حينما يحكم على شخص بالإعدام يسألونه ما هو طلبك الأخير قبل تنفيذ الحكم .وحسب معرفتي؛ معظم المحكومين يطلبون وجبة طعام خاصة.
كلما طال أمد الحرب وأنت لازلت حيًا يبدأ احساس أن النهاية إقتربت يتسلل لداخلك شيئًا فشيئًا وتبدأ بتوديع هذه الدنيا على طريقتك مثلاً بترك انطباع جيد عند كل من تصادفه من أصدقاء وجيران وزملاء . تشتري ما ترغب من احتياجات إن أمكن، تتصل بالأصدقاء والأقارب تودعهم بشكل غير مباشر .....ألخ
والبعض الآخر يبدأ بالشكوى والصراخ أو وصف الحالة السياسية والاجتماعية سواء نقدها أو الثناء عليها إما بالجلسات الخاصة أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو الكتابة أو التصوير .
ولكن ما لفت انتباهي قبل أيام بعد أن تعرض منزلنا للقصف، وكانت رائحة الموت المختلطة برائحة الدخان المختلط بالبارود، والمواد المتفجرة تزكم اُنوفنا على أثر قصف البرج المجاور لنا .المهم نجونا بإعجوبة مثل المرات السابقة .
ما لفت انتباهي أن الأطفال لايتحدثون ولا يشتكون فقط؛ يموتون وأصبح تعبيرهم بالبكاء والصراخ والعنف المتواصل هو سبيلهم الوحيد للتعبير عن ما يشعرون به من خوف ورعب وعدم شعور بالأمان .
وكلما طالت مدة الحرب بدأ الأباء والأمهات أيضًا بالإنزواء بذواتهم وقدرتهم على تحمل الحرب قلت واهتمامهم بأطفالهم قل كثيرًا وأصبح الأطفال مهملين دون رقيب وصار فعلهم الوحيد تقريبًا أن يتعاركوا فيما بينهم ويتعرضون لخطر حقيقي وكثيرًا منهم نقل إلي المستشفى نتيجة ضربة ما من طفل أخر .
منذ بداية الحرب كنت كثيرًا ما أهتم بالأطفال أتحدث وألعب معهم ولكن بعد القصف الذي تعرضنا له سألت نفسي ماذا لو اسشتهد الجميع .كانت إحدى حفيداتي واسمها رومانس عمرها ١٢ عام قبل أسبوعين أبلغتني أنها ترغب بشدة الذهاب إلي مطعم لتأكل شاورما، تجلس على المقعد وتشبك يديها على الطاولة وتطلب ماءً مثلجًا في ظل انقطاع الكولا .طلعة مثل أيام زمان.
فقلت لنفسي لابد أن أصطحب الأطفال جميعًا وامهاتهم
للذهاب إلي المطعم لأنها قد تكون الوجبة الأخيرة.
بالمناسبة كانت حفيدتي الصغرى حور ابنة العام وثلاثة أشهر هذة المرة الاولي التي تذهب بها إلي المطعم وكانت سعادتها غامرة شعرت أن هذة طلعة أطفال جميلة . وبالمناسبة ومن أعمارهم ثلاث وأربع سنوات من الأحفاد اكتشفت أنهم هم الأخرين قد نسوا رحلاتهم إلي المطاعم وكانت بالنسبة لهم المرة الأولي التي يختبرون بها الجلوس بالمطعم. وفي ظل عدم استيراد ألعاب للأطفال .الألعاب شبه مقطوعة في غزة. في الماضي كانت الطفلة بعمر حور لديها غرفة ألعاب فقلت لابد أن أشتري لعبة لحور .ذهبت إلي السوق ووجدت لعبة عداد جميلة اشتريتها لأن هذا ما وجدته ولم أتخيل أنها ستعجب حور ولكنها التقطتها عرفت أن هذة لعبتها وتشبثت بها بكل هذه الفرحة والسعادة الغامرة بالدنيا وبدأت تلهو بها فورًا وأهم شيء علمت أن هذه اللعبة خاصة بها . الأطفال يعرفون الألعاب .
ويعرفون بحدسهم أشياء كثيرة أخري يجب عدم مصادرتها .هناك الكثير من الأشياء التي يجب أن يختبروها ويجربوها لأنها قد تكون الوجبة الأخيرة أو اللعبة الأخيرة .
لأنه ببساطة دق الموت جدران منزلنا ثلاث مرات وأهال الجدران علينا ونجونا بإعجوبة واستشهد وأصيب بعضنا ولازلنا نعيش بالصدفة البحتة .
علي أبو ياسين