نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالا لشادي حميد قال فيه إن نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس تجاهلت الصوت العربي- المسلم بشكل سمح لمنافسها دونالد ترامب بالحصول على مكاسب في وسطهم.
وقال إن الصدع الذي حصل بين العرب- المسلمين الأمريكيين والحزب الديمقرطراطي وصل إلى نقطة اللاعودة.
وإذا كانت الاستطلاعات الأخيرة مؤشرا على شيء، فإن معظمهم لن يصوتوا لكامالا هاريس، مما يشير إلى تحول صارخ بعد سنوات فقط من تحولهم إلى قاعدة انتخابية رئيسية للحزب الديمقراطي خلال سنوات ترامب.
وأشار حميد إلى دراسة مسحية وجدت أن نسبة 29.4% من الناخبين المسلمين قالوا إنهم يخططون للتصويت لهاريس، مما يتركها متعادلة تقريبا مع مرشحة حزب الخضر، جيل ستين. ووضع استطلاع للرأي بين الناخبين المسلمين المتدينين والمتعلمين في الجامعات في المقام الأول، نسبة الدعم لهاريس عند 14%. وفي الوقت نفسه، يعتزم 42% من العرب الأمريكيين التصويت للمرشحة الديمقراطية.
ويقول حميد إن هذه الأرقام بعيدة كل البعد عن الأغلبية الكبيرة التي صوتت لصالح جو بايدن في عام 2020.
وقال: “لقد حدث تغير ما، وفي حواراتي مع العرب والمسلمين حول البلاد، وجدت أن المزاج قاتم ويائس. ويرون أن الحزب الديمقراطي تجاهل مواقف أعضائه الذين تفضل نسبة 77% منهم عدم إرسال السلاح إلى إسرائيل، ويعترف الديمقراطيون البارزون بالدمار الذي لحق بغزة، ولكنهم في الوقت نفسه لا يبدو أنهم راغبون في فعل أي شيء حيال ذلك”.
ففي مقابلة أجريت مؤخرا، فعلت رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي ما يعادل هز كتفيها، قائلة: “الموت أمر محزن” واقترحت أن الأمريكيين العرب يجب أن يكونوا ممتنين لأن الديمقراطيين “توافدوا لحمايتهم” بعد أن اقترح دونالد ترامب حظر سفر المسلمين.
ويقول الكاتب إن الأمر بدا أولا أن هاريس ستبعد نفسها عن الموقف الداعم بغير شروط لإسرائيل والذي تمسك به بايدن طوال الحرب. وفي بداية العام الحالي، اعترف بايدن في حملة انتخابية أن القصف الإسرائيلي لغزة “لم يميز”، لكنه أضاف بشكل أثار الرجفة والخوف، و”لكننا لم نفعل أي شيء غير حماية إسرائيل”.
كنائبة للرئيس، تمسكت هاريس بلهجة مختلفة، حيث تحدثت في أكثر من مرة عن الظروف اللإنسانية في غزة، إلا أن عددا من العثرات أدت لتبديد حسن نيتها. وبدأت المشكلة في مؤتمر الحزب الديمقراطي الذي عقد في ميشيغان بشهر آب/ أغسطس تحت شعار الخيمة الكبيرة، وتحدثت فيه مجموعة من الشخصيات الديمقراطية البارزة، إلا أن الخيمة كانت واسعة إلى حد ما. فقد طالب الأعضاء من حركة “غير ملتزم” بمنح متحدث فلسطيني- أمريكي أو طبيب تطوع من غزة الفرصة لمخاطبة المجتمعين.
وتركزت الضغوط الأخيرة من أجل السماح لنائبة برلمان جورجيا، رؤى رمان. وكانت كلمتها المعدة سلفا غير ضارة لحملة هاريس، حيث تضمنت دعما متحمسا للمرشحة الديمقراطية. وأكدت في الوقت نفسه على الحاجة الماسة لوقف إطلاق النار وتحرير الأسرى الإسرائيليين والفلسطينيين.
وقد أشار تجاهل رمان إلى حساسية حملة هاريس حتى للتعبيرات اللطيفة الداعمة لحقوق الفلسطينيين.
ويقول حميد إنه كان من السهل تخيل أن الشرق الأوسط تراجع عن دائرة الاهتمام في الفترة الأولى للمشاعر الطيبة التي أبدتها هاريس. إلا أن إسرائيل قامت في 1 تشرين الأول/ أكتوبر بغزو بري للبنان، وأسفر عن مقتل 2,400 شخص، وإجبار أكثر من خمس سكان البلد على النزوح من منازلهم. وهو ما وضع الديمقراطيين في موقف محرج، فقد كان عليهم تفسير توسع حرب تشنها حليفة تتلقى مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية الأمريكية، رغم إصرارهم طوال العام الماضي أن الإدارة تركز جهودها على منع توسع الحرب.
وعليه، بات من الصعب إنكار تواطؤ إدارة بايدن في حربين تستهدفان عمدا المدنيين والبنى التحتية المدنية. ورغم التصريحات العامة والتي تعبر عن القلق، إلا أن المسؤولين البارزين في إدارة بايدن أعطوا الضوء الأخضر لغزو لبنان. ويأتي الدعم الأمريكي المستمر، في وقت تواصل إسرائيل منع دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، حيث سجل شهر أيلول/ سبتمبر دخول “أدنى مستوى من المساعدات مقارنة مع أي شهر خلال العام الماضي”، وهذا هو تقييم الإدارة الأمريكية وليس أي جهة أخرى.
كل هذا، جعل من المستحيل على الناخبين المسلمين والعرب التعامل مع الأمر وكأن هذه الانتخابات مجرد جولة أخرى، ويقول الكاتب: “أنا أشعر بهذا أيضا، فالولايات المتحدة تتحدث وتتخذ إجراءات عندما ترتكب فظائع جماعية ضد المدنيين في صراعات أخرى”.
ويضيف أن هذا لا يحدث في الشرق الأوسط، على ما يبدو. فلعقود من الزمن، مولت الولايات المتحدة وسلحت دكتاتوريين عربا ينكرون أبسط الحقوق على شعوبهم. وكان الازدراء لشعوب المنطقة هو التيار الكامن الذي شكل دعامة أساسية للإدارات الديمقراطية والجمهورية على حد سواء، حتى تلك التي كان من المفترض أن تكون أفضل. وكان باراك أوباما يمزح بالسر قائلا: “كل ما أحتاج إليه في الشرق الأوسط هو عدد قليل من المستبدين الأذكياء”، بينما كان يتساءل في العلن قائلا: “لماذا لا يستطيع الناس في الشرق الأوسط أن يكونوا مثل الإسكندنافيين؟”.
وقد أكد تدمير غزة للكثير من العرب والمسلمين ما كانوا يشكون به في السابق: فلا يُنظر إليهم على قدم المساواة أو يستحقون كرامة متساوية، فحياة العرب والمسلمين يمكن التضحية بها. وكما قالت الكاتبة لينا منذر: “اسأل أي عربي عن أكثر شيء إيلاما اكتشفه في العام الماضي: لقد اكتشفنا مدى نزع الإنسانية عنا إلى الحد الذي جعل من المستحيل علينا أن نعمل في العالم بنفس الطريقة”.
أكد تدمير غزة للكثير من العرب والمسلمين ما كانوا يشكون به في السابق: فلا يُنظر إليهم على قدم المساواة أو يستحقون كرامة متساوية، فحياتهم يمكن التضحية بها
ويقول حميد إن هاريس أعربت عن تعاطف مع الفلسطينيين بطريقة لم تظهر من بايدن، ولكنها وباستثناءات قليلة، تجنبت مخاطبة العرب الأمريكيين مباشرة. وهو ما فعلته في ميشيغان الأسبوع الماضي/ ولكن بدون أن تُظهر لهم أن نهجها قد تغير. فقد اعترفت بمعاناة الفلسطينيين لكنها لم تذكر مَن تسبب في ذلك. و “كان الأمر وكأن كارثة طبيعية حزينة قد حلت بهم، في حين أن الأسلحة الأمريكية هي التي تسبب في معاناتهم”.
وفي ديترويت، عندما سُئلت على وجه التحديد عن غضب الناخبين الأمريكيين العرب إزاء تدمير غزة، لجأت هاريس إلى نقاط نقاش قديمة، قائلة: “القصة الأولى الأكثر مأساوية هي 7 تشرين الأول/ أكتوبر” وكأن معاناة الفلسطينيين يجب أن تكون دائما مشروطة وفي أدنى مستوياتها. وعبّر حميد عن أمله بفوز هاريس، لكنها لا تجعل الأمر سهلا للقادة العرب والمسلمين الأمريكيين الذي سيقومون بمناصرتها والدفاع نيابة عنها بقوة. وبتجاهلها لهم، فقد سمحت لترامب أن يحقق مكاسب.
وتقول حملة الرئيس السابق إن مسعد بولس، وهو والد زوجة ابنة ترامب، تيفاني، عقد أكثر من 100 لقاء مع العرب الأمريكيين. وربما كان المسلمون والعرب الأمريكيون هم من سيرجحون كفته في الانتخابات. ويتوقع العالم السياسي يوسف شهود أن امتناع نسبة 40% من هؤلاء الناخبين عن التصويت أو قرارهم التصويت لمرشحين من حزب ثالث، فإن الخسارة الصافية لهاريس قد تبلغ 44,000 صوت في ميشيغان، و28,000 صوت في بنسلفانيا، و12,000 صوت في جورجيا.
ولكن الأمر يتجاوز العرب أو المسلمين إلى حد كبير، حيث يمتد إلى التقدميين الشباب الذين يدعمون الحقوق الفلسطينية بمستويات أعلى كثيرا من نظرائهم. ومن المفترض أن يتحدث أولئك الغاضبون من التواطؤ الأمريكي في حرب إسرائيل إلى أصدقائهم وزملائهم، الأمر الذي يضعف الحماس لحملة تحتاج إلى كل المساعدة التي يمكنها الحصول عليها، وهذا وضع لا يريد أحد أن يكون فيه قبل أسبوعين من الانتخابات. ولم يفت الآوان بالنسبة لحملة هاريس، فهي تحتاج لدق ناقوس الخطر.