخصي والإنساني. ولكننا كنا صامدين وأقوياء في عرض قضيتنا. أنا مرتبطة بغزة لأنني من مواليد غزة. تعلمت ودرست وعشت هناك، وكان أول هدف أصابه الاحتلال في أول يوم عدوان على غزة هو المدرسة والحضانة التي تربيت فيها، والبيت الذي سكنت فيه.
لم تعد هناك ذكرى. لم تعد لدينا ذكريات، ولكن تعودنا، نحن الشعب الفلسطيني، أن تكون ذكرياتنا في عقولنا، وذكرياتنا الوحيدة هي أن لدينا حقاً في هذه الأرض، ولن نتنازل عنها. بيتنا هو في قلوبنا، فلسطين في قلوبنا، ولن نكلّ أو نملّ من الدفاع عن هذا الحق. ليس أمراً سهلًا، ولكننا مؤمنون دائمًا بأن رسالتنا قوية، وأود أن أقول إن الله يعطينا القوة والصبر والثبات في هذا الأمر.
○أنت تمثلين دولة فلسطين، ولكن هذه الدولة لديها وضع خاص، هي تحت الاحتلال منذ أكثر من سبعة عقود. ما الذي يختلف كسيدة دبلوماسية، سفيرة فلسطينية، عندما تمثلين دولة لم تنجز بعد استقلالها الوطني؟
• بصراحة، كنت دائماً أرى أن فلسطين حرة، ولم أهزم يومًا لأقول إن فلسطين لم تكن يومًا حرة. أنا نشأت وترعرعت في غزة، في فلسطين، وأنا أراها حرّة، برغم كل قيود الاحتلال، وبرغم هذا الاستعمار الغاصب الذي، خلال السنوات، منذ أن وُلدت وبدأت أدرك معنى هذا الاحتلال، إلى هذا اليوم، لم يكل الشعب الفلسطيني ولم يملّ من مواجهة أساليب الاحتلال القمعية التي تهدف إلى النيل من كرامة هذا الشعب. لم يتمكن منه طوال العقود السبعة الماضية، ومثل شعب فلسطين الحي النابض، ومثل هذه الدولة التي طالما رأيتها على أرض فلسطين، هي دولة حرة مستقلة. ربما الكتب، ربما العالم، يقولون إنها محتلة. هي محتلة، وهناك احتلال غاصب وقائم، ولكننا نراها حرة مستقلة لأننا نراها في قلوبنا وفي عيوننا. طالما الشعب الفلسطيني حي على أرض فلسطين، فهي حية وحرة، وستكون حرة كما العالم الحر، إن شاء الله تعالى.