“ذي نيشين”: هكذا تبيد "إسرائيل" عائلات غزية بكاملها بأسلحة تنتجها مصانع في مدن أمريكية وادعة

الثلاثاء 22 أكتوبر 2024 04:37 م / بتوقيت القدس +2GMT
“ذي نيشين”: هكذا تبيد "إسرائيل" عائلات غزية بكاملها بأسلحة تنتجها مصانع في مدن أمريكية وادعة



واشنطن/سما/

نشرت مجلة “ذي نيشين” تقريرا أعده الكاتب وصانع الأفلام جيمس بامفورد، قال فيه إن إسرائيل تقتل عائلات فلسطينية بأكملها في غزة بأسلحة صنعت في الولايات المتحدة.

وقال: “تفصل بينهما مسافة نصف العالم، ولكن هناك القليل ما يربط قرية ميدلتاون الريفية في ولاية أيوا، الواقعة على طول نهر المسيسيبي، بالمناظر المروعة للمباني السكنية المدمرة فوق الجثث المتعفنة في حي تل الهوى المكتظ بالسكان في الجزء الجنوبي من مدينة غزة”.

ويقول بامفورد إن “غزة وميدلتاون تشابكتا بشكل وثيق منذ فترة طويلة، وخاصة منذ صباح 29 كانون الثاني/ يناير 2024، على الرغم من عدم معرفة إلا قلة من الناس”.

ففي ذلك الصباح وبعد ليلة من القصف المكثف، كان الجيش الإسرائيلي يخطط لشن هجوم مميت آخر على تل الهوى، وفي الساعة 9:32 صباحا أصدر أمرا للسكان بإخلاء الحي على الفور.

ومن بين الذين استجابوا للأمر، بشار حمادة وعائلته، الذين نزحوا إلى تل الهوى من منزلهم في جزء آخر من المدينة في أعقاب هجوم سابق. وبحلول ذلك الوقت، وفقا للأمم المتحدة، كان 1.7 مليون شخص في غزة، أي 75% من سكان القطاع البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة، قد شُرّدوا في وطنهم بسبب الهجمات المميتة، مع أن عددا منهم نزح أكثر من مرة.

ويضيف بامفورد إنه في ذلك الصباح البارد الممطر من يوم الاثنين، ركب بشار (44 عاما) وزوجته أنعام (43 عاما) بسرعة في سيارة العائلة مع أطفالهما الأربعة وابنة أختهما البالغة من العمر 6 سنوات، هند رجب، التي كانت تحلم بأن تصبح طبيبة أسنان.

بقيت والدة هند، وسام حمادة، وراءهم كي تلحق بها فيما بعد. وقالت لاحقا لقناة الجزيرة القطرية: “كانوا يطلقون النار على أي شخص يتحرك في الشارع”. وقد أدرك بشار أنه في ورطة، حيث حاصر الجيش الإسرائيلي المنطقة وبدأ بإطلاق النار. ولكي يتجنب القصف، ساق سيارته السوداء من طراز “كيا بيكانتو” إلى محطة الوقود القريبة، محطة فارس، ولكن دون جدوى. وقد اتصلت وسام ببشار للاطمئنان عليهم، لكن ابنة أختها البالغة من العمر 15 عاما، ليان، هي التي ردت على الهاتف. صرخت وهي تشهق: “أنا وهند فقط على قيد الحياة. هند مصابة. هند تنزف، وأنا أنزف”.

وعندها اتصلت الأسرة بجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، وطلبت منهم إرسال سيارة إسعاف إلى محطة الوقود. اتصل عمر علقم، موظف الهلال الأحمر الفلسطيني، بالسيارة بسرعة، وردت ليان وهي تصرخ: “إنهم يطلقون النار علينا. إنهم يطلقون النار علينا، الدبابة بجانبي”. وبعد ثوان، لم يكن هناك سوى الصراخ، حيث كان من الممكن سماع صوت إطلاق نار من مدفع رشاش بوضوح. ولم يسمع من ليان مرة أخرى.

وأظهرت تحليلات لاحقة أن الهاتف التقط صوت 64 طلقة نارية أطلقت من دبابة في ست ثوان فقط.

وقبل إرسال سيارة إسعاف، كان لابد من الحصول على موافقة الجيش الإسرائيلي، وهي عملية تستغرق ثلاث ساعات بدون أي داع.

وفي داخل مركز الطوارئ التابع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، حيث تم تثبيت لافتة على نافذة مكتوب عليها: “استهداف البعثات الطبية جريمة حرب”، اتصل المسعف مرة أخرى بالسيارة. هذه المرة، كانت هند هي التي ردت على الهاتف. أخبرت المسعف أن ليان ماتت، ثم صرخت، “الدبابة بجواري… إنها تتحرك أمام السيارة”. وعندما سئلت عما إذا كانت قريبة، أجابت: “جدا، جدا، تعالوا خذوني، تعالوا خذوني، أنا خائفة جدا، من فضلكم تعالوا!”.

في النهاية، تمكن المسعف من ربط والدة هند بالمكالمة. قالت لها الطفلة البالغة من العمر ست سنوات: “لقد أصبت برصاصة في الجزء العلوي من ذراعي وظهري وقدمي”.

وتظهر صور الأقمار الصناعية التي التقطت في ذلك اليوم، العديد من الدبابات الإسرائيلية على مقربة من المكان الذي تعرضت فيه السيارة للهجوم. وخلص تحقيق علمي أجرته مؤسسة “فورينزك أركيتكتشر” إلى أن مطلق النار كان لديه رؤية واضحة للسيارة وركابها. وبعبارة أخرى، كان الجنود يستطيعون رؤية وجود  طفلتين في المكان.

ويضيف التقرير: “يشير مستوى انخفاض الزجاج الأمامي إلى أن السيارة دهستها مركبة خفيفة مثل جرافة عسكرية إسرائيلية من صنع شركة كاتربيلر”.

وبعد ساعات كانت سيارة الإسعاف قريبة. وقال السائق لهند: “أنا قادم إلى محطة الوقود، أوه، ها هي”. ولكن على الفور، سمع صوت انفجار وانقطع الاتصال بالهاتف. ثم اتصلت الأسرة بهند، التي قالت إنها على قيد الحياة وسمعت انفجارا قريبا. ومع ذلك، كان صوتها يضعف وقالت إن فمها ينزف. كان هذا آخر ما سمعوه من ابنتهم.

وبعد عملية استمرت 12 يوما انسحب الجيش الإسرائيلي أخيرا، وتم العثور على جثث الأسرة المتحللة بما فيها جثة هند. ووجد التحقيق 335 ثقبا في السيارة بسبب إطلاق النار مدفع رشاش من مسافة 50 مترا. وعثر على حطام سيارة الإسعاف وجثتي المسعفين بالقرب منها، فقد قتلا نتيجة إطلاق النار من مدفعية، وهي جريمة أخرى في القائمة الطويلة لجرائم الحرب الإسرائيلية.

والأهم في المشهد، هو السلاح المستخدم لقتل الفلسطينيين، فقد عُثر على شظية قذيفة مدفعية من عيار 120 ميلميترا تحمل علامة “أم 830 إي1”. وهي قذيفة مصممة لتدمير الدبابات وليس سيارات الإسعاف.

ويكشف الرقم المتسلسل والعلامة عن مصدر القذيفة، وهو مصنع الذخيرة في ولاية أيوا، الواقع في ميدلتاون. ويقع مصنع الذخيرة الضخم على مساحة 19011 فدانا وتديره شركات المقاولات الدفاعية “أمريكان أوردينانس أل أل سي”، وهي فرع لشركة دفاعية أخرى اسمها “داي أند زيمرمان”. وهو واحد من عدة مصانع وشركات مقاولات دفاعية توفر الأسلحة لإسرائيل كي تجلب الموت والدمار.

ورغم الأرقام، إلا أن الشركات هذه لم تواجه تداعيات في واشنطن، برغم الأدلة الساحقة على جرائم الحرب الوحشية وانتهاكها لسياسة نقل الأسلحة الخاصة بإدارة بايدن، والتي تهدف إلى ضمان استخدام الأسلحة المصنوعة في أمريكا وفقا للقانون الدولي، وكذلك قانون ليهي، الذي يحظر تقديم المساعدة للوحدات العسكرية الأجنبية التي ترتكب انتهاكات.

وأشار بامفورد إلى دراسة حول تكاليف الحرب نشرها معهد واتسون التابع لجامعة براون الأسبوع الماضي، فقد أنفقت الولايات المتحدة ما لا يقل عن 22.76 مليار دولار من أموال دافعي الضرائب على المساعدات العسكرية لإسرائيل منذ بدء الحرب في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

ويشمل ذلك عدة قطع غيار مهمة مصنوعة في أمريكا للدبابة التي استهدفت هند وعائلتها، والقنابل القوية المصنوعة في أمريكا مثل تلك التي ألقيت على مبنى شقتها وعلى مخيمات اللاجئين، مما أسفر عن مقتل الآلاف في لحظة واحدة، والقذائف المضادة للدبابات المصنوعة في أمريكا مثل تلك التي استهدفت سيارة الإسعاف التي هرع طاقمها لإنقاذ هند، والجرافات المصنوعة في أمريكا مثل تلك التي سحقت سيارة بشار حمادة في محاولة سيريالية أخيرة لسحق الأسرة داخلها.

ويقول إن إدارة بايدن صادقت بحلول شهر آذار/ مارس الماضي، على أكثر من 100 صفقة أسلحة أمريكية منفصلة لإسرائيل، أو ما يقرب من صفقة واحدة كل 36 ساعة. كل هذا يعني أوقات ربح لشركة ماكاليستر في أوكلاهوما حيث يتم بناء أضخم القنابل غير النووية في أمريكا، قبل شحنها إلى إسرائيل.

وخلف سياج مرتفع، تحتل المنشأة موقعا مساحته 70 ميلا مربعا، أي أكبر من مساحة واشنطن العاصمة.

وقد كانت الفكرة هي بناء مبان بعيدة عن بعضها البعض حتى لا يتسبب انفجار في أحدها بتفاعل متسلسل. ومن بين منتجات ماكاليتستر، قنبلة “أم كي-84” التي تبلغ زنتها 2,000 رطل، والتي تصنعها شركة جنرال ديناميكس للذخائر والأنظمة التكتيكية. ومنذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر  2023، شحنت وزارة الدفاع الأمريكية أكثر من 14 ألف قنبلة من هذه القنابل العملاقة إلى إسرائيل لاستخدامها في غزة الصغيرة المكتظة.

وتعد قنبل”أم كي-84″  شديدة الفتك والتدمير، وهي أثقل بأربع مرات من أكبر القنابل التي استخدمتها الولايات المتحدة في سوريا والعراق في حربها ضد تنظيم الدولة الإسلامية. كما أن غلافها الفولاذي محمل بـ945 رطلا من المتفجرات الفتاكة، ويمكن أن تترك حفرة بعرض 50 قدما وبعمق أكثر من ثلاثة طوابق. ويمكنها أيضا اختراق ما يصل إلى 15 بوصة من المعدن أو 11 قدما من الخرسانة. ومع ذلك، قررت إسرائيل إسقاطها على مخيمات اللاجئين المكتظة في غزة، حيث يشكل الأطفال نصف ساكنيها.

في عام 2014، أسقطت إسرائيل أكثر من 500 قنبلة من طراز أم كي-84 نسبة 40% منها استهدفت مناطق آمنة مكتظة حددتها إسرائيل. وبعد ستة أسابيع من الحرب الحالية، أسقطت قنابل تزن 2,000 رطل في أكثر من 200 مرة. وأشار تحقيق للأمم المتحدة إلى أن قنابل ثقيلة من صنع أمريكا أسقطت أيضا على “مبانٍ سكنية ومدرسة ومخيمات للاجئين وسوق” في ست مناسبات بين 9 تشرين الأول/ أكتوبر و2  كانون الأول/ ديسمبر 2023، مما أسفر عن مقتل 218 شخصا على الأقل. وتقول الأمم المتحدة إن “عدد القتلى قد يكون أعلى من ذلك بكثير”.

وقالت منظمة أمنستي انترناشونال إن الهجوم على مخيم جباليا المزدحم للاجئين، تم باستخدام واحدة أو اثنتين من قنابل جي بي يو-31، وهي معدلة من قنابل أم كي- 84. وخلص تحليل أجراه مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إلى عدم وجود هدف عسكري يبرر الضربة. لكن القنابل استمرت بالسقوط.

كما استمرت جرائم الحرب التي ارتكبت بأسلحة مدمرة تحمل ختم: “صنع في الولايات المتحدة”، بلا توقف لأكثر من عام، وأسفرت عن مقتل 42,000 شخص أو أكثر، وما يزيد عن 100,000 مصاب آخرين، وهو ما يجعل الولايات المتحدة متورطة في الإبادة الجماعية المستمرة. وفي آب/ أغسطس، أحصى مرصد حقوق الإنسان الأورومتوسطي أكثر من 2750 عائلة فقدت ثلاثة أفراد على الأقل في الهجمات الإسرائيلية على مدى الأشهر الـ11 السابقة، وفقدت أكثر من 365 عائلة غزية أكثر من 10 أفراد في الحرب الجارية.

وهذه ليست حوادث معزولة، فقد شهدت العديد من العائلات إبادة عدة أجيال في ضربة واحدة، كما قال رئيس المنظمة، رامي عبده، لصحيفة “لوموند” الفرنسية: “يبدو الأمر وكأن عائلات بأكملها اختفت بين عشية وضحاها”.

ويقول بامفورد إن هذا هو السبب وراء اتخاذ إسرائيل تدابير دقيقة لإخفاء أي شظايا قنابل وقذائف متناثرة بين الجثث عن العالم، وهي شظايا قد يتم تعقبها إلى الولايات المتحدة وتجعل الجمهور الأمريكي يشكك في تورط واشنطن المميت في الحرب. وتشمل هذه التدابير أيضا منع الصحافيين الأجانب من دخول غزة، أو مهاجمتهم أو قتلهم أثناء قيامهم بعملهم.

وقد قتل حتى 11  تشرين الأول/ أكتوبر 2024 ما لا يقل عن 128 صحافيا وإعلاميا في غزة والضفة الغربية ولبنان، حسب لجنة حماية الصحافيين: “مما يجعلها الفترة الأكثر دموية للصحافيين منذ بدأت لجنة حماية الصحافيين في جمع البيانات عام 1992”.

وبعبارات نيتشه وإن بصياغة معدلة: “من يقاتل جنبا إلى جنب مع الوحوش، عليه الحذر من تحوله إلى وحش”، وربما كان هذا التحذير متأخرا بالنسبة لأمريكا، يعلق بامفورد.