مع استعداد إسرائيل العسكري للرد على الهجوم الإيراني الأسبوع الماضي، تتولى التسريبات سواء من ايران او إسرائيل او حتى الولايات المتحدة. إسرائيل تتعامل مع الرد على انه محتم، ولكن البحث جار عن طبيعته وحدوده، وتداعياته، وهي لا تستطيع اخذ قرار كهذا بمفردها دون التنسيق الكامل مع الولايات المتحدة، لان مهمة التصدي لرد إيراني ساحق تحدث عنه قادة ايران العسكريين والسياسيين ستقع علـى عاتق الولايات المتحدة، وواشنطن وحدها قادرة على تسخير الدول الغربية والعربية للمشاركة في التصدي لهذا الهجوم. لكن بالمقابل يحاول نتنياهو جر الولايات المتحدة الى نهجه هو بالرد وتحديد درجته، وعدم السماح لها بتقليل حدوده وحجمه، مع تحميلها كافة تبعاته وتداعياته، وهذه وصفة ليكودية مبيتة لحرب إقليمية واسعة وصدام مباشر بين ايران والولايات المتحدة، يحاول الطرفان تجنبها قدر الإمكان.
وكان السبب الرئيس الذي منع لأجله نتنياهو وزير حربه يواف غالانت من زيارة الولايات المتحدة، وحاول هو بنفسه الاتصال بالرئيس الأمريكي جو بايدن الذي يبدو انه يفضل التعامل مع نتنياهو عبر مساعديه وليس بشكل مباشر. الإدارة الامريكية وباجماع الخبراء باتت رهينة اهداف واهواء نتنياهو، فمنذ العدوان على غزة في الثامن من أكتوبر العام الماضي، في كل مرحلة من مراحل الحرب يكون هناك تحفظات أمريكية على بعض السياسات والاهداف، لكن نتنياهو في كل مرحلة يتجاهل تلك التحفظات والنصائح، ويندفع لتنفيذ ما يريد، وتضطر الإدارة الى اللحاق به وتأمين الغطاء السياسي والعسكري له، تبلع احتقاره لها ولتحفظاتها، حتى بات ينظر الى الولايات المتحدة على نطاق واسع بانها الشريك الكامل لنتنياهو في جرائم الإبادة والقتل والقصف العشوائي والاعتداء على سيادة الدول دون أي عوائق او محاسبة او ضغط.
المشهد الان باختصار، هناك مجرم حرب مطلق اليدين في هذا العالم، وتدعمه إدارة أمريكية مسلوبة الإرادة وضعيفة وعاجزة. تدرك تداعيات ما يقوم به حليفها المدلل على المستوى الاستراتيجي وحتى على مصالحها في المنطقة ولكنها لا تفعل شيئا سوى ترداد عبارات ساذجة من قبيل حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وملتزمون بدعم إسرائيل ونعمل على عدم توسيع الحرب. وهي عبارات لم يعد احد في العالم يلقي اليها السمع او يأخذها على محمل الجد.
لكن الهجوم الإسرائيلي المرتقب على ايران مرحلة مختلفة كليا عن كل مراحل الحرب التي انساقت معها الإدارة الامريكية، الوضع مع ايران يعني ان الصدام العسكري لن يكون حربا محدودة او نيران في نطاق واحد. المنطقة كلها سوف تشتعل، وستنخرط القوات الامريكية المنتشرة في المنطقة بشكل مباشر، وبالتالي يستكون أهدافا مشروعة، وربما تأخذ المواجهة العسكرية الإقليمية طابعا دوليا نحو حرب أوسع من نطاق الإقليم، وهذا يطرح السؤال الأهم : هل سيكون التعامل الأمريكي مع طموحات نتنياهو ورغباته مختلفا هذه المرة، ام ما انطبق على مراحل أخرى في حرب العام الماضي سوف يستمر، وستذهب الولايات المتحدة خلف نتنياهو مغمضة العينين مرة أخرى ونحو منزلق اخطر بكثير من الحرب في غزة او لبنان.
التسريبات الواردة من طهران وعنها ليست بسيطة هذه الأيام: ابرزها ان ايران اجرت التجربة النووية الأولى عسكريا، ونفذت الانفجار النووي في صحراء البلاد، وهي مرحلة تعتبر متقدمة جدا، وعلى اعتاب صنع القنبلة النووية، وتربط بعض التسريبات بين الهزة الأرضية التي شعر بها سكان طهران ومحافظات إيرانية الأسبوع الفائت وبين التجربة النووية، ان تلك الهزة لم تكن هزة أرضية طبيعة بل نتيجة الانفجار النووي خلال تجربة تحويل اليورانيوم المخصب بدرجات عالية الى الحالة النووية لأغراض التسلح.
وقال مدير “سي آي إيه” وليام بيرنز امس إن إيران قد تحتاج إلى أسبوع لإنتاج قنبلة نووية. وجاء في تصريحات بيرنز لقناة إن بي سي “أن إيران أصبحت أقرب بكثير لإنتاج قنبلة نووية والمخاطر تتصاعد.
ولا يعتبر حسب خبراء اجراء تجربة الانفجار النووي، ان ايران امتلكت القنبلة النووية، لان تحويل الطاقة النووية الى رؤوس حربية وقنابل واسلحة هجومية يحتاج الى وقت، لكن هي بلاشك حسب الخبراء خطوة متقدمة جدا وتسبق التحول نحو البرنامج النووي العسكري.
ايران حتى الان لا تقر بهذه التسريبات ولا تتحدث عنها او تعلق عليها، ولديها التزام مرتبط بفتوى المرشد على خامنئي بتحريم انتاج واستعمال السلاح النووي لما فيه من ضرر على الانسان والطبيعة. لكن المطالبات بايران تزداد يوما بعد يوم، بتعديل هذه الفتوى نظرا للموجبات الشرعية التي تتطلب تعديل الفتوى مع تعرض مصير البلاد للهجوم من إسرائيل والولايات المتحدة، وان هذا السلاح سيكون بمثابة شبكة امان وحماية للشعب الإيراني من التهديدات والنوايا الإسرائيلية التي باتت علنية باستهداف ايران، وقد قالها نتنياهو وأركان حكومته من المتطرفين المجرمين ان هدفهم الأول هو ايران. وبناء على ذلك لا يمكن استبعاد فرضية اعلان المرشد تعديل الفتوى، وإعلان ايران دولة نووية. وهذا سيكون بمثابة صفعة لإسرائيل وللولايات المتحدة من خلفها.
ونرجح ان تكون هذه التسريبات هي السبب في تغير اللهجة في إسرائيل من الدعوة لضرب المنشآت النووية الإيرانية والنفطية كحد ادنى، الى البحث عن خيارات اقل من ذلك السقف، والبدء بالحديث عن اهداف عسكرية او اهداف خارج ايران تضرب المصالح الإيرانية. المنطقة كلها في حالة انتظار، وايران يدها على الزناد وربما ما هو اكبر من ذلك.