مداولات الصفقة انطلقت.. لكن نتنياهو يلعب على حبلين تهرّباً منها

الأحد 07 يوليو 2024 04:37 م / بتوقيت القدس +2GMT
مداولات الصفقة انطلقت.. لكن نتنياهو يلعب على حبلين تهرّباً منها



القدس المحتلة/سما/

يغادر طاقم المفاوضات الإسرائيلي للقاهرة غداً الإثنين، بعدما كان رئيس الموساد قد قام بزيارة خاطفة للدوحة، يوم الجمعة الفائت، لتسليم ملاحظات وتحفّظات حكومة الاحتلال على ردّ “حماس” الجديد على الصفقة المقترحة، وسط تساؤلات محلية ودولية عن نوايا رئيسها نتنياهو.

يشار إلى أن الرئيس بايدن كشف، في نهاية مايو/أيار الماضي، عن صفقة إسرائيلية مقترحة مكوّنة من ثلاث مراحل، يمتدّ كلّ منها ستة أسابيع، تشمل الأولى تبادل المحتجزين الإسرائيليين الجرحى والمسنّين والنساء، مقابل أسرى فلسطينيين، وتشمل الثانية الإفراج عن الجنود، مقابل المزيد من الأسرى الفلسطينيين، وتنطلق فيها مفاوضات حول بقية المواضيع، على أن تبقى الحرب متوقّفة حتى إحراز اتفاق، وفي المرحلة الثالثة يستعيد الاحتلال جثامين الرهائن، ويبدأ مشروع ترميم قطاع غزة. وفشلت المساعي لإتمامها، بسبب تعنّت إسرائيل برفض وقف الحرب، التي تدخل، غداً الإثنين، شهرها العاشر، وتعتبر أطول حرب في تاريخ الصراع.

وطبقاً لمصادر فلسطينية وإسرائيلية وأجنبية، فقد ليّنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) موقفها، وفي ردّها الأخير تُبدي استعدادها لقبول عدم وقف الحرب أولاً، وفي ذات الوقت تشترط ألّا تكون المفاوضات خلال المرحلة الثانية محدّدة بالوقت فتستمر حتى إحراز اتفاق حول المرحلة الثانية والثالثة، ودون عودة إسرائيل للحرب.

وطبقاً لعدة مصادر، تبدأ طواقم المفاوضات المهنية المداولات غداً في القاهرة والدوحة، ولاحقاً تعقد قمة خلال الأسبوع بين مدير وكالة المخابرات الأمريكية مع رئيس الموساد ومدير المخابرات المصرية ورئيس الحكومة القطري.

وجهة نتنياهو؟
في الجانب الإسرائيلي، وبموجب مؤشّرات وقرائن متنوّعة، أن نتنياهو يقف أمام خيارين أساسيين، أولهما مواصلة المناورة والمراوغة والتهرّب من الصفقة، ومحاولة إلقاء التهمة في ملعب “حماس”، كما فعل طيلة شهور، وذلك رغم أنه سيسافر للولايات المتحدة، ومن المتوقع أن يحمل معه جديداً يرضي الإدارة الأمريكية الراغبة بصفقة توقف الحرب، التي ساندت إسرائيل فيها بشكل غير مسبوق.

في هذا الاتجاه، هناك من يرى أن الزيارة هذه، التي ينتظرها نتنياهو لتسويق نفسه ومزاعمه وتحسين صورته، تنطوي على محفّز حقيقي يدفعه لقبول صفقة، يعلن فيها، وخلالها، عن انتصار إسرائيل، ويراهن على عودة المحتجزين كأمر إيجابي يخدمه في الحلبة الإسرائيلية الداخلية.

وبمقدور نتنياهو التقدّم في هذا الاتجاه، لأن الكنيست الإسرائيلي سيخرج لعطلة ثلاثة شهور في نهاية الشهر الجاري، ما يعني عدم وجود تهديد فوري بإسقاط حكومته من قبل سموتريتش وبن غفير وبقية المتشدّدين.

بيد أن نتنياهو يمكنه مواصلة الكذب والتسويف، فيطيل المفاوضات، ويؤجّل حسم أمره إلى ما بعد زيارته لواشنطن، ولا يكترث بموقف بايدن، خاصة بعدما بات يظهر بصورة “البطة العرجاء” نتيجة المناظرة الكارثية، وهو بالنسبة له اليوم ليس رئيساً أمريكياً حقيقياً، بقدر ما هو مرشح فقط، بل تحوم حول استمرار ترشّحه علامات سؤال.

كذلك لن يكترث نتنياهو للضغط الدولي، وللمحكمتين في لاهاي، بعدما تبلّلَ نتيجة أوامر وأحكام سابقة، ولم يعد يهتم بالمزيد من القطرات والانتقادات.

تفخيخ المفاوضات
ثمة دلائل كثيرة على سوء نية نتنياهو حيال الصفقة المطروحة، فعائلات المحتجزين تواصل الاحتجاج، وتصعّد، اليوم الأحد، في “يوم تشويش وطني”، وسط توجيه إصبع الاتهام له بمحاولة تعطيل الصفقة قبل أن تنطلق المداولات حولها.

وفي هذا المضمار، صدر كتاب جديد تحت عنوان “نتنياهو سيد الإهمال”، تتّهمه هذه العائلات، ومسؤولون إسرائيليون سابقون، وأدباء بارزون بالفشل، ومنع الصفقة.

حتى رسم كاريكاتير في “يديعوت أحرونوت” يظهره وهو هارب بقوة من الصفقة، فيما أظهره كاريكاتير “هآرتس”، يوم الجمعة الأخير، يقف وبجانبه سموتريتش مقابل جسر عال، يحمل جهازاً، في انتظار وصول قطار المفاوضات، يستعد للضغط على كبسة زر لتفجيره. يضاف لذلك تسريبات تنقلها “هآرتس”، اليوم، عن مسؤولين كبار في “الليكود”، يقولون إن “حماس” تبدي ليونة، فيما تتخذ إسرائيل خطاً متشدّداً، وإن نتنياهو يخشى انتخابات مبكّرة، ولذا من المشكوك به أن تتحقق صفقة.

أقوال وأفعال نتنياهو
كذلك كانت نشرت، قبل أيام، تسريبات سابقة متكرّرة عن  مسؤول ملف الأسرى والمفقودين في جيش الاحتلال الجنرال في الاحتياط ألون نيتسان يهدّد بموجبها بالاستقالة بحال عطّلَ نتنياهو الصفقة هذه المرة، علماً أنه اتهم نتنياهو، قبل شهرين، بتخريب مساعيها. ويعكس نيتسان بذلك موقف الجيش، بل كل المؤسسة الأمنية الراغبة بصفقة وبوقف الحرب، منذ شهور، لأنها تحوّلت لاستنزاف مكلف، ودون أهداف واضحة، ومن أجل منع نشوب حرب مع “حزب الله” الآن، ومن أجل استعادة الرهائن، فهذه عملية ليست إنسانية فحسب، وبالنسبة لها هي مسألة أمن قومي.

يشار إلى أن نتنياهو قال، عشية بلوغ الرد اللين من “حماس”، يوم الجمعة الماضي، إن الحرب مستمرة، وعاد وقال ذلك في مكالمته مع بايدن، وغيرها من التصريحات التي تندرج ضمن محاولات وضع العصي في دواليب الصفقة، تزامناً مع تقدّم “حماس” في موقفها. كذلك أمرَ نتنياهو رئيسَ الموساد بإبداء موقف متشدّد، يوم الجمعة، في الدوحة، ويشترط أن تكون المفاوضات مع “حماس”، فور انتهاء الجولة الأولى، محدودة جداً كي يحتفظ لنفسه بفرصة استئناف الحرب على غزة. مثلما يستعدّ لإعاقة المساعي بالتشدد في تفاصيل ومفاتيح الجولة الثانية، كموضوع الأسرى الفلسطينيين، تعدادهم، وهويتهم، والمطالبة بحق “فيتو” إسرائيلي في هذا الشأن.

وهذه المرة أيضاً، لم يرسل رئيس الشاباك بار ونيتسان مع رئيس الموساد، بل مستشاره السياسي للدوحة، وهو بمثابة جاسوس شخصي له على الطاقم المفاوض.

هكذا، كما في الجولات السابقة، كلما اقتربت الصفقة سكبَ دلو ماء بارد عليها.

على خلفية كل ذلك، وغيره، يرى المحلل السياسي في “يديعوت أحرونوت” شيمعون شيفر أن الصفقة تبتعد، و”حماس” باقية. ويضيف: “هُزمنا أمام حماس لأن نتنياهو يرفض التداول في بديل لها داخل القطاع، والمخرج الوحيد من المأزق هو انتخابات عامة”.

في التزامن، تنقل صحيفة “هآرتس”، اليوم، عن مصادر “أجنبية” قولها إن إسرائيل تضع مطالب جديدة في المفاوضات ستعيق استكمال صفقة.

وفي افتتاحيتها، اليوم، تحذّر من محاولة نتنياهو تعطيلها، وتدعو الإسرائيليين لتحمّل مسؤولية، والخروج للشوارع للضغط والاحتجاج، وإرسال رسالة للحكومة تقول: “صفقة الآن، وفوراً”.

نصف صفقة
أما الخيار الثاني الممكن لدى نتنياهو، فيكمُن بالذهاب لتطبيق ما قاله قبل أسبوعين للقناة 14 العبرية بأنه يريد صفقة جزئية، وهذا يعني التعاون مع الوسطاء في المرحلة الأولى، وإتمام صفة تبادل، واستعادة المدنيين، وما يلبث أن يفجّر المفاوضات بذرائع متنوعة، والعودة للحرب، مبقياً الجنود الأسرى بيد “حماس” حتى تنتهي الحرب لاحقاً، على أمل الظفر بصورة انتصار تبقيه في سدة الحكم، وخارج السجن، وفي التاريخ.

على خلفية كل ذلك، تصعّد عائلات المحتجزين، ومنظماتٌ أهلية معارضة، الاحتجاجَ والتظاهرَ، اليوم أيضاً، وطيلة الأسبوع الجاري، كمحاولة استباقية لتضييق هامش مناورة وكذب نتنياهو، وإن كان هذا قد بات أضيق بسبب تليين “حماس” شروطها، ضمن رغبتها بوقف معاناة الغزيين، والتقاط الأنفاس هي الأخرى، ومواصلة إدارة المعركة على وعي الإسرائيليين والفلسطينيين والعالم، فيما تقول مصادر مختلفة إن “حماس” مصمّمة على تلقّي ضمانات صارمة أكثر من الوسطاء لعدم تجديد العدوان على غزة بعد المرحلة الأولى من الصفقة.