في صفحة يافا أبو عكر على «فيسبوك» تقرأ السطرين الآتيين: «النوم في الخيم كفيلة تخليك تحقد على كل العالم .. إحنا مش بخير».
عندما أدرجتُ ما كتبت يافا على صفحتي، قرأتُ التعليقات الآتية: «وأنت تعد فطورك.. لا تنس شعب الخيام»، و»كل الحق معك الله يفرجها»، و»حسبنا الله ونعم الوكيل»، و»نعم صدقت»، و»لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم»، و»المهم حكام العرب بخير وعافية»، و»في الصميم»، و»كلّ ما يحدث حالياً يجعلك تحقد على العالم»، و»والله إحنا لا يعلم بحالنا إلا الله»، و»النومة حلوة في الخيمة بس لو في أمن وهداة بال مثل بيت الشعر»، و»نعم لصناعة الرغيف لا لصناعة الصواريخ»، ولا نريد الرياح الشرقية»، أما في صفحة يافا فتلحظ، بعد ثلاثة أيام من نشرها السطرين ٣٣١٩ إعجاباً و ٣٤٧ تعليقاً، وما لا يقل عن ٢٩٠٠ مشاركة.
وتقرأ في صفحتها فقرات أخرى تصوّر ما ألمّ بأهل قطاع غزة، ومنها: «في غزة.. قد لا يتسنى لك الحصول على بطانيّة تلتحف بها إلا حين تصبح جثة؛ معظم هؤلاء الشهداء المكفنين لم يجربوا شعور الغطاء منذ ١٤ شهراً، وهؤلاء الذين منحوهم أغطيتهم الوحيدة يفعلون ذلك أملاً أن يجدوا مثلها إذا استشهدوا».
أو «تخيّل إلك سنة وأكثر عايش تتخيل كل لحظة كيف حينزل عليك الصاروخ»، و «ما أصعب هذه الليلة.. صوتُ غول السماء لا يفارقنا.. قريباً قريباً جداً منّا.. صوتٌ مرعبٌ لطيران الاستطلاع في المواصي».
وتعرض يافا صورة مئات الغزيين يتدافعون على التكايا بأيديهم صحونهم، وتكتب مُعلّقة: «المجاعة والمأساة في مدينة غزة تتجلى في هذه الصور.. يتجمع المئات حول التكية لمحاولة الحصول على حصة من العدس والبقوليات ليسد رمق جوعهم.. هذه مشاهد لم نعهدها من قبل، ولم يصل الناس والأطفال لهذه الدرجة من التحمل لولا المجاعة الحقيقية»، مضيفة: «صرخات أهالي الشهداء بمجزرة قصف مقهى بالمواصي هزت مشفى ناصر وهزت بدني.. يا الله اجبر قلوبهم يا الله».
«نازحون من الخيام ذهبوا إلى خيمة أوسع يسميها البؤساء (كافي شوب هابي تايم)/ في منطقة مواصي خان يونس، ليفتحوا شبكة نت ضعيفة وبائسة مثل أحوالهم، لعلهم يقرؤون خبراً جميلاً يمنحهم أملاً».. «عشرة أقمار صعدت أرواحهم وعدد آخر من الجرحى بعد أن باغتهم صاروخ».. «حلّ الليل على أهل غزة، باتت الأمنية الوحيدة هنا أن لا يأتي الظلام ويخيّم على المدينة المقهورة.. لا نريد أن نموت وننتظر الصباح ليجدوا أشلاءنا وما تبقى من جسد تشاهد بدل المرة ألف».. في الليل تدفن آلاف القصص التي تنتهي صباحا بـ»هنيئاً وجدنا جثته.. إنه شهيد شهيد». وكان ذلك شيء ممّا كتبته يافا في الفترة من ١٠ إلى ١٣ تشرين الثاني الجاري، ويمكن أن تتابع صفحتها لتقرأ المزيد عن الأيام السابقة.
موقع (N12) الإسرائيلي نشر تقريراً عمّا يجري في قطاع غزة عززه بشريط فيديو لمئات النازحين من مكان إلى آخر، ويسأل فيه المراسل عدداً من بسطاء أهلنا هناك، من نساء وأطفال، عن رأيهم فيما آلوا إليه والمسؤول عما جرى ويجري.
لا النساء كبيرات السن ولا الأطفال قرؤوا الشاعر اليهودي النمساوي إريك فريد، ليتلو على مسامع الجندي مقطعاً من قصيدته: «اسمع يا إسرائيل»، يقول فيه: «فتّش عن الأسباب»، والأسباب معروفة بدأت في العام ١٩٤٨، بل ومنذ بداية المشروع الصهيوني القائم على مقولة «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»، ولاحقاً على مقولة «أرض أكثر وعرب أقل» ، وفي الأدبيات الصهيونية على مقولة «العربي الجيد هو العربي الميت».
تحمل المرأة الفلسطينية العجوز التي تعاني، منذ السابع من أكتوبر، الويلات، تحمل أمتعتها على ظهرها، وبقجتها بيديها، ومثلها أطفالها أو أحفادها، وتبحث عن مكان جديد وطعام وشربة ماء حتى لا تموت من الجوع أو العطش، ويسير وراءها البقية الباقية من العائلة، ولكي تتمكن من المرور عبر الحاجز الإسرائيلي وتنجو تضع المسؤولية على حركة حماس.
الحق يقال إن ما يمرّ به أهل قطاع غزة الآن أقسى بكثير ممّا مر به أجدادنا وآباؤنا ونحن أيضاً مواليد الخيام في خمسينيات القرن العشرين.
في العام ١٩٤٨ هجر ٦٥٠ ألف فلسطيني وسكنوا أولاً في المدارس والجوامع ثم في الخيام حتى ١٩٥٨، وفي العام ١٩٦٧ أقيمت في الأردن مخيمات جديدة للنازحين، كالبقعة وشنلر، استمرت لفترة حتى استبدلت بيوت الصفيح بالخيام، ووقف اللاجئون والنازحون أيضاً طوابير طوابير؛ أمام عين الماء ومراكز التموين وتوزيع الإعاشة الشهرية والمطاعم والحمامات، وغيرها.
«إحنا مش بخير»، تكتب يافا أبو عكر، ونحن أيضاً، بقية الفلسطينيين غير المقيمين في غزة، لسنا بخير.. و «لسّة طويلة».