أصدرت إسرائيل إشارات متضاربة، أمس الأحد، بشأن موقفها من الحرب الدائرة في لبنان. فبينما أعلنت نيّتها توسيع عمليتها البرية، تراجعت عن تصريحات صدرت عن مسؤولين أمنيين بارزين، أواخر الشهر الماضي، مفادها أن العملية البرية في لبنان تقترب من نهايتها. تناقلت وسائل إعلام عبرية تقارير عن تَوافُق بشأن بعض بنود للتسوية.
وتم الإعلان عن مصادقة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هيرتسي هاليفي، على توسيع نطاق العملية البرية في جنوب لبنان، بهدف “تعميق إنجازات الجيش، والوصول إلى مناطق جديدة ينشط بها حزب الله”، حسبما نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مسؤولين أمنيين.
ترافقَ هذا الإعلان مع ما يمكن أن يطلق عليه مسودة اتفاق نشرت وسائل إعلام بعض بنوده. وذكرت القناة الثانية عشرة الإسرائيلية أن الاتفاق المقترح “قد يكون أحادي الجانب، وفقط أمام الولايات المتحدة”، مشيرة إلى أن تل أبيب طلبت التزامًا أمريكيًا يتيح لها حرية العمل ضد أي خروقات يقوم بها “حزب الله”، مع المطالبة بالحق في العمل العسكري بحرية، حال عودة “حزب الله” لتجميع صفوفه واستعادة قدراته.
كما تحدثت القناة العبرية عن أن ثمة “توافقًا أمريكيًا إسرائيليًا على أن عمليات الجيش في جنوب لبنان حقّقت أهدافها، وحان وقت ترجمتها لإنجاز سياسي”.
وأشارت إلى انفتاح إسرائيلي على إسناد دور لروسيا في مثل هذا الاتفاق، إلا أنها نقلت عن مسؤولين أمنيين إسرائيليين قولهم إن “الولايات المتحدة هي الشريك الإستراتيجي الوحيد”، وإنه “يجب أن يكون لروسيا دور محدود في لبنان”، وعدم منحها المجال للتأثير هناك.
وتحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن أن المدى الزمني المطروح للتوصل إلى تسوية في لبنان يتّسق مع الجدول الزمني لنقل السلطة في الولايات المتحدة.
وكشفت القناة الثانية عشرة عن مرحلتين أساسيتين بموجب هذا الاتفاق، تتمثّل الأولى في بقاء قوات الجيش الإسرائيلي في القرى الحدودية اللبنانية لمدة 60 يومًا، على أن ينسحب منها إلى الخط الأزرق في المرحلة الثانية ويتسلّم الجيش اللبناني المسؤولية هناك، في ظل تعاون بين الإدارة الأمريكية وشركات روسية فاعلة في سوريا لمنع نقل أسلحة لـ “حزب الله”، بعد أن ترفع واشنطن عقوبات مفروضة على تلك الشركات.
وتزامنت هذه التطورات مع إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن تواصله هاتفيًا ثلاث مرات مع الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، خلال الأيام القليلة الماضية، وحديثه عن توافق في الرؤى بينهما بشأن ضرورة التصدي لـ “الخطر” الذي تمثله إيران.
ووصف نتنياهو محادثاته مع ترامب بالمهمة، وقال: “كانت محادثات جيدة ومهمة للغاية، محادثات تهدف إلى تعزيز التحالف القوي بين إسرائيل والولايات المتحدة… نرى وجهًا لوجه التهديد الإيراني بكل مكوناته والخطر الذي يشكّله. كما نرى الفرص الكبيرة أمام إسرائيل في مجال السلام وتوسعه وفي مجالات أخرى”.
وأضاف نتنياهو: “سنواصل الدفاع عن بلدنا ومواطنينا على جميع الأصعدة، في مواجهة أي تهديد، وخاصة التهديد الإيراني”.
وبينما فَسّرَ البعض الإعلان الإسرائيلي عن توسيع العملية البرية في جنوب لبنان على أنه وسيلة لفرض مزيد من الضغط على “حزب الله” للقبول بالاتفاق الذي هو ليس طرفًا فيه، ربط آخرون بينه وبين عودة ترامب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة، وتعويل نتنياهو على مزيد من الدعم الأمريكي خلال المرحلة المقبلة. واستشهد هؤلاء بتحوّل المواقف، بينما لم يمر أسبوعٌ واحد على فوز ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية.
وذكرت صحيفة “فايننشال تايمز” أن هذه التطورات تأتي في الوقت الذي تترقب فيه منطقة الشرق الأوسط تداعيات عودة ترامب إلى البيت الأبيض على الحربين في غزة ولبنان. وتطرقت الصحيفة إلى إخفاق إدارة الرئيس جو بايدن، على مدار أشهر، في التوّسط من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار.
وأشارت “فايننشال تايمز”، في الوقت نفسه، إلى عدم إخفاء مسؤولين إسرائيليين، وفي مقدمتهم نتنياهو، تفضيلهم لعودة ترامب، حيث “يرون أنه أكثر دعمًا لأهدافهم من الحرب”.
ونقلت الصحيفة عن مصدر وصفته بالمطلع أن “هناك تفاهمًا بين نتنياهو وترامب على أنهما سيعملان على إنهاء الحروب… نتنياهو يريد مساعدته في تحقيق هذا الإنجاز… لم يضمن ذلك، لكن الفكرة هي أنه سينتظر أي تحرك مهم في لبنان أو غزة حتى 20 يناير (كانون الثاني)”، في إشارة ليوم تنصيب الرئيس الأمريكي.
من جهتها، ركّزت شبكة “سي إن إن” الإخبارية على إعلان إسرائيل، للمرة الأولى، ضمنيًا، مسؤوليتها عن عملية تفجير أجهزة البيجر التابعة لـ “حزب الله”، في سبتمبر/أيلول الماضي، من خلال تصريحات لنتنياهو تباهى فيها بتلك العملية “والقضاء على نصر الله، ليبرهن على صحة وجهة نظره، التي قوبلت حينها بمعارضة كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية والمستوى السياسي”.
ووصفت “سي إن إن” قرار الحكومة بإيصال تصريحات نتنياهو لوسائل الإعلام الإسرائيلية، والكشف عن وقوف إسرائيل خلف تلك العملية، بأنه “فصلٌ آخر من المكائد السياسية الداخلية التي هيمنت على إسرائيل في الأسابيع الأخيرة”.
وأشارت الشبكة الإخبارية إلى تفسير وسائل إعلام إسرائيلية هذه العبارة على أنها انتقادٌ ضمني للقيادة العسكرية الإسرائيلية ومؤسسة المخابرات، وكذلك لوزير الدفاع يوآف غالانت، الذي أقاله نتنياهو الثلاثاء الماضي.
ويرى مراقبون أن نتنياهو سيحاول تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب على الأرض خلال المرحلة الانتقالية الحالية في الولايات المتحدة، بما يضمن تحقيق أحد أهم أهدافه المعلنة للحرب في لبنان، وهو عودة سكان الشمال إلى منازلهم، لا سيّما بعد أن تلقّى “حزب الله” ضربات موجعة قضت على جميع قيادات الصف الأول به تقريبًا، مع تدمير قدر كبير من البنى التحتية للحزب.
(د ب أ)