نظّم المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات) ورشة حوارية في القاهرة، على مدار يومين، في 23 و24 آب/ أغسطس 2024، بعنوان "رؤى وحلول سياساتية فلسطينية"، بمشاركة مجموعة من الشخصيات والخبراء الفلسطينيين من الجنسين، من اتجاهات متعددة من الضفة الغربية وقطاع غزة والشتات.
وهدفت الورشة إلى تطوير رؤية إستراتيجية فلسطينية لبناء هياكل شاملة وتشاركية لإدارة الحكم خلال مرحلة انتقالية في قطاع غزة، في إطار نظام سياسي فلسطيني موحد، وإلى اقتراح حلول وخيارات سياساتية لمعالجة أولويات إدارة الحكم في غزة، فيما يتعلق بالإغاثة الإنسانية الفعالة، والإنعاش، وإعادة الإعمار، والأمن والسلم الأهلي، إضافة إلى تحديد أطر الشراكات لتعزيز أدوار الأطراف الإقليمية والدولية في تعبئة وإدارة الموارد لضمان الإغاثة الإنسانية الفعالة وإعادة الإعمار، وكذلك تحديد المخاطر والفرص الكفيلة بالتغلب على العقبات الناجمة عن المخاوف السياسية والأمنية لدى الأطراف الإقليمية والدولية.
وخرجت الورشة بمجموعة من التوصيات أدناه بناءً على الأفكار التي ظهرت خلال الورشة، ومن خلال ملاحظات المشاركين/ ات التي وصلت عبر البريد الإلكتروني، أو من خلال المشاركين أنفسهم.
كما تم الشروع في تنظيم ورشات حوارية ولقاءات ومشاورات واسعة، بمشاركة المشاركين/ ات في الورشة، مع العديد من الشخصيات السياسية والفكرية والأكاديمية وممثلين عن منظمات المجتمع المدني والإعلاميين والدبلوماسيين العرب والأجانب، لعرض ومناقشة هذه التوصيات، والآليات والإجراءات العملية المطلوبة لتطبيقها.
الأسئلة التوجيهية لهذه التوصيات
كيف يمكن للفلسطينيين بناء هياكل حَوْكَمة شاملة وتشاركية للمرحلة الانتقالية تعزز الحَوْكَمة بقيادة فلسطينية، ضمن نظام سياسي موحد، من أجل إنجاز حق تقرير المصير والاستقلال الوطني؟
ما المؤسسات الدولية والإقليمية أو الهياكل الداعمة الأخرى التي يمكن أن تساهم في ضمان الإغاثة الإنسانية الفعالة والتعافي وإعادة الإعمار في غزة؟
ما المخاوف الأمنية والقيود السياسية المحتملة من إسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حيال المرحلة الانتقالية في قطاع غزة، وكيف يمكن التعامل مع هذه المخاوف بأفضل طريقة؟
أولًا: وقف حرب الإبادة
تتمثل الأولوية الفورية في العمل على الوقف الشامل لحرب الإبادة الجماعية التي يعاني منها قطاع غزة، وعودة النازحين قسرًا إلى أماكن سكنهم، ومنع المزيد من الموت والدمار، وضمان وقف إطلاق النار، وضمان الانسحاب لقوات الاحتلال الإسرائيلي، وتدفق المساعدات الإنسانية الأساسية، والشروع في عملية إعادة البناء والإعمار، وتسهيل تبادل الأسرى.
وفي هذا السياق، لا بد من التأكيد على التوصيات الآتية:
إشراك الفصائل الفلسطينية ومختلف الأطراف الفاعلة في إدارة عملية التفاوض بشأن وقف إطلاق النار الشامل والدائم، بما يتضمن الاتفاق على تشكيل وفد فلسطيني موحد للتفاوض على اتفاقية وقف دائم لإطلاق النار وصفقة تبادل الأسرى وإعادة الإعمار، من أجل توفير الظروف المناسبة لحشد موقف وطني داعم لوقف العدوان، على غرار ما جرى في حرب 2014.
تشكيل جبهة مقاومة موحدة لمقاومة الاحتلال بكافة الأشكال، وفق القانون الدولي، تكون خاضعة للقيادة الفلسطينية والإستراتيجية الوطنية المتفق عليها.
دعم وإسناد الجهود المبذولة، المحلية والدولية، للتوصل إلى صفقة تبادل أسرى جدية في سياق اتفاق لوقف العدوان بشكل شامل، والعمل بالتوازي لوقف إجراءات التنكيل بحق الأسرى والأسيرات، والسعي إلى إطلاق سراحهم، وخاصة في ضوء الأعداد الكبيرة من الأسرى والمفقودين في قطاع غزة، واتساع حملات الاعتقال في الضفة الغربية.
ثانيًا: إدارة الحكم
أبرزت حرب الإبادة على قطاع غزة والعدوان على الفلسطينيين في مختلف أماكن تواجدهم، الحاجة الملحة إلى الوحدة الوطنية الفلسطينية وبناء هياكل تشاركية موحدة لإدارة الحكم في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكشفت عن محدودية الآليات الحالية من قبل المجتمع الدولي، التي تهدف إلى حل جذور الصراع وتحقيق السلام والاستقرار على المدى الطويل.
تتمثل الخطوة الأولى نحو تحقيق هذا الهدف في اقتراح آليات عمل ضاغطة من قبل المؤمنين بالوحدة في القوى السياسية والمجتمع المدني والأطر المختلفة باتجاه وضع جدول زمني لتطبيق إعلان بكين، بدءًا بتشكيل حكومة وفاق وطني تتولى مسؤولياتها في الضفة والقطاع وفق مرجعية وطنية عبر التئام وانتظام عمل الإطار القيادي الموحد، على أساس تطبيق إعلان بكين، وذلك خلال فترة انتقالية إلى حين التمكن من الاحتكام إلى الشعب عبر الانتخابات على كل المستويات، مع الأخذ بالاعتبار توسيع مشاركة الشباب والمرأة.
وفي هذا السياق، لا بد من التأكيد على التوصيات الآتية بخصوص الأسس والآليات المطلوب التوافق عليها على المستوى الوطني:
أ) على مستوى هياكل إدارة الحكم
البدء بحوار فلسطيني للتوافق على رؤية موحدة حول إنشاء هيكل حَوْكَمة مستدام لإدارة الحالة الفلسطينية، مع التأكد من أن جميع الإجراءات الفورية، بما في ذلك وقف إطلاق النار، تتماشى مع الرؤية الأوسع لتعافي غزة وحَوْكَمتها بعد العدوان. ويتطلب ذلك إشراك الفصائل الفلسطينية ومختلف الأطراف الفاعلة في المجتمع المدني والقطاع الخاص في إدارة الحكم بشكل تشاركي في غزة بعد الحرب، في إطار التوافق الوطني على تشكيل حكومة وفاق وطني تمارس مهماتها في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتعمل على إعادة بناء مؤسسات مدنية وأمنية موحدة في القطاع، مع تفعيل الإطار القيادي الموحد خلال فترة انتقالية إلى حين استكمال إعادة بناء وتفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية وفق المبادئ الواردة أدناه.
إعادة بناء وتفعيل وتطوير مؤسسات منظمة التحرير بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، على أساس برنامج القواسم المشتركة والتوافق على أسس ناظمة للشراكة السياسية، مع الحفاظ على الهدف الرئيسي المتمثل في إنهاء الاحتلال وتقرير المصير، بما يشمل تجسيد الدولة المستقلة، وعودة اللاجئين، مع أهمية أن تراعي الفصائل توسيع المشاركة السياسية للشباب والمرأة والشتات والفصائل غير الممثلة في المنظمة.
اعتماد إستراتيجية وطنية شاملة لإنهاء الاحتلال وحماية حق الفلسطينيين في تقرير المصير والاستقلال الوطني، وفقًا للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. يجب أن تُبرز هذه الإستراتيجية تعزيزَ صمود الفلسطينيين في أرض وطنهم، والحفاظ على الهوية الوطنية.
حشد أكبر حراك شعبي ممكن من الأفراد والمؤسسات والمؤمنين بالوحدة من الفصائل السياسية والمجتمع المدني والمبادرات الشعبية وغيرها، للضغط على القيادة والفصائل للإسراع في تحقيق إنهاء الانقسام وإنجاز الوحدة الوطنية على أساس القواسم المشتركة.
الدعوة إلى تصميم وتنفيذ نماذج ومبادرات وحدوية، والعمل من أسفل إلى أعلى، مع إدماج مؤسسات المجتمع المدني ومختلف المبادرات الشعبية من مختلف الأطراف في هذه الجهود.
التواصل مع الدول العربية وفق خطة فلسطينية واضحة لتطوير هيكل تشاركي مؤقت في قطاع غزة في إطار سلطة فلسطينية موحدة في الضفة الغربية وقطاع غزة وفق إعلان بكين، للحصول على دعمها داخل المجتمع الدولي، بما يشمل الدول الداعمة التي أيدت إعلان بكين.
ب) على مستوى الأفق السياسي لحل الصراع
دعم إطلاق مبادرة تهدف إلى خلق أفق سياسي قادر على تحقيق الأهداف والحقوق الفلسطينية، على أساس تطبيق القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، والرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، وتفعيل مسار مساءلة الاحتلال وشركائه أمام القضاء الدولي، والذهاب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بصيغة "متحدون من أجل السّلام "، لإقرار حماية دولية للفلسطينيين، ومقاطعة دولة الاحتلال وفرض العقوبات عليها، وتجميد عضويتها في الأمم المتحدة.
الالتزام بعقد مؤتمر دولي شامل ومستمر بدعم من المجتمع الدولي، يتضمن تحديد شكل الأفق السياسي الجديد، والأطراف المشاركة، والمتطلبات اللازمة للنجاح استنادًا إلى قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي، والدروس المستفادة من التجارب السابقة، بدءًا بالاعتراف منذ البداية بالدولة الفلسطينية وإجراء المفاوضات لتحديد حدودها وعلاقاتها مع الدول الأخرى، وليس لإعادة التفاوض على مبدأ إنهاء الاحتلال بشكل شامل وحق الشعب الفلسطيني في تجسيد دولته المستقلة ذات السيادة الكاملة.
الاستفادة من حركة التضامن العالمية مع القضية الفلسطينية لتطوير حملات تستهدف الشباب المحلي والدولي، بما في ذلك الحركات الطلابية الدولية، لتحويل رواية الشعب الفلسطيني عن القضية الفلسطينية من كونه ضحية مهزومة إلى كونه صاحب حق صامدًا ومدافعًا عن حقه في العيش بحرية وسلام وكرامة على أرضه.
اعتماد مقاربة لحث مختلف دول العالم للانتقال من شجب الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية إلى ممارسة الضغط الفعال، والاستفادة من صعود العالم الجنوبي لبناء مواقف دولية متقدمة في الضغط على إسرائيل ومساءلتها ومحاسبتها على انتهاكاتها.
بالتوازي مع ذلك، هناك حاجة للتركيز على دفع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي اعترفت بدولة فلسطين إلى اعتماد إجراءات رادعة للسياسات الإسرائيلية، في ضوء عدم قدرة الاتحاد الأوروبي على تبني مثل هذه الإجراءات بشكل جماعي موحد، مثل فرض العقوبات على إسرائيل، وملاحقتها، واشتراط اتفاقيات التجارة ومبيعات الأسلحة بإنهاء الإبادة الجماعية والاحتلال والاستيطان، وتنفيذ قرار محكمة العدل الدولية.
ثالثًا: الإغاثة
تطوير خطط للتعافي المبكر وتوفير الضروريات الحياتية في مختلف القطاعات، مثل الصحة والتعليم والكهرباء والمياه والصرف الصحي والحكم المحلي وغيرها، على المدى المتوسط.
تطوير آلية وطنية لتوزيع المساعدات ودعم المؤسسات الإغاثية والمبادرات الفاعلة في هذا المجال.
النظر في تشكيل لجان شعبية مناطقية للمساعدة في تنظيم توزيع المساعدات بشكل فوري وتوفير السلم الأهلي في قطاع غزة، وتنسيق التواصل ما بين هذه اللجان، مع دمج مؤسسات الحكم المحلي ومنظمات المجتمع المدني ومختلف المبادرات الشعبية من مختلف الأطراف في هذه الجهود.
طرح مبادرات قطاعية لإنهاء انقسام المؤسسات، وللتعافي، خاصة في مجالات الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية والإعلام والمحاماة وغيرها.
الاستمرار في دعم عمليات وكالة الأونروا في قطاع غزة، وكذلك في مناطق عملها الأخرى، من خلال استمرار وزيادة الدعم المالي للمؤسسة، والتأكيد على دورها في قطاع غزة من حيث الموظفين والبنية التحتية والخبرة العملية في جهود الإغاثة وإعادة الإعمار في المستقبل. وفي الوقت نفسه، رفض أي محاولات لإنهاء دور المؤسسة.
رابعًا: البناء وإعادة الإعمار
وضع خطط لإعادة الإعمار في قطاع غزة، وتشكيل مجلس أو هيئة وطنية للتعافي وإعادة الإعمار والبناء في قطاع غزة، إلى جانب اللجان التنسيقية المحلية المتخصصة للعمل الإنساني والإغاثي، وجسم آخر مماثل ومستقل في الضفة الغربية مع آلية للتواصل والتنسيق بينهما، يركز خصوصًا على منطقة شمال الضفة الغربية.
يجب أن يعمل هذان المجلسان تحت إطار حكومة الوفاق الوطني وبالتنسيق مع الأطراف العربية المشاركة، وضمن رؤية وطنية فلسطينية شاملة لما يعرف بـ"اليوم التالي". وينبغي تشكيلهما بالتوافق بين مختلف الأطراف لتحديد المبادئ الأساسية للإغاثة وإعادة الإعمار في قطاع غزة، مستفيدين من التجارب المحلية والدولية المماثلة وآلية الإشراف على إعادة الإعمار في ضوء التجربة السابقة في غزة، مع ضرورة توفير السكن المناسب لإيواء الأسر النازحة مؤقتًا عند العودة إلى مناطق سكناهم حتى يتم إعادة الإعمار.
الاستعانة بخبراء عرب ودوليين من ذوي الخبرة في مجال إعادة الإعمار، لا سيما في ظل الحجم الهائل من الركام الذي يحتوي على مواد خطرة.
إنشاء صندوق عربي ودولي للإشراف على جمع الأموال في مجال إعادة الإعمار، والتواصل مع الأطراف الإقليمية والدولية المستعدة للمساهمة في تقديم الدعم المادي أو المعدات أو المنازل المتنقلة أو الخبرات، والشروع في التحضير لمؤتمر دولي لحشد الدعم لعملية إعادة الإعمار.
تعزيز الاعتراف الدولي لقبول إدارة فلسطينية لعملية الإغاثة وإعادة الإعمار بوصف ذلك جزءًا من الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإدارة شؤونه بنفسه، وكذلك تعزيز فعالية البرامج وقدرتها على تلبية الاحتياجات.
حشد الدعم الإقليمي والدولي لرفع الحصار عن قطاع غزة، وتمكين قطاع الأمن الفلسطيني من فرض النظام والقانون، وإعادة تشكيل إدارة المعابر والحدود في قطاع غزة من قبل حكومة الوفاق الوطني لتولي مسؤولياتها في إدارة المعابر وإعادة بنائها وتأهيلها.