الأخبار والتحليلات والتعليقات والتكهنات كل ما أحاط بالفترة الزمنية التي سبقت التحضير للمناظرة الرئاسية التي جمعت بين الرئيس الأمريكي الديمقراطي الحالي جو بايدن والبالغ من العمر 81 عاما، ومنافسه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، والذي لازال يحاكم أمام القضاء الأمريكي في إدعائات تتصل بدفع مبالغ لسيدات يقول المدعين بأنه حاول شراء صمتهن في قضايا تحرش. بالإضافة لقضايا متعلقة بتمويل غير قانوني خلال حملة ترشحه للرئاسة في العام 2016 وغير ذلك من قضايا لازالت عالقة يواجهها المرشح الرئاسي والذي لا يملك فريقه الكثير من الوقت لكي ينهيها حيث تقول التقارير بأن " أمام فريق ترامب حتى 8 أغسطس/ اب لتقديم أي التماسات وسترد النيابة العامة بحلول 19 سبتمبر/ ايلول، حيث قال القاضي، خوان ميرشان، إنه سيصدر حكمًا بشأن الالتماسات في جلسة الاستماع الشخصية المقبلة المقرر عقدها في 4 ديسمبر/ كانون الأول". هذا سيجعل أمريكا تبدوا متخبطة في إطار زمني قد يصل به رئيس أمريكي عبر صندوق الإنتخاب للبيت الأبيص وهو لازال يواجه قضايا لم يبت فيها بعد. بينما يسابق الحزب الديمقراطي الزمن ويحاول الوصول لآليه تساعده لتقديم مرشح ينافس على الرئاسة في حال الوصول لقرار بضرورة تنحي الرئيس الأمريكي الحالي بايدن عن سباق الرئاسة القادم. لا سيما أن الإنتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة من المزمع إجرائها في الخامس من نوفمبر من العام الجاري أي شهر واحد قبل أن يصدر القاضي حكمه في قضايا يواجهها ترمب في سباق سيحدد من سيعتلي عرش البيت الأبيض لأربعة أعوام قادمة.
لقد حظيت المناظرة التي تمت في السابع والعشرين من يونيو في أتلانتا بإهتمام قد يمكن القول بأنه غير مسبوق، ليس لأن شخصي الرئيسين على طرفي المناظرة يفرض الكثير من النقاش حول ما إذا عجز الحزبين الرئيسيين في أمريكا عن فرز مرشحين يحظيان بقبول في عيون الشعب الأمريكي. فليس بايدن الطاعن في السن والذي لم تعد سقطاته الفعلية والكلامية ونوبات الشرود التي يشهدها العالم خلال عدسات الكاميرا هي ما يجعله محل شك في إمكانية إستمراره لفترة رئاسية قادمة. ليس هذا فحسب لكن عجز بايدن عن تقديم ما يمكن له من خلاله الترويج لنفسه من خلال إنجازات لحكومته خلال الأربعة أعوام المنصرمة. ليس فقط على الصعيد الداخلي فيما يتعلق بملفات تمس حياة الأمريكيين بشكل مباشر لاتصالها بالاقتصاد والصحة والتعليم وغيرها. لكن أيضا لفشله الذريع حسب المراقبين بأن يلعب دورا رياديا إعتادته أمريكا في ملفات حول العالم نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر الحرب الروسية الأوكرانية، العلاقات الأمريكية الصينية، ملف الشرق الأوسط وفي القلب من الحرب المستعرة في قطاع غزة. وفي الأخيرة تحديدا أثبتت الولايات المتحدة الأمريكية بأنها لم ولن تكن يوما شريكا حريصا على السلام وعلى توصل الطرفين لحل يعطي للفلسطينيين دولة يعيشون فيه بكرامة بل دق الديمقراطيين هذه المرة المسمار الأخير في نعش التسوية السلمية بتغاضيهم تارة ومشاركتهم أخرى في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وما تمخض عنه من تكلفة بشرية ومادية لا زالت مستمرة.
قالت التقارير بأن فريقي الرجلين اتفقا على بروتوكولات خاصة لم يسبق تبنيها في مثل هذه المناظرات الانتخابية مع الاخذ بعين الإعتباربأن هذه هي المناظرة الأولى التي تتم دون تنظيم "لجنة المناظرات الرئاسية" التي كانت تنظم تلك الفعاليات في الدورات السابقة منذ عام 1988. كما أنها أول مناظرة في التاريخ الأمريكي بين رئيس في السلطة ورئيس سابق. وحدثت على غير المعتاد دون جمهور ولا حضور ومنع فيها المتجادلين من الاستعانة بأي من مساعديهم خلال التسعين دقيقة زمن المناظرة.
بدت المناظرة التي بدأت دون سلام الرجلين على بعضهما البعض عبثية على حد وصف الكثير من الأمريكيين فقد تلعثم بايدن ووصف خصمه بالمتحرش بالمقابل شتمه ترمب وسخر منه في مناظرة هزلية تفضي لما قد يشهده العالم في السنوات الأربعة القادمة من تخبط ، فهذا هو البيت الأبيض الذي لازال يدير عالم أحادي القطبية تحاول فيه بعض الدول الصاعدة إقتصاديا كالصين أو القوة تاريخيا كروسيا من إيجاد موطئ قدم في قضايا محورة تعيد العالم لتعددية قطبية وتخفف من وطأة السطوة الأمريكية التي ما انفكت تثبت بأن الدولة العظمة الوحيدة تتصرف بما يهدد مصالح دول وشعوب لا حصر لها في بقاع العالم. لعل أوكرانيا، افغانستان، العراق وغيرهم شاهدين على إستمرارية مأساة السطوة الأمريكية.
ظهلا بايدن مرهقا بشكل جلي خلال المناظرة وتلعثم وتوقف عن الكلام في كثير من المواضع دون مبرر، لكنه عزا ذلك لساعات السفر الطويلة وعدم استماعه لنصيحة فريقه بالراحة قبل المناظرة، بينما " انقض عليه ترمب كالوحش" على حد تعبير الأمريكيين مستغلا كل فرص ليذكره بأنه عجوز طاعن في السن لا يمتلك القدرة على ادارة شؤون البيت الأبيض بل ذهب مستشار الرئيس السابق اوباما ديفيد اكسيلور لوصف بايدن بأنه شخص "خطير" على الرئاسة الأمريكية بينما وصف آخرون أدائه ب "الكارثي".
تجادل الرجلين في جو مشحون غير طبيعي أعاد لنا ذات المشهد الذي رأى فيه العالم وسمع وشاهد مناصرو ترمب يعيثون حالة من العنف والفوضى في مقر الكونغرس الأمريكي أثناء جلسة مشتركة لمجلسي النواب والشيوخ للتصديق على فوز جو بايدن. فهل تتمتع أمريكا بديمقراطية حقيقية أم أنها قشرة تتجمل بها الدولة العظمى تطرح تساؤلات مستمرة عبر الأجيال حول نظامها الإنتخابي ومدى تمثيل سيد البيت الأبيض لإرادة الأغلبية الأمريكية. وتبقى الأسئلة والاحتمالات مفتوحة في الاشهر القليلة القادمة فيما اذا كان الديمقراطيون سيقتنعون بعدم قدرة مرشحهم الحالي على تولي فترة رئاسية ثانية وبالتالي التفكير بدفع مرشح رئاسي جديد واسماء كان من بينها نائبة الرئيس الأمريكي الحالية كاميلا هاريسون والذي يرى الكثيرون من المراقبين بأنها تلعب دورا أهم من دور الرئيس في الفترة الحالية نظرا لمحدودية قدرة بايدن الصحية على الحكم. كما طرح اسم زوجة الرئيس الامريكي السابق ميشيل اوباما ايضا كمرشح محتمل للحزب الديمقراطي. أما الجمهوريون فهم يبدون على قناعة وثقة بأن مرشحهم ترمب والرئيس الامريكي السابق قادر على أن يكتسح السباق الإنتخابي وأن يعود لسدة الحكم وسط ملفات ساخنة كانت وجهة نظره فيها واضحة وجليه تضرب عرض الحائط كل من يخالفة ويلوح بشعار يحشد الكثير من الأمريكيين خلفه ويدغدغ امنيات الامريكيين بجعل " امريكا عظيمة مرة أخرى".
نختم بالقول بأن الشعب الأمريكي والعالم قد يشهد تنحي الرئيس الأمريكي وإعلان عدم ترشحه لفترة رئاسية جديدة، حيث بدأ الحزب الديمقراطي بسباق مع الزمن في محاولة لايجاد ممثل بديل للحزب. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل كان على الحزب الديمقراطي الإنتظار ليذهب بخياره بترشيح بايدن لفترة ثانية إلى هذا الحد بالرغم من كل المؤشرات التي ظهرت على بايدن خلال الفترة الزمنية الأخيرة التي تجعل منه شخصا غير مناسبا لشغل فترة رئاسية جديدة. شهور تفصلنا عن معرفة هوية سيد البيت الأبيض القادم مع ميل كبير لتوقع عودة ترمب لإدارته في مواجهة ضعف اداء منافسه وقصور الحزب الديمقراطي عن طرح البديل. ويعيد كل ما سبق ذكره الجدل القديم المتجدد حول ما اذا كان النظام الانتخابي الأمريكي يعبر بالضرورة عن رأي الأمريكيين فيمن يسوس أمورهم.