لا يتوقف الإخفاق الذي تعانيه دولة الاحتلال على الجوانب العسكرية في عدة جبهات قتالية تخوضها في المنطقة، بل إن الأمر يأخذ أبعادا جديدة يتحدث عنها الإسرائيليون أنفسهم، بل يصلون إلى استنتاجات تبدو خطيرة، وتتحدث عن أن الدولة برمّتها في طريقها إلى الانهيار التام، في ضوء أن الوضع الحالي لم تواجهه من قبل، على مختلف الأصعدة: السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية.
عامير سيغال عالم الاجتماع والشاعر والناقد الأدبي، والمحاضر في الجامعة العبرية بالقدس المحتلة، وضع إجابات مفترضة للسؤال الذي يشغل الإسرائيليين ومفاده "كيف سيكون شكل الانهيار"، من خلال عودته إلى عام 2017، حين أنتج رينو سارور فيلمه المسمى "اليهود للمرة الثالثة"، وجرت فيه مناقشة احتمال انهيار "الهيكل الثالث"، أي إسرائيل اليوم، لكننا اليوم بتنا على قناعة عامة مفادها أنه إذا استمرت الدولة في الاتجاه الذي تسير فيه، فإنها ستنهار، ويبدو الآن أنه السيناريو الأكثر احتمالا".
مستقبل الحكومة
وأضاف في مقال نشره موقع زمن إسرائيل، وترجمته "عربي21" أن "أول المؤشرات للانهيار القادم يتمثل في أن الحكومة الحالية لن تسقط، ويجب الافتراض أنها ستعيش أيامها كاملة، ولن تسقط بحجب الثقة أو الموازنة، على أن تجري انتخابات الكنيست المقبلة السادسة والعشرين في أكتوبر 2026، أي أن لديها اليوم عامين إضافيين حتى تلك الانتخابات، مما يعني أخذها لمزيد من الوقت لتنفيذ برنامجها الانقلابي الخاص بالتغييرات القانونية التي توقفت مع اندلاع الحرب على غزة".
وأشار إلى أن "المؤشر الثاني أن الحرب الجارية لن تتوقف، فالحكومة الحالية مهتمة بالحرب الأبدية، بل إن المعارضة تنافسها في دعم الحرب، حيث يعلن قادتها دعمهم لغزو جنوب لبنان، والسيطرة عليه، ويعطون نصيحة حول المكان الأفضل للهجوم في إيران، بدلاً من القول ببساطة إن القتال يجب أن يتوقف، وعلى الفور".
وأوضح أن "المؤشر الثالث ذو طابع اقتصادي الذي لن يتحسن بعد أن حصل الاحتلال على ستة تخفيضات للتصنيف الائتماني من قبل ثلاث وكالات تصنيف، تخفيضان لكل وكالة، وبما أن رد الحكومة كان هجوماً غريباً على تلك الوكالات، ولم تتحمل أي مسؤولية، أو تصدر أي نية لتصحيح ذلك، فلا ينبغي أن نفترض أن الوضع سيتحسن، بل سيتدهور أكثر، وقد أصدر محافظ بنك إسرائيل أمير يارون رسائل متشائمة للغاية، بأن سعر الفائدة لن ينخفض، ويفترض أن يرتفع قريبا، والعجز الحكومي يتزايد ويتزايد، والإصلاحات المطلوبة من إدخال اليهود المتشددين لسوق العمل، وإغلاق المكاتب الحكومية غير الضرورية، كلها لن تحدث".
التراجع الاقتصادي
وأكد أن "المؤشر الرابع أن الوضع الاجتماعي في إسرائيل لن يتحسن، حيث ستستمر الشرطة في خدمة إيتمار بن غفير، واضطهاد المتظاهرين السلميين الذين لم يفعلوا شيئًا، ولن يهدأ التوتر بين أجزاء المجتمع الإسرائيلي، وستؤدي حالة الحرب والوضع الاقتصادي الإشكالي لتفاقم الشقوق والكسور والمشاكل، والحكومة الحالية متورطة في ممارستها العملية في هذا التدهور".
وأكد أنه "بينما تتنبأ هذه المقالة بالانهيار الإسرائيلي، لكن الواقع يقول إن جزءًا كبيرًا من الانهيار موجود بالفعل، والخلل الوظيفي موجود بالفعل بيننا، فالحرب في غزة، وخفض التصنيف الائتماني، والمستوطنون النازحون من منازلهم منذ عام، والمختطفون الذين لم يعودوا منذ عام، وسلسلة الهجمات، والمستوطنات في الشمال والجنوب التي تم تهجيرها، تم تدميرها فعلا، والمواصلات لا تعمل، وقائمة الانهيارات التي لا نهاية لها لن تنتهي فعلا".
وأشار إلى أن "الحكومة الحالية لن تستقيل خجلاً، ولن تسقط، والمعارضة محرجة وفقيرة، وفيها يتنافس يائير غولان مع بيني غانتس الذي سيدعم أكثر تحركات هذه الحرب الفاشلة وغير الضرورية، والتعزيز الذي قدمه غدعون ساعر للحكومة يتوقع أن يؤمّنها، ويسمح لها بالبقاء على قيد الحياة، وعدم سقوطها في التصويت على الميزانية، والحرب الجارية لن تذهب لأي مكان، وحقيقة أننا لن نفوز فيها واضحة، لأننا فعلا خسرناها، نحو التخبط الرهيب في غزة، والتخبط المتوقع في لبنان، والمحاولات المستمرة لإشعال النار في الضفة الغربية، وكذلك بين فلسطينيي48 داخل الخط الأخضر، سعياً لانتفاضة شاملة".
وأضاف أن "المؤشر الخامس يتعلق بالمزيد والمزيد من الإسرائيليين الذين يغادرون الدولة، وسيغادرونها، والأرقام المرئية مذهلة وغير مسبوقة، ومن المثير للقلق أن الأرقام بشكل عام ليست مرئية، وهناك شعور بأنهم يحاولون منع الكشف عن الوضع الحقيقي، وفي الآونة الأخيرة، تم الكشف عن أعداد الإسرائيليين الذين كانوا في الخارج لأكثر من عام، وهذا كثير، لكنه بعيد عن الصورة الكاملة، فهناك عدد قليل جدًا ممن لا يعودون للدولة على الإطلاق لمدة عام، وجوازات السفر الأجنبية آخذة في الانتشار، وكل من يستطيع ولديه القليل من رأس المال يحول مدخراته واستثماراته للخارج، يشتري منزلاً في اليونان والبرتغال، ويستثمر في الخارج".
الهجرات العكسية
وأكد أن "كل هذه المؤشرات مدمّرة للوضع الاقتصادي السيئ أصلاً، فالعجز يتزايد، وسيكون المزيد من التخفيضات في التصنيف الائتماني لإسرائيل، وقد انخفضت الاستثمارات الرأسمالية فيها بالفعل خلال العام الماضي، وستستمر في الانخفاض، وأي شركة دولية تفكر بإضافة موظفين أو مركز آخر ستتخطى دولة الاحتلال بسبب مكانتها الدولية، أو تصنيفها الائتماني السيئ، لأن الكثير من الموظفين لا يعملون إطلاقا بسبب انخراطهم في الخدمة في صفوف جيش الاحتياط".
وأضاف أن "مكانة إسرائيل الدولية لن تتحسن، بل ستتدهور فحسب، نتيجة للحرب القاسية المستمرة بلا هدف، والقتل والدمار في غزة ولبنان، نتاج الحكومة اليمينية المتطرفة التي تتعامل مع الانتقادات الدولية بالتشهير فقط، كما هو الحال مع وكالات التصنيف الدولية، وإعلان الأمين العام للأمم المتحدة شخصية غير مرغوب فيها، ونفقات الحرب لن تنخفض، ولن تنخفض أموال الائتلاف الحكومي، غير القادر على اتخاذ قرار مسؤول".
الأزمة الدبلوماسية
وأشار إلى أن "بوادر الانهيار تتجلى في تصاعد مخصصات اليهود المتشددين، ومعاشات الموظفين الدائمين، ورواتب أعضاء الكنيست، ونفقات منازل رئيس الوزراء، والاستثمارات في المستوطنات، وزيادة ميزانية الحرب، وتكاليف السكن للنازحين سترتفع، وبالتالي سيتحقق العجز لكل ذلك، ويستمر العجز في النمو، وترتفع الضرائب حتماً، وتستمر عمليات جمع السندات، ويمكننا توقع ذلك من الأرقام الحقيقية للبطالة، وسنرى استمرار معدلاتها في الارتفاع، لأنه لن يتم خلق فرص عمل، فالاستثمارات في إسرائيل تجمدت وتقلصت، ولسنا بعيدين عن سحب مراكز التطوير وفروع الشركات العالمية، وبالتالي، سيكون هناك عدد أقل وأقل من الوظائف، وستستمر محاولات زيادة السندات، وسحب المدخرات العامة، وزيادة الضرائب بشكل متزايد".
تبدو خطيرة مثل هذه المؤشرات التي تتحدث بألسنة وأقلام إسرائيلية بحتة، وليس فلسطينية أو عربية، في ضوء ما تعيشه دولة الاحتلال من مزيج من تضخم جنوني، وحرب لا نهاية لها، وقيادة غير شرعية، وأزمة دبلوماسية متزايدة، مما سيزيد الأزمة الخطيرة المتمثلة في المزيد من البطالة، وانخفاض أسعار الشقق، وتراجع الاستثمارات، وزيادة عدد الإسرائيليين المغادرين، وصولا لانهيار الشركات والبنوك وشركات التأمين، والجمعيات التي تقدم الخدمات الاجتماعية، ونقل الشركات العالمية لمقارها من دولة الاحتلال، مما يعبّد الطريق الفعلي نحو ما يعتبره الإسرائيليون أنفسهم، وليس سواهم، الانهيار الحقيقي للدولة.