أوامر النزوح الإسرائيليّة… هندسةٌ لموت الغزيين..

الأحد 01 سبتمبر 2024 10:53 م / بتوقيت القدس +2GMT
أوامر النزوح الإسرائيليّة… هندسةٌ لموت الغزيين..



كتب مصطفى إبراهيم:

أُجبرت شمس (13 عاماً) المقيمة في بيت لاهيا على النزوح مع عائلتها نحو رفح، وبعدأشهر من الإقامة في رفح، أُجبرت مرة أخرى  مع عائلتها على النزوح نحو مدينة حمد فيخان يونس. 

والأسبوع الماضي، أُجبرت على النزوح إلى مواصي خان يونس، وتقيم الآن في خيمة معأهلها أمام بحر خانيونس، وتحت نار الشمس والقصف.

 تلخص شمس ما تعانيه بقولها: “شوب مش طبيعي، وجهي أسود أسود، وجسمي كلهحرارة أنا وماما. بضحك على الكاميرا بس ورا الكاميرا غير، والله حياة الخيمة صعبةكثير”. وتضيف: ”ما توقعت تكون صعبة لهدرجة، ”بس بنقول الحمد لله أحسن منغيرنا”.

الموت والدمار رعب مستمر لا يمكن تصوّره، وإسرائيل مستمرة في تبريره وإنكاره. وهذه جريمة لا يمكن تبريرها ولا تُغتفر، هي جريمة غير إنسانية، إذ  ما زالت السلطاتالإسرائيلية مُستمرة في العمليات العسكرية، وتجبر عشرات آلاف العائلات على النزوحعبر أوامر إخلاء شبه يومية، بينما لم تعد هناك أماكن للإقامة، إذ تقلصت ما تُسمى بـ“المنطقة الإنسانية” إلى 11 في المئة فقط من مساحة قطاع غزة،  ما أثار الخوفوالفوضى بين النازحين.

يلجأ الكثيرون إلى أجزاء من منطقة المواصي في وسط  قطاع غزة، ووفقاً لتقارير مكتبالأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا”، يعيش حوالى 30,000 شخص فيكل كيلومتر مربع هناك، مقارنةً بـ 1,200 شخص لكل كيلومتر مربع قبل الحرب.

“وين نروح؟”

أصبحت أوامر الإخلاء اليومية نوعاً من المتعة للجيش الإسرائيلي، وفي الأسبوع الماضيصدرت أوامر إخلاء جديدة لشرق خان يونس، وحالياً هناك نحو ربع مليون فلسطينيفي حالة نزوح مستمرة منذ شهرين. 

جنون أوامر النزوح والإخلاء الفوري مستمرة، ولا يملك الناس ترف التفكير والعناد، معأن عدداً منهم رفض الأوامر لعدم وجود مكان يذهبون إليها، فقُتلوا، لكن الغالبية  تمارس  النزوح القسري والبكاء المرير والسؤال المعلّق في حلقها دوماً: “وين نروح؟”.

في وسط الإبادة المستمرة، لم يتبقَّ أي شيء من الإنسانية سوى الكلمات، وجميعممارسات السلطات الإسرائيليّة ليست إلا استمراراً لجهود تجريد الفلسطينيين فيقطاع غزة من إنسانيتهم. وأكثر شيء يفكر فيه الناس ويرغبون فيه هو وقف الحربوالعودة الى إنسانيتهم ومنازلهم وحياتهم الطبيعية.

تتبلور سياسة تهجير الفلسطينيين عملياً هنا، وهي سياسة طويلة المدى “لليومالتالي”. رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق الجنرال  في الاحتياط غيوراآيلاند، منظر الحرب ومهندس سياسة التجويع، يقترح تجويع الفلسطينيين حتى الموت،أو طردهم إلى الشتات، كوسيلة ضغط على “حماس”.

هذه السياسة/ المقترح نعيشه يومياً، والناجون من الإبادة حتى اللحظة، يتم هندسةحياتهم لتؤدي إلى الموت، بسبب انتشار الأمراض والأوبئة وانهيار البنية التحتية،وجريان مياه الصرف الصحي في الشوارع، ما خلق بيئة ملوثة ومنظومة صحيّة فقدتكل مقومات البقاء على الحياة. إلى جانب النقص الحاد في الأدوية لأصحاب الأمراضالمزمنة، الذين يفقدون حياتهم من دون أن يشعر بهم أحد، 

هذا عدا عن مرضى السرطان الذين يعانون من دون علاج. والأمر الذي لا يقل خطورةعما سبق، هو أن الغزيين في غالبيتهم يعيشون حالة الصدمة، وتتراكم لديهم الأمراضالنفسية والاضطرابات النفسية والاكتئاب.

وبحسب عدد من الأبحاث التي أجريت في غزة، فإن خطر الانفصال الأسري زاد بشكلكبير في الأشهر الماضية، وتفاقم بسبب جولات متعددة من النزوح والاعتقالات وأوامرالإخلاء الإسرائيلية والوفيات. ومن الأمثلة على ذلك، العثور على أطفال يعيشونبمفردهم في المستشفيات. 

ووفقاً لليونيسف، يُقدّر أن حوالى 17,000 طفل في غزة غير مصحوبين بذويهم أومنفصلين عن والديهم، وقد تكون الأرقام الفعلية أعلى. وبحسب الأونروا، فإن الحربوالنزوح القسري يقفان عائقاً أمام إعادة لمّ شمل الأطفال مع عائلاتهم.

وفيما أصبحت مهمة المفوض العام للأونروا نشر المناشدات الإنسانية بكلمات شعريةوتكرار ترديدها، وقوله “إن غزة لم تعد مكاناً للأطفال بعد الآن”، وإنهم “أول ضحايا هذهالحرب التي لا ترحم”،  “ولا يمكننا السماح بأن يصبح هذا الوضع المروع هو المعيارالجديد”،  يمكن القول إن هذا “المعيار” هو السائد منذ بداية الحرب، في ظل مسلسلقتل الأطفال، 

وتصريحات المفوضية من دون أي تأثير ولا تترك أي أثر لدى صناع القرار  الدولي. لمتتخذ الأونروا ووكالات الأمم المتحدة أي خطوات وإجراءات احتجاجية بسيطة مثلتعليق العمل من جميع العاملين في المنظمات الدولية. 

تبدو الظروف الحالية مناسبة لنتانياهو، فهو مفتون باستطلاعات الرأي التي منحتهغالبية شعبية إضافية مريحة، وظروف تنافسية مع خصومه. لم يتم التوصل الى وقفإطلاق النار والى صفقة تبادل الأسرى، وليس هناك تصعيد إقليمي، فيما أميركا بدأتتنشغل يوماً تلو الآخر بانتخاباتها ومشكلاتها الداخلية. لكن، المذبحة مستمرة من دونأي أفق للضغط على إسرائيل لوقفها.